تجارة القذائف غير المُنفجرة: سوريون جعلوا قصف القوات النظامية مصدراً للرزق

تجارة القذائف غير المُنفجرة: سوريون جعلوا قصف القوات النظامية مصدراً للرزق

«لو عاد القصف اليوم، وتحديداً بالقنابل العنقودية، فسوفَ يعود الناس لجمْعِ هذه القنابل». استغرقَ الأمر بضعَ ثوانٍ كي نستوعِبَ ما يقوله “أبو حمود”، النازح السوري الذي عمِلَ في بيعِ المواد المتفجرة، التي كانت #القوات_النظامية تستخدمها لقصف مناطق المعارضة.

بوصفها منطقة حرب، شهدتْ جميع أنواع الفظائع، يُمكن توقّع كلّ ما هو غير متوقع في سوريا، مع تحوّل الموت إلى جزء طبيعي من الحياة اليوميّة. فمثلاً «على عكس ما قد تتخيّلهُ، كان كثيرون يسارعون إلى المنطقة المقصوفة، ويهرعون باتجاه أماكن سقوط القنابل العنقودية، بدل أن يهربوا»، بحسب ما قاله “أبو حمود” لـ«الحل نت».

 

مصدر رزق و”أمان”

جرت العادة أن يتمّ تفكيك القنابل، وبيع مادة “تي ان تي” الموجودة فيها لفصائل المعارضة، إلا أن جامعي القذائف، في قرية “ابين سمعان” بريف #حلب، قاموا ببيع ما يجمعونه من مخلفات القذائف كما هو، ودون تفكيك، في فترةٍ اتسمت باشتداد عمليات القوات النظامية العسكرية ضد تلك المنطقة عام 2016.

ولِكَونِ “أبو حمود” مَدنياً وغير مختص عسكريّاً، فقد تعلّم هذه “المهنة” بالتدريج، فاشترى بدايةً “قبضات” (أجهزة كشف متفجرات)، وراح يتبادل خبراته المكتسبة مع الناس، ويلجأ إلى مواقع الإنترنت، بوصفها مصدراً إضافياً للمعلومات.

وعن دوافعه للعمل في هذا المجال، برفقة ابنه، يقول: «شعرنا أننا نساهم بتخليص المواطنين من شيء خطير هو بقايا القصف، وفي الوقت ذاته نستفيد مادياً. ورغم إدراكنا أنّ التعامل مع هذه الأشياء مُميت، لم نكترث، لأننا وصلنا إلى مرحلة تساوى فيها عندنا الموت مع الحياة». ويتابع: «كثيرون من جامعي المتفجرات تعرضوا للأذى. بعضُهم فقدَ رأسه، والبعض الآخر يديه، ومنهم ابني الذي أصيب بشظايا في بطنه وعينه. لقد حدَثَ ذلك مع أنني اتبعتُ شروط السلامة، وكنتُ أقوم بنزع الصواعق من المتفجرات في بركة ماء فارغة، في حين كان آخرون يستهترون في عملهم».

«لم يكن المردود المادي كبيراً، ولكن “البحصة بتسند جرّة” كما يُقال، ونحن لم نكن نملك مصادر أخرى للعيش». يُوضح “أبو حمود”، الذي بات اليوم نازحاً يعتمد على المساعدات والمعونات.

وحول واقع “المهنة” حالياً، يشير إلى أن «الهدوء الذي خيّم على كثيرٍ من الجبهات جَعل جمع بقايا القذائف مقتصراً على عامِلِين في فرق الإنقاذ». ويختم حديثه مُطمئِناً السوريين، بنبرة لا تخلو من الثقة: «إذا انتهت الحرب فلن يكون هناك بقايا قذائف عنقودية، إلا ما ندّر، لأنّ الناس جمعوها كلّها تقريباً».

