ما أن تراجعت أسعار بيع النفط بشكل حاد في الأسواق العالمية حتى شهدت صحافة العراق الورقية انحدرا خطيراً، وتراجعاً عن الصدور اليومي، وبدأت الصحف بتطبيق إجراءات تقشفية، تتضمن تقليص أعداد توزيعها، وإلغاء عدد من الوظائف، وتسريح بعض العاملين. وجاءت تداعيات وباء #كورونا لتزيد من تعقيد الأوضاع، وتعمّق أزمة الصحافة العراقية.

 

انحسار مصادر التمويل

وفقاً لما يقوله “جبار الشمري”، نائب نقيب الصحفيين العراقيين، فإن «أغلب الصحف الورقية تأثرت بشكل كبير، وأعلنت افلاسها مبكراً، وتوقفت عن الصدور»، كاشفاً عن «عجز تلك الصحف عن دفع تكاليف إصدارها».

«قلة المعلنين وتراجع المشترين للصحيفة الورقية أسباب حقيقية لتراجع الصحافة الورقية، وعجزها عن تأمين مستحقات العاملين فيها وتكاليف الطباعة»، بحسب ما يقول المسؤول النقابي لموقع «الحل نت». مؤكداً أن «ضعف موارد نشر الإعلان، الذي يعد المصدر الرئيس لديمومة الصدور، يأتي بسبب سيطرة مافيات الشركات الحكومية، التي تستحوذ على مساحة الإعلانات الأكبر في الصحافة العراقية، إضافة إلى ما تعانيه خزانة الدولة من تقشف ملحوظ، تسبب في عجز مؤسسات الدولة عن دفع مستحقات الإعلانات المنشورة».

وصدرت بعد العام 2003 نحو مئتين وخمسين صحيفة في العراق، وتأسست أكثر من مئة محطة تلفزيونية، لكن الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وانعكاساته السلبية على حركة السوق والاقتصاد، أدى إلى تراجع عمل المؤسسات الإعلامية والصحف المحلية، فيما فقد عدد كبير من الصحفيين وظائفهم.

وليس بعيداً عما يقوله نائب نقيب الصحفيين العراقيين، يبدي الدكتور “طه الدباغ”، الخبير الإعلامي، مخاوفه من «انهيار سريع لصحافة العراق الورقية»، مبيّناً أن «الانهيار المرتقب مرده غياب الدعم الحكومي».

“الدباغ”، الذي يُعدّ من أبرز المدافعين عن حقوق الصحفيين العراقيين، يقول لموقع «الحل نت» إن «وضع الحريات الصحفية في العراق مقلق للغاية، وصحافتنا الورقية في طريقها للزوال، مالم تنتشلها الدولة العراقية من الأزمة».

وكان “اتحاد الصحف العراقية” قد دعا في وقت سابق إلى إِيقاف ما وصفه بـ«مسلسل الانهيار المستمر للصحف الورقية»، متهماً جهات لم يسمها بـــ«دفع الصحف للانهيار، استجابة لدوافع سياسية فاسدة، لا يسرها انتعاش الصحافة، وما تقوم به من دور كبير في كشف فسادها، وتسليط الضوء على اخفاقاتها»، وفقاً للبيان الذي صدر عن الاتحاد.

 

الرقمنة وصحافة الورق: البقاء للأقوى

«ما يحدث للصحافة الورقية من تراجع وانحسار ليس سببه الأزمة المالية فقط، ولكن الصحافة الالكترونية هي التحدي الحقيقي للصحافة المطبوعة»، بحسبب رأي كثير من الصحفيين العراقيين، الذين يؤكدون أن «الزمن الحالي بات غير ملائماً لقراءة الصحف الورقية، بسبب التقنيات الرقمية الحديثة، وإِيقاع الزمن وتسارعه».

وبهذا الصدد يقول “عبد الواحد شهد”، عضو الهيئة الادارية لنقابة الصحفيين العراقيين، إن «ثمة تغيرات جذرية في عادات القراءة وأذواق الأجيال الجديدة، التي تتوجه بقوة صوب الصحافة الالكترونية، واستخدام شبكة الإنترنت لمتابعة الأخبار اليومية، فلم تعد لها حاجة بالصحيفة المطبوعة».

ويعتقد “شهد”، الذي يعمل مراسلاً لصحيفة “الصباح” الحكومية، أن «التقنيات الحديثة قدمت للمتلقي ما لم تقدمه صحافة الورق، فصار بإمكانه تصفح ما يشاء من صحف العالم، دون بذل جهد كبير».

صحفيون عراقيون آخرون لديهم رأي مختلف، فهم يؤكدون أن ثمة «اختلافاً كبيراً بين الإعلام الالكتروني، الذي يعطي معلومة سريعة، وبين صحافة الورق، التي هي في الأصل صحافة توثيقية، تقدم قراءات أوسع للأحداث».

“جبار بجاي”، رئيس تحرير صحيفة “السنابل” الاسبوعية، من أنصار هذا الرأي، ويقول إن «الصحافة الورقية لم تندثر وإنما اضمحلت، بسبب دخول الرقمنة، التي غيّرت منظورات القرّاء».

ويضيف في حديثه لموقع «الحل نت»: «ما يزال للصحيفة الورقية أثرها ووزنها عند القارئ المحلي، وفرق كبير بين من يمسك بيده صحيفةً، وبين من يحمل هاتفاً لمتابعة الاخبار»، حسب تعبيره.

 

حلول حكومية، ولكن…

عقد وفد من نقابة الصحفيين العراقيين، برئاسة “مؤيد اللامي”، نقيب الصحفيين، ومشاركة مجموعة من رؤساء تحرير وممثلي الصحف اليومية المستقلة، لقاءً مع “حسن كريم الكعبي”، النائب الأول لرئيس #مجلس_النواب_العراقي، في شهر أيلول/سبتمبر الفائت، بُحثت فيه سبل دعم مجلس النواب للمؤسسات الإعلامية بصورة عامة، والصحف الورقية بشكل خاص.

وتضمّن اللقاء طرح جملة من المقترحات الداعمة للصحف الورقية، والهادفة لاستمرار إصدارها بشكل يومي، منها «سن مقترح قانون، يتضمن تقديم #الحكومة_العراقية منحاً مالية للصحف خلال الفترة المقبلة، والاتفاق عن تأسيس صندوق دعم الصحافة، يموّل عبر استقطاع مباشر من شركات الهاتف النقال والشركات النفطية العاملة في العراق، إلى جانب التنسيق مع المطابع الحكومية لطباعة الصحف مجاناً».

كما تعهّد النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي بـ«العمل على إعادة المكافآت التشجيعية للصحفيين، التي توقفت خلال الأزمة المالية التي مرت بها البلاد»

الحلول الحكومية يجدها صحفيون محليون «وعوداً على الورق، مالم تشرع الحكومة العراقية بتنفيذها سريعاً».

ويستبعد “عارف السماوي”، ممثل نقابة الصحفيين في محافظة المثنى، قيام الحكومة للعراقية بدعم الصحف المستقلة، بسبب «تبنيها خطاباً مهنياً قد يتعارض مع توجهات دوائر القرار الحكومي»، واصفاً الوعود الحكومية بــ«المُسكّنات المؤقتة».

ويبدي “السماوي” استغرابه من «خلو بعض المحافظات العراقية من أية وسيلة إعلامية»، متسائلاً عن «مصير الديمقراطية المزعومة، التي يتغنى بها بعض السياسيين، دون وجود صحافة قوية ومستقلة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.