ثأر عشائري وبحث عن أطفال مختطفين: عودة عائلات “داعش” إلى نينوى تعيد فتح ملفات عراقية شائكة

ثأر عشائري وبحث عن أطفال مختطفين: عودة عائلات “داعش” إلى نينوى تعيد فتح ملفات عراقية شائكة

أُعلن في محافظة #نينوى، شمالي العراق، يوم الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2020، عن توقيع “ميثاق شرف”، يُشجّع على إعادة نحو ألف ومئة من عائلات عناصر تنظيم #داعش إلى ناحية “المحلبية” غربي #الموصل، بعد نزوحها عنها إبان حرب تحرير المدينة من التنظيم، التي اندلعت بين عامي 2016 و2017.

هذا الميثاق، الذي وقعه شيوخ عشائر ووجهاء “المحلبية” وممثلون عن حكومة نينوى، بدعم من برنامج #الأمم_المتحدة الانمائي في العراق، يفتح باباً لإنهاء رحلة النزوح القسرية لآلاف العائلات، التي تمّ ابعادها بسبب تورّط أحد أفرادها أو أقربائها في تأييد التنظيم أو الانخراط في صفوفه.

إلا أن الميثاق أثار في الوقت نفسه مخاوف من تدهور الأمن في المنطقة مجدداً، بسبب أعمال انتقامية متوقعة، ولاسيما أن “المحلبية”، مثل غيرها من مناطق نينوى، ذات صبغة قبلية، وسقط فيها كثير من الضحايا على أيدي عناصر التنظيم، منذ تشكيله في 2006، ولغاية إنهاء سيطرته صيف 2017.

 

“لأجل المصالحة والسلم الاجتماعي”

“زهير الأعرجي”، قائمقام مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، ذكر أن «العائلات العائدة كانت مقيمة في مخيمات النزوح لأكثر من ثلاث سنوات، بعد رفض أهالي المنطقة عودتها، بسبب وجود أقرباء لها ضمن تنظيم داعش، ولكن، بما أنها أعلنت براءتها منهم، فقد سُمح لها بالعودة، بإشراف القوات الأمنية».

وبيّن “الأعرجي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «ميثاق الشرف هذا، أو المصالحة، هو الثاني من نوعه في نينوى، إذ سبق لناحية “بعشيقة”، التابعة لمدينة الموصل، القيام بأمر مماثل. ونأمل أن تتم المصالحة أيضاً في قضاء #سنجار غربي نينوى، لكي يعود النازحون إليه، وتتحرك عجلة الاعمار المتوقفة فيه»، حسب تعبيره.

“زينة علي أحمد”، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، تؤكد أن «ميثاق الشرف ومؤتمر التعايش السلمي مؤشران واعدان لسلام واستقرار المجتمع في نينوى، وتقدمه نحو المستقبل»، حسب تعبيرها.

ويدعم البرنامج الإنمائي أربعاً وعشرين لجنة سلام محلية، في ثلاث محافظات عراقية، هي #الأنبار وصلاح الدين ونينوى. ويتم التخطيط حالياً لتشكيل لجان إضافية في محافظتي #كركوك وديالى.

وتهدف هذه اللجان، بحسب ما أعلنته بعثة الامم المتحدة في العراق، إلى «حل النزاعات، والدعوة إلى السلام والتعايش، والعمل لتمكين السكان المحليين من تعزيز التماسك المجتمعي والتصالح في مجتمعاتهم».

 

“ينتظرهم الحقد والثأر”

الباحث والكاتب “عادل كمال” عبّر عن تخوفه من «تدهور الأمن غربي نينوى مجدداً». فهو يرى أن «كثيراً من ذوي ضحايا داعش مازالوا يطالبون بالقصاص من عناصر التنظيم، وقد يعمدون إلى القيام بذلك بأنفسهم، ويستهدفون أفراد العائلات العائدة، ولاسيما أن عرف الثأر العشائري سائد في المنطقة».

وأضاف في حديثه لموقع «الحل نت»: «الحديث هنا يدور عن عائلات قتل أفرادٌ منها أشخاصاً في المنطقة، وتسببوا بنزوح الآلاف، وسلبوا أملاكهم، بل وفجّروا منازل بعضٍ منهم. لذا فإن مجرد توقيع ميثاق شرف ليس ضمانة بأن أعمالاً انتقامية لن تحصل».

ولتخوّف “عادل كمال” جانب آخر، إذ أنه لا يستبعد «استثمار عناصر داعش الطلقاء أماكن تواجد عائلاتهم، واستخدامها مخابئ لهم، لتبدأ مجدداً قصة انهيار الأمن في نينوى»، حسب تعبيره.

ودعا “كمال” «المؤسسات الرسمية، التربوية وسواها، إلى العمل على دمج العائدين بالمجتمع، في مركز الناحية أو القرى المحيطة بها»، ويحذّر من أن «المنازل التي سيعودون إليها لن تختلف بشيء عن المخيمات التي عُزلوا فيها سابقاً، وبالتالي فإن حقدهم على محيطهم الاجتماعي سيتنامى أكثر».

التربوي المتقاعد “عبد الله أحمد”، من أهالي ناحية “المحلبية”، انتقد #الحكومة_العراقية، وأتهمها بأنها «تريد غلق مخيمات النزوح بأية طريقة، خصوصاً التي تضم عائلات داعش. ولا تأبه لما قد يترتب على ذلك مستقبلاً».

وقال لموقع «الحل نت» إن «المنظمات الدولية تقوم بما كان يتوجب على الدولة العراقية القيام به، فتقريب وجهات النظر والمصالحة، وغيرها من الأعمال التي تتعلق بالسلام المجتمعي، من مهام الدولة الرئيسية، إلا أن الدولة العراقية لا تظهر إلا من خلال السلطة التنفيذية، المتمثلة بقوات الأمن، التي رافقت العائلات خلال عودتها». وأضاف: «السلام لن يتحقق بالبندقية أبداً».

 

“لن ننسى ولن نسامح”

القلق الذي عبّر عنه كلٌ من “عادل كمال” و”عبد الله الأحمد” له أسس قوية على أرض الواقع، فالذكريات السيئة والانفعالات السلبية لم تفارق يوماً سكان المنطقة. “محمد طارق” (43 سنة)، من سكان ناحية “المحلبية”، يقول إنه «فقد شقيقه، الذي قتله التنظيم أواخر عام 2013، قبل سيطرته على نينوى. ثم اضطر هو للرحيل في صيف 2014، وعاش في مخيمِ للنازحين، بعد أن أستولى التنظيم على ما كان يمتلكه من أموال منقولة وغير منقولة».

«هل ننسى كل هذا؟»، يتساءل “محمد” في حديثه لموقع «الحل نت»، ويتابع: «وإذا نسينا نحن، هنالك آخرون لن ينسوا مطلقاً. فما فقدتُه أنا قليلٌ جداً قياساً بما فقدته عائلات أخرى. بعضها لم يبق منها سوى نساءٌ وأطفال فقط، بعد أن قتل عناصر داعش الرجال فيها، قبل وبعد 2014».

ويلفت إلى أنه يرفض «المساس بالأبرياء من العائلات التي ينحدر منها عناصر داعش. فهؤلاء ضحايا أيضاً». لكنه «لن يسمح بعودة أي شخص عمل مع داعش بأي شكل من الأشكال»، وفقاً لقوله.

 

“أطفال الإيزيديين لن يعودا بهذه الطريقة إلى أهاليهم”

“عيدو خدر”، ناشط إيزيدي، طالب بإجراء «تدقيق على الأفراد، الذين تدعي عائلات داعش أنهم من أبنائها وبناتها، لأن هنالك 2887 مختطفاً إيزيدياً مازالوا مفقودين، نصفهم تقريباً أطفال، وهم بلا أدنى شك أصبحوا مختلطين بعائلات داعش، وصاروا جزءاً منها»، حسب تعبيره.

وكان تنظيم داعش قد هاجم قضاء سنجار، في الثالث من آب/أغسطس 2014، وبحسب مكتب “المختطفين والمختطفات الإيزيديين” فقد «اختُطف 6417 شخصاً من الديانة الإيزيدية، غالبيتهم العظمى نساء وأطفال، تم استعادة 3530 منهم، في حين مازال مصير البقية مجهولاً».

ويلفت “خدر”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أن المشكلة «تكمن في الأطفال الصغار، فالأطفال الأكبر سناً سيظلون يتذكرون أهاليهم، وحين يجدون طريقة للتحرر سيعرفون أين يتوجهون، وهذا ما حدث مع كثير من الفتيات اللواتي تم سبيهن، غير أن الطفل، الذي كان عمره ثلاث سنوات حين تم اختطافه سنة 2014، أصبح اليوم بعمر تسع سنوات، وهو قطعاً لن يتذكر عن أهله شيئاً، وسيعتقد أنه من العائلة التي يعيش معها».

ويختم حديثه بالقول: «السماح لعائلات داعش بالعودة إلى مناطقها، هكذا بكل بساطة، يعني أن مئات الاطفال الإيزيديين لن يعودوا أبداً إلى أهاليهم».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.