تركتْ الأشهر الماضية صُنّاع القرار السياسي في حالة ترقّب، بعد عودة نشاط تنظيم #داعش إلى سوريا والعراق، من خلال عمليات متفرقة، بينما تعيش قارة #إفريقيا صعوداً أوضح للتنظيم، وهو ما جعلَ مراكز أبحاث دوليّة، مثل أكاديمية “ويست بوينت” الأمريكية، تذهب للقول بإن «”داعش” عاد ليكتسب القوة بطريقة تثير القلق».

وأمام هذا المشهد برز عديد من الأسئلة حول الظروف التي ساعدت التنظيم على الظهور مجدداً، والمدى الذي يمكن أن يبلغه، والرابط الذي يجمع بين نشاطه في الشرق الأوسط، وبين تمدده الحالي في عدة دول إفريقية.

 

استغلال ظروف

رغم المخاوف التي تثيرها هجمات خلايا داعش في مناطق سوريّة وعراقيّة من وقت لآخر، فإنّ هذا «لا يعني أن التنظيم يستطيع تأسيس نواة لخلافته بالطريقة السابقة ذاتها»، على حدّ قول “أكرم صالح”، الباحث والمحلل السوري، الذي اعتبر، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «التنظيم لم يعُد كما كان قبل مقتل قائده “أبي بكر البغدادي”. وبالتالي فما حدث في أرياف #حماة وحمص وحلب في الأسابيع الماضية مثلاً لا ينبغي أن يقود إلى الاعتقاد بتنامي قوة التنظيم بشكل كبير، بل إلى سعيهِ للحفاظ على نشاطه فحسب».

وأشار “صالح” إلى أن «العامل الأساسي، الذي أتاح للتنظيم استجماع قواه، هو انشغال دول #التحالف_الدولي بمشاكلها الداخلية، وبنزاعات إقليمية ودولية، فضلاً عن الواقع الذي فرضه انتشار فيروس #كورونا عالمياً».

وتختلف العوامل الأخرى، التي قد يستغلها التنظيم مستقبلاً، من مكان لآخر، بحسب “صالح”، ففي سوريا «يستثمر تنظيم “داعش” الفراغ الناتج عن تشتت #القوات_النظامية التابعة للحكومة السورية. يضاف إلى ذلك اختلال الوضع الأمني، الناتج عن العمليات التركية، كما حصل بعد عملية “نبع السلام” في #تل_أبيض ورأس العين مثلاً، وما أفرزته من واقع جديد، امتدّ تأثيره إلى سجون تضمّ أخطر إرهابيي العالم، وإلى المخيمات أيضاً، حيث حصلت حالات هرَب لعائلات التنظيم. كل ذلك له دور في إعادة تشكيل خلايا جديدة للتنظيم في سوريا». أما في العراق فـ«الوضع مختلف نوعاً ما، وترتبط عودة نشاط التنظيم هناك بغياب التنمية عن المناطق المحرومة، خصوصاً ذات الأغلبية السكّانية السنيّة، عدا عن انشغال #الحكومة_العراقية بأزماتها، والأهمّ هو التعاون الاستخباراتي المفقود بين حكومة #إقليم_كردستان والحكومة المركزية في #بغداد، والنزاع بينهما حول السيطرة على بعض المناطق».

 

إعادة هيكلة

المعطيات الميدانية لنشاط تنظيم داعش لها مؤشراتها الهامة، وفقاً لـ”عرابي عرابي”، الخبير المتخصص في الجماعات الجهادية، ففي العراق وسوريا «ازدادت عمليات التنظيم من 18-20 عملية شهرياً، خلال الربع الأخير من العام الماضي، إلى 100-120 عملية حالياً، وهذا مؤشر خطير، يدلّ على تصاعد حضور التنظيم، سواء من الناحية العسكرية أو الأمنية».

أما المؤشر الخطير الآخر، بحسب حديث “عرابي” لموقع «الحل نت»، فهو «بناء التنظيم لقياداته وفق صيغة وهيكلية مختلفة، فبعد اعتقال الأمراء والولاة ورؤساء الدواوين لديه، اعتمد التنظيم مبدأ تقليل الولايات والقطاعات، وجمع الصلاحيات في يد عدد أقل من القادة، كما عزّز مبدأ اللامركزية، وتحديث أساليب العمل بشكل مرحلي، طبقاً لقرارات محددة تصدُر كل فترة. وضمنَ هذه الاستراتيجية تمّ تجديد قيادات التنظيم في العراق، وبرزت عدة أسماء، بينها “سامي جاسم محمد الجبوري”، المعروف بـ “حاج حميد”، و”جبار سلمان العيسوي”، و”بشار خطاب غزال الصميدعي”، المعروف بـ “حجي زيد”».

وبخصوص البنية الحالية للتنظيم يستطرