قبلَ نحو أسبوعين، ظهَرت السيدة السوريّة الأولى “أسماء الأسد” مُرتديةً ثياباً بسيطة، صَنَعها ذوو قتلى وجرحى #القوات_النظامية، منَ العاملين والعاملات في مشغل “المثنى” بالساحل السوري، وهو مشروع تأسّسَ لـ«أهداف إنسانية لا تهتمّ كثيراً بالربح»، بحسب القائمين عليه.

لا يختلف هذا النشاط عن أي نشاطات دعائيّة، تختفي فيها الربحية والإنتاجية الواضحة، لصالح لقطات كاميرا تُسابق تحركات أفراد العائلة الحاكمة، لينتَهي الحَدَث بتعليقاتٍ مثل: «أم الكلّ مرّت من هنا».

أما “رامي مخلوف”، ابن خال الرئيس السوري “بشار الأسد”، فلم يُطِل الغياب عن موقع “فيس بوك”، وعادَ مساءَ الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمر الفائت، بمَنشورٍ يفيض بالمشاعر تجاه الفقراء، مُتّهِماً الخصوم بـ«نهب المؤسسات الإنسانية»، في إشارة إلى “مؤسسة راماك للمشاريع التنموية”، والتي تتبع لها جمعية “البستان”، المتنازع عليها بين “مخلوف” و”أسماء الأسد”، بحسب مصادر عدّة.

تمثّل تحركات الطرفين المتنازِعَين محاولات لكسب الحاضنة الشعبية للحكومة السورية في الساحل بشكل خاص، والتي تشكل خزّاناً بشرياً أساسياً لإمدادها بالمقاتلين. وتعكس في سياق أعمّ صراعاً على “اقتصاد ظل” سوري، عنوانه العمل التنموي والإنساني والإغاثي غير الربحي، ودعم “المشاريع الصغيرة”، والتركيز على “الفئات الأكثر تضرراً” دون غيرها، وأشكال متعددة من الاستثمار في دورة إنتاجية غير مكتملة، وغير مهتمة بالسلعة المادية، بقدر اهتمامها بالسلَع الأهم، وهي المشاعر والعواطف والأدوار السياسية والمجتمعية الدعائية.

 

أهداف متعددة

يضَع الخبير الاقتصادي السوري”سمير طويل”، في حديثه لـ«الحل نت»، جميع أشكال الاستثمارات “غير الربحية” في إطار «عمليات تبييض وغسيل الأموال، التي يقوم بها رجال الأعمال الكبار، ويتجلّى ذلك في تحويل المِنَح أو استقطابها، لتأسيس ما يُعرف بـ”المشاريع الخيرية”، التي تُسوّق على أنها لخدمة الناس. وتحت هذا البند يندرج الصراع بين “أسماء الأسد” و”رامي مخلوف”، بوصفه تنافساً على اقتصاد الظل هذا».

أما الباحث الاقتصادي “يونس الكريم”، فيؤكد ضرورة فَهم «تجربة العمل الخيري المُدار من قبل الأسرة الحاكمة في سوريا منذ البداية، أي فترة ما قبل #الحرب_السورية، فقبل عام 2010 كانت المؤسسات غير الربحية في سوريا نوعاً من أنواع البرستيج (المظهر الاجتماعي)، وسعت “أسماء الأسد” لإظهار نفسها سيدةً أولى، وهو عُرف طبيعي لدى أي طبقة حاكمة، بوصفه وسيلة للتقارب مع زوجات الرؤساء والملوك الآخرين. كما كانت وسيلة للتخلص من العقوبات الهشة على #الحكومة_السورية في ذلك الوقت».

ويلفت “الكريم”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أنّ «المشاريع التنموية كانت أيضاً أداةً للاستيلاء على الأملاك العامة، كما هو الحال مع “مشروع مسار” التنموي، الذي أُنشِىء على أرض معرض #دمشق الدولي القديم. ووَضعت “أسماء الأسد” يدها على أملاك مماثلة في #حمص ودمشق القديمة كذلك، مثل استملاكها لـ”المدرسة الوطنية”».

ومنَ الأسباب الأخرى للتحكم بالعمل الإنساني في سوريا «خوف الحكومة السورية من دخول منظمات المجتمع المدني الخارجية إلى البلد، وما يترتب عليه من تغييرات قد تفقِدها السيطرة على الأوضاع »، بحسب “الكريم”.

وفي السياق ذاته يؤكد “سمير الطويل”: «في أعقاب الحرب السورية، أصبح العمل الإنساني والمنظماتي باباً للتهرب من العقوبات التي راحت تتصاعد، بما أنه لا يمكن معاقبة جمعيات خيرية نظرياً. كما قامت هذه الجهات بتمويل العمليات العسكرية للقوات النظامية، وتوفير مقاتلين لميليشياتها المحلية، وشراء الولاءات في حواضنها الشعبية، وعلى هذا الأساس رأينا الخلاف بين “رامي مخلوف” و”أسماء الأسد” على “جمعية البستان”، ومن ثم التنافس بين هذه الجمعية و”جمعية العرين”».

 

بزنس ضخم

منَ “النموذج الاشتراكي” مروراً بـ “اقتصاد السوق الاجتماعي” واليوم “دولة المشاريع الصغيرة والمبادرات الفردية”، يتراجع دَور الدولة السورية الشامل، وتزداد الانتقائية في توزيع العوائد والاستثمارات، واستهداف فئات محددة دون غيرها.

«من هنا يمكن فَهْم توجُّه “رامي مخلوف” و”السيدة الأولى” إلى الفقراء في عملهما ورسائلهما، والمقصود بـ”الفقراء” فئة الأكثر تضرراً وولاءً من مؤيدي الحكومة السورية.  لذا نجد المنظومة الحاكمة بأقطابها تحاول التأثير في هذه الفئة من المجتمع، نظراً لسهولة تحريكها والتلاعب بها»، وفقاً لـ”يونس الكريم”. ويشكّل التوجه نحو الأشد فقراً من المؤيدين أيضاً «محاولة للاستحواذ على جميع الأموال الممنوحة للسوريين من #الأمم_المتحدة وبقية المانحين». ويوضح “الكريم” أنّ «العمل الإنساني في سوريا أصبح “بزنس” ضخماً للغاية، ففي عام 2014، على سبيل المثال، قُدّر الدعم المقدّم إلى سوريا بنحو أربعة مليارات دولار، مُوزّعة على الطرفين (الحكومة والمعارضة)، واختفى وتبخّر قسم كبير منها دون أن يترك أثراً في حياة الناس»، وأكد “الكريم” أنّ: «جميع الأموال التي أرسلت إلى مناطق المعارضة استفادت منها الحكومة السورية، باستثناء ما صُرِفَ خارج الحدود».

 

مكانة مستقبلية

إلى جانب المكاسب المادية والدعائية لا يمكن إغفال نقطة هامة تُحرّك السباق على دعم الفقراء وهي «حَجز مكانة في حكومة الظل، المتمثلة بـ”المجتمع المدني” والأهلي في سوريا، والذي يقوم وسيقوم بدور محوري في عملية إعادة الإعمار، وما يرافقها من استقطاب المنح والاستثمارات»، بحسب “الكريم”، الذي يرى أن أهمية هذا المسعى ستزداد «مع بوادر اقتراب الحل السياسي، وهو ما سيزيد من حدة وشراسة الصراع على الاستثمار في المجالات الإنسانية، خصوصاً بعد #قانون_قيصر، الذي فرضَ تحولاً في عمل المنظمات، حين حصر المساعدات المسموح بها بـ”المساعدات القانونية”، ووَضَعَها تحت الرقابة والمُساءلة، وعليه ستُحاول المؤسسات غير الربحية المحلية إعادة ترتيب وضعها وبنيتها التنظيمية. وفي هذه الأثناء ستستمرّ محاولات الحكومة السورية والمعارضة لتغيير ذلك، والتأكيد على اتساع دائرة الفقر، وعرض مَشاهِد طوابير تلقي المساعدات، وصعوبة الحياة في المخيمات، ووضع كل ذلك تحت عنوان “الإغاثة”».

 

تمويل الميليشيات

«رغم العقوبات، سيتواصل تدفق المال والمنح، ما سيدفع المؤسسات الإنسانية السوريّة لإعادة التموضع، علماً أنّ كثيراً منها صارَ يعمل لدى منظمات أخرى تتبع للمانحين، وهذا هو الأخطر، لأنه يفتح مجالاً أكبر للفساد، يطال المانِح نفسه»، يضيف الباحث الاقتصادي “يونس الكريم”.

وحَولَ أكبر منافذ هذا الفساد، واستخدام أموال العمل الإنساني والأهلي مع انتهاء الحرب، يشير “الكريم” إلى أنّ تلك الأموال «باتت جزءاً رئيسياً من تمويل الميليشيات العسكرية، وهي تأتي مكافأةً لـ”صمت الجبهات”، الذي التزم به مقاتلو كلٍّ من الحكومة السورية والمعارضة. ويتمّ هذا التمويل سواءٌ من خلال الاتاوات التي تحصل عليها #هيئة_تحرير_الشام، وجماعات المعارضة الشبيهة بها، من المنظمات، بعد الاتفاق على حصة من المساعدات، أو ما يتلقاه العسكريون المدنيون (من خارج وزارة الدفاع في الحكومة السورية) من أموال تعتبر قروضاً لمشاريع متناهية الصغر».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.