 

الاستعجال مُميت

«كنا نلاحق بقايا الألغام البحرية والبراميل المتفجرة، التي ترميها طائرات القوات النظامية، كي نفككها ونستخرج ما فيها. أما حاويات العنقودي فلم نجرؤ على الاقتراب منها، فقد كانت تزِنُ مئات الكيلوغرامات»، بحسب “مهند”، جامع المتفجرات، الذي يتحدث عن تجربته المختلفة نسبيّاً في ريفي #حماة وإدلب، موضحاً أن «بعض المقذوفات كانت شديدة الخطورة، لذلك تُرِكَتْ مهمة التعامل معها لفرق الهندسة التابعة لفصائل المعارضة». ويضيف: «قمنا ببيع كل ما يمكن بيعه من مواد متفجرة وصواعق، وأحياناً كنا نعطيه مجاناً لفصائل المعارضة، كي تعيد تصنيعه على هيئة قذائف هاون».

ويشرح “مهند”، في حديثه لموقع «الحل نت»، كيف تعلّم التعامل مع المتفجرات: «كنا نراقب عمل الفرق المتخصصة لنكتسب منها الخبرة، وفي أعقاب القصف نبحث عن مكان سقوط المقذوفات في مناطقنا، ونتحرك إلى مكان الاستهداف بحثاً عمّا لم ينفجر منها، كما هو الحال في منطقة “الهبيط”، التي تعرّضت لأشرس الحملات العسكرية».

ويستطرد: «مثلما اكتسبنا نحن المهنة حاول شباب قريتنا تقليدنا، دون أخذ الاحتياطات اللازمة، الأمر الذي عرَّضَهم لمخاطر مميتة». ويروي “مهند” في هذا الإطار تجربة قريبهِ الذي «جرّبَ العمل وحده بلا شركاء، قبل امتلاكه خبرة كافية، إذ أنه وَجدَ في هذا مصدر دخل يعيش منه. وفي إحدى المرات انفجر به لغم أرضي كان يحاول تفكيكه، فتوُفّي إثر الحادثة».

لكنّ كل ذلك تغيّر، بحسب “مهند”، فلم يَعُد أحدٌ يقترب حتى من الأراضي المزروعة بالألغام وبقايا المتفجرات، نتيجة وجود أكثر من طرف مسيطر، مثل القوات النظامية؛ فصائل المعارضة؛ #القوات_التركية.

 

مدنيّ يبيع، مقاتل يَشتري

لِتَراجُعِ الاتجار بالمتفجرات أسبابٌ إضافية، تتعدى مسألة انحسار المعارك وتعدد القوى المسيطرة، ومنها غياب الجهة التي كانت مستعدة دائماً لشراء هذه “البضاعة”، مع اضمحلال وتفكك كثير من فصائل المعارضة المسلحة.

“أيهم”، شاب قاتل لسنوات في صفوف هذه الفصائل، وكثيراً ما اشترى من جامعي المتفجرات بضاعتهم، التي ضمّت بالدرجة الأولى مخلفات البراميل المتفجرة.

يوضح “أيهم” لموقع «الحل نت»: «كان كل برميل يحتوي بين خمسة عشر وعشرين كيلو “تي ان تي”، مع الصواعق، وعندما كانت تلقيه القوات النظامية ولا ينفجر، يبحث الناس عنه، وحين يجدونه يحملونه إلى منزل أحدهم، ويستخدمون عدّة بسيطة (مطرقة، مفكّ) ليفصلوا أجزاءه ومحتوياته عن بعضها، ويعرضوها لاحقاً على المقاتلين». ويتابع :«لم تكن المبالغ التي نعطيها لباعة تلك المتفجرات كبيرة، لكنها، بالنسبة لعائلات كثيرة أعرفها، شكّلت مصدر رزق وحيد، خصوصاً في مناطق ريفي #إدلب الجنوبي وحماة الشمالي؛ في مدن وقرى #مورك و”كفرزيتا” و”اللطامنة” و”الهبيط” و”خان شيخون”».

لكن ماذا عن السوق الحالي لهذه المهنة؟ وما التغيّرات التي حصلت؟ وهل أصبحت الأعمال منظّمة، تتحكم بها “رؤوس كبيرة”، بلا أي دور للمدنيين؟ يُجيب أيهم بارتباكٍ وحذرٍ أنه «بات بعيداً عن سوريا، ولا يملك تفاصيل».

«كلَّ ما أذكره شيءٌ واحد، هو سعيُ الناس الغريب إلى الموت بأرجلهم، لجمعِ ما يُقصَفون به»، يختم “أيهم” حديثه بهذه الكلمات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.