بعد حملات العنف والتشهير: هل تمكّنت نساء العراق من تثبيت وجودهن في ساحات التظاهر؟

بعد حملات العنف والتشهير: هل تمكّنت نساء العراق من تثبيت وجودهن في ساحات التظاهر؟

لم تكن مشاركة النساء في كل الحركات الاحتجاجية التي عرفها العراق مماثلة لمشاركتهن في انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر من العام المنصرم. فقد اتسمت هذه الانتفاضة بقوة واتساع الحضور النسائي فيها، وشاركت قرابة ستة آلاف امرأة بالتظاهرات، حسب منظمات محلية متعدّدة، وواجهن القمع والعنف، وقتلت زهاء واحدة وثلاثين امرأة منذ انطلاق الانتفاضة، فيما جُرحَت نحو مئتي متظاهرة.

 

العمل التراكمي

تنسب الصحافية “آن صلاح” في حديثها مع (الحل نت) سبب المشاركة النسوية الواسعة إلى «الانفتاح الذي شهده العراق، وعمل منظمات المجتمع المدني المتراكم على مدى سنوات، ودور الإعلام في توعية النساء، إذ جعلهن يدركن أهمية وجودهن في مثل هذه التظاهرات».

 

“آن” أثناء مشاركتها في “انتفاضة تشرين” ببغداد – إنستجرام

تتفق “إرادة الجبوري”، الأكاديمية بكلية إعلام بغداد، مع طرح “صلاح” بخصوص العمل المنظماتي المتراكم، قائلةً:  «عزل الانتفاضة التشرينية عن الحركات الاحتجاجية التي مرّ بها العراق، منذ شباط/ فبراير 2011، أمرٌ فيه كثير من الإجحاف».

“الجبوري” لا تنكر أن «متظاهري تشرين مختلفون عمّن سبقهم، ولا يشبهون غير أنفسهم، لكنّ هذا لا ينفي العمل التراكمي الذي قاد إلى “تشرين”، فإذا تابعنا مسار الأعمال التطوعية، نجد أنها تبلورت بشكل واضح ابتداءً من عام 2011، عندما شكّل الشباب والشابات في  المجال العام فرقهم التطوعية الخاصة في شتى الميادين، فأسسوا لـ”يوم السلام العالمي”، وأقاموا مهرجان “أنا عراقي، أنا أقرأ”، ما أدى لبث روح تشاركية بين الشابات والشبان، خارج الاعتبارات الجندرية».

 

القمعُ وحراك لُبنان

مثلما حدث في كل التظاهرات التي خرجت في السنوات الأخيرة، أبت بعض النساء ترك الشباب وحدهم في ساحات الاحتجاج، وهذا ما حصل في #انتفاضة_تشرين، فخرجت في البداية نساء قلائل للساحات، لكنهن قمعن بقوة كما قُمع الرجال، «وهذا سببٌ مهم في توسّع المشاركة النسائية في الأيام التالية من الانتفاضة»، وفق الناشطة النسوية “رئم عادل”.

 

“رئم” تقف عند رسمة لأحد ضحايا الانتفاضة “صفاء السراي”

“عادل” من بين النساء القلائل اللواتي شاركن باحتجاجات تشرين منذ بداياتها، ولم تسلم من قمع قوات مكافحة الشغب، «قمعنا صار فتيلاً للغضب الشعبي، وتشجيعاً لكثير من العوائل للسماح لبناتها بالمشاركة في معالجة الجرحى وصنع الطعام والهتاف في ساحات التظاهر»، تقول لـ (الحل نت).

تتفق المُدافعة عن حقوق الإنسان #أنسام_سلمان، مع “رئم”، وتؤكّد أن «القمع كان له دور في تشجيع المرأة على الاحتجاج في “تشرين”»، لكنها تلفت لنقطة أخرى هي «تزامن الانتفاضة مع احتجاجات #لبنان، التي شهدت بدورها مشاركة نسائية واسعة».

 

“أنسام” توقد الشموع على ضحايا “انتفاضة تشرين” في الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة – تويتر

«النساء العراقيات كن مُتابعات متحمسات لتظاهرات #بيروت، وشاهدن المشاركة الواسعة للنساء اللبنانيات في الاحتجاجات، وهذا ما شجعهن على المشاركة بحراك “تشرين”»، توضّح “أنسام” لـ (الحل نت).

