عندما بَدأ القَصفُ يَهزُّ الأرض من حَولِهن في شباط 2019، انْكَمَشتْ ثلاثُ نسوة من الشّابات الإيزيديات ضمن حُفرٍ بالصحراء الشرقية السورية، بينما كنّ يحتضنّ أطفالهن المفزوعين.

وفي الشهر التالي، قُتِل المئات من الناس الذين كانوا يختبئون بجوارهن بوابلٍ من القنابل المُدمِّرة التي قضت على ما تبقى مما كانت تُسمى بدولة “الخلافة”، التي أعلنها تنظيم #داعش. وحررت على إثرها المُستعبّدات الإيزيديات السابقات وأطفالهن من براثن التنظيم بعد خمسِ سنواتٍ من الجحيم.

إلا أن محنتهن لم تكن قد بدأت بعد، فقد أُلقيت النسوة الثلاث، اللاتي كانت أعمارهن آنذاك تسعة عشر عاماً وعشرون عاماً وأربعة وعشرون عاماً، وأطفالهن الخمسة الصغار في آخر شاحنة تخرج من بلدة #الباغوز، حيث استُبدلت رايات تنظيم داعش السوداء برايات الاستسلام البيضاء.

وتم اقتيادهم جميعاً إلى #مخيم_الهول للاجئين، حيث احتُجِز عشرات الآلاف من الناس من المدن والبلدات التي تم الاستيلاء عليها والتي كانت تخضع لسيطرة التنظيم سابقاً.

إخفاءُ هويتهن خوفاً على أطفالهن

عاشت النسوة الثلاث خائفات في المخيم، كنّ قلقين بشأن اكتشاف هويتهن من قبل الحراس الأكراد، فيُدركون أنهن كنّ مستعبدات سابقات لدى تنظيم داعش ويفصلوهنّ عن بقية المحتجزين في المخيم.

فعشنّ تلك النسوة مدة شهر في حيرةٍ من أمرهن؛ فمعرفتهن قد تجلب لهن الحرية، إلا أنها قد تكون السبب بألمٍ يفوق الفظائع التي عانين منها في ظل حكم التنظيم، ويتمثّل ذلك بـ “الانفصال عن أطفالهن” ربما إلى الأبد.

لقد تحقّقت الآن أسوأ تلك المخاوف بالنسبة للنسوة الإيزيديات اللاتي أنجبن أطفال من مقاتلي تنظيم داعش، فقد طلبت طائفتهن في #العراق أن يتركن أطفالهن في سوريا قبل قبولهن في وطنهن.

وقد أدت عمليات الانفصال القسري هذه إلى إبعاد عشرات النسوة الإيزيديات عن أطفالهن، وطلب من البعض منهن تسليم أطفالهن فور ولادتهن.

وبعد نحو عامين من انهيار تنظيم داعش، لا يزال مستقبل الأطفال المولودين لمتطرفين وما يجب فعله من أجل لمّ شمل العوائل، التي تشكّلت وتفكّكت في ظل مثل تلك الظروف، أبعد ما يكون عن الحل ما بين الطائفة الإيزيدية والمسؤولين العراقيين. وحتى في الدول الأوربية، حيث مُنح الكثير من النسوة الإيزيديات حق اللجوء، لم تجد تلك اللاتي تصطحبن أطفالهن ترحيباً من قبل الحكومات.

«يوجد في رعايتي اثنان وعشرون أم شابة»، يقول الدكتور “نعمام غفوري” من مُؤسسة (المساعدة المشتركة لكردستان)، وهي منظمة خيرية تعمل على دعم النساء الإيزيديات.

ويتابع قائلاً: «هناك 56 طفلاً في ملجأ الأيتام في #الرميلة في سوريا. ونعتقد أن هناك العشرات من هؤلاء النسوة والأطفال هناك».

بدايةُ الحكاية ونهايتها

عند التّعرف على النسوة الثلاث في مخيم الهول، نسّق المسؤولون عملية إعادة إرسالهن إلى عائلاتهن في موطن الطائفة الإيزيدية في شمال العراق، حيث كانوا قد اختطفن من بلدة #سنجار منتصف آب 2014 عندما اكتسح عناصر التنظيم البلدة من الجنوب، وأطلقوا العنان لغضبهم على طائفة لطالما اعتُبِرت أنها “كافرة”.

وسلكت محنة هاتين النسوة تقريباً كامل القوس لحكم تنظيم داعش على العراق من غربه وسوريا من شرقها، حيث استُعبِدن في الثالث من شهر آب 2014.

واجتاح التنظيم بعد أسابيع قليلة، مدينة #الموصل واتجه نحو #أربيل إلى أن استسلم على ضفاف #نهر_الفرات.

واستُعبِد الآلاف من أمثال تلك النسوة وتمريرهن كهدايا ومكافآت بين صفوف الجهاديين. كما قُتِل الآلاف من الرجال الإيزيديين، من ضمنهم آباء تلك النسوة الثلاث وأشقائهن، ليوصف ذلك على أنه محاولة إبادة جماعية وواحدة من أكثر الأحداث المريعة خلال السنوات الخمس لحكم المتطرفين الإسلاميين.

واغتُصِبت النسوة الثلاث وبِعن مراراً وتكراراً قبل تزويجهن. فتزوجت اثنتان منهن من رجال سعوديين والثالثة من عراقي. وقد قتل الرجال الثلاثة. وهناك مئات النسوة مثلهن أنجبن أطفال من رجال من كل أنحاء الكون، وقد مات جميع الرجال تقريباً.

ونُقِلت النسوة الثلاث بعد التعرف عليهن إلى دارٍ للأيتام في شمال شرقي سوريا، فيما طلب منهن ترك أطفالهن مع مقدمي الرعاية الذين يعتنون بهن خلال إعادة توطينهن في وطنهم في العراق.

«نظرتُ إليهم وكنت على يقين بأنني لا أستطيع أن أراهم مرةً أخرى»، تقول إحدى هذه النسوة، والتي تبلغ اليوم من العمر عشرون عاماً، متحدثة من بلدة #دهوك بإقليم كردستان، حيث تعيش في شقة مستأجرة مع والدتها وأختها اللاتي كن مستعبدات أيضاً.

وتضيف قائلةً: «عندما جئت إلى هنا، أخبروني أنه يجب عليّ نسيانهم. لا يمكن لأطفالي أبداً المجيء والالتحاق بي».

واضطرت الأم الشابة منذ ذلك الحين إلى التّضرّع من أجل الحصول على صور لأطفالها من العاملين في المخيم. وكان قد سُمح لها ذات مرة بعبور الحدود لزيارتهم لمدة أربع ساعات، إلا أنها مُنِعت من القيام بذلك مرة أخرى.

«هم ورجالُ ديننا وعائلتي والقيادة الكردية على كلا الجانبين يتصرفون وكأن هذا الجزء من حياتي قد انتهى. أُفضّل أن أعود إلى جحيم الباغوز على تحمل هذا النوع من الألم»، تقول الأم الشابة.

وتروي المرأة الثانية من المستعبدات السابقات أنها كانت حاملاً في شهرها الثامن عندما كانت في الهول، حيث تقول: «لقد ولدت في دار الأيتام في الرميلة. لم يُسمح لي بالنظر إلى طفلي حتى، ناهيك عن منعي من حمله. لقد حدث الكثير لنا على يد داعش، والآن هذا».

من جهتها، تقول الأم الشابة الثالثة، التي وافقت، مثل صديقاتها، على الاجتماع بفريق صحيفة الغارديان في مقهى بدهوك: «على ما يبدو لا أمل في أن يُغيّر قادة الإيزيديين رأيهم بشأن حكم صدر في شهر نيسان من العام الماضي قال فيه رجال الدين إن الناجيات من الاغتصاب مُرحّبٌ بهن مرة أخرى لكن بدون أطفالهن».

وتضيف قائلةً: «خياري الوحيد هو العيش في الخارج، سأذهب إلى أي مكان، كل ما أحتاجه هو حكومة تقبلني أنا وأولادي».

وكان شيوخ  الطائفة الإيزيدية قد تعرّضوا لانتقاداتٍ بسبب اتخاذهم موقفاً غير مرن بشأن قضية تسببت في العار في أوساط مجتمعهم. وقال المتحدث باسم رجل الدين الإيزيدي “بابا شيخ”: «لا أريد الحديث عن هذا الموضوع لأنه معقد للغاية».

من جانبه، يقول “غفوري”: «لماذا يجب أن تستمع الأمم المتحدة إلى ثقافة ذكورية، حيث يقرر الرجال فقط ما هو الأفضل للعائلة؟ تقول هؤلاء الفتيات إن الحياة بعد الإنقاذ أسوأ من أن تكون تحت قصف العالم بأسره. ما هو الأفضل للأطفال يجب أن يؤخذ في الاعتبار هنا».

ولا تزال تداعيات الفوضى التي تسبب بها تنظيم داعش، تشغل بال العديد من الإيزيديين الذين يحاولون إنقاذ أفراد الطائفة مجهولي المصير بعد انهيار دولة “الخلافة” المزعومة.

ويقول رجلٌ أنقذ أكثر من 30 ناجياً حتى الآن، بينهم نساء وأطفال، من خلال دفع فدية في سوريا: «نعلم أن هناك البعض في #إدلب. كما أن هناك البعض في الموصل كذلك. وقد سلك البعض منهن طريق الهجرة، بما في ذلك الأمهات اللائي لديهن أطفال من جهاديي تنظيم داعش. قد يكون هذا هو أفضل مكان لهن، حتى في أعالي البحار وفي قوارب الموت! على الأقل هن مع أطفالهن».

 

المصدر: (the Guardian)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.