 

الاتهام بالفجور

عملت كثير من القوى السياسية التقليدية على إضعاف الدور النسائي في الانتفاضة، ونظمت حملات تحريضية ضدهن، لعل أبرزها اتهام #مقتدى_الصدر للمتظاهرات بـ«ارتكاب الفسق والفجور في مخيّمات الانتفاضة». فكيف واجهت المتظاهرات الموقف الرافض لمشاركتهن؟

«كان الطريق وعراً في البداية»، تنوّه “رئم عادل”، وذلك «بسبب الخوف من القمع وحتى الاعتقال، لكن الخوف تبدّد بفضل دور وسائل التواصل الاجتماعي بإظهار الانتفاضة بصورتها الحقيقية، وكَذلك مساندة الشباب لأخواتهم المحتجات في أوقات المواجهات الحامية».

الطالبة الجامعية “زينة العبيدي”، التي أضربت عن الدراسة للمشاركة في الانتفاضة، تُشير، في حديثها لـ (الحل نت)، لعامل آخر: «تكوَّنَ وعي لدى النساء بأن السكوت لم يعد مجدياً، فصار للمرأة دافع معنوي ووطني قوي في المشاركة بصوتها، واستبدال سكوتها بالرفض الشجاع»، حسب تعبيرها.

 

“زينة” في نفق التحرير قرب ساحة التحرير إبّان “انتفاضة تشرين”

تضيف: «الانتفاضة الأخيرة ولّدت وعياً من نوع آخر. كنت أُشاهد مدى تفتح أذهان الشباب، وتغيّر طبيعة تعاملهم مع النساء، إذ تلاشت الحواجز النفسية، التي كان تجعل الرجل يرى المرأة أشبه بكائن غريب يصعب التعامل معه. هذه التغيّر لم يكن مفيداً للنساء فحسب، بل للرجال أيضاً».

«من إيجابيات الانتفاضة أنّها شجّعت النساء على تنظيم مسيرات نسائية خالصة، تطالب بتحقيق مطالب النساء، وكذلك مسيرات تضامنية عامة»، وفق “أنسام سلمان”، التي ساهمت بالحشد لمسيرة نسائية، تزامناً مع الذكرى الأولى للانتفاضة، وقادتها بنفسها من ساحة “كهرمانة”، وسط بغداد، إلى ساحة “الفردوس”، استذكاراً لضحايا الانتفاضة من الشابات والشبان.

 

عرفٌ مجتمَعي

هل يمكن القول إذاً أن المشاركة النسائية في أي تظاهرة أو احتجاج مستقبلي ستكون أمراً طبيعياً، في مجتمع تسوده العادات المحافظة؟ تُجيب “آن صلاح”: «نعم، مشاركة النساء باتت عرفاً مجتمعياً الآن. لقد تجاوزنا مرحلة رفض المجتمع لخروج النساء للتظاهر».

«بل صار يدعم ذلك إلا القليل. الغيرة الوطنية تحمل الأفراد بغض النظر عن جنسهم للدفاع عن وطنهم وحقوقهم المدنية كمواطنين، ومن يرفض ذلك، سيجد إن الدائرة تتوسع لتشمله شيئاً فشيء».

“إرادة الجبوري” لديها رأي مماثل: «أتذكر بشكل جيد يوم الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011، حين وقفت مجموعة من الشابات والشبان، معظمهم لم يتجاوز العشرين ربيعاً، تحت “نصب الحرية”، يحملون قلوب حُب توسّطها العلم العراقي، مطالبين حكومة “نوري المالكي” وقتها أن تحبّ العراق مثلهم. تلك المجموعة شجّعت آخرين ببغداد ومدن أخرى للخروج ضد فساد السلطة، مطالبين بتوفير الخدمات، وتُوّج هذا بالتظاهرة الكبيرة، يوم الخامس والعشرين من شباط/ فبراير 2011، التي أُطلق عليها “يوم الغضب”».

 

“إرادة” إبّان مشاركتها في وقفة احتجاجية بشارع المتنبي – فيسبوك

تختم “الجبوري” حديثها مع (الحل نت) بالقول: «منذ ذلك الحين اتضح دور النساء في المشاركة بالاحتجاجات، ووصل الموضوع لذروته في انتفاضة “تشرين”، ليصبح خروج النساء للتظاهر أمراً مألوفاً في المدن العراقية».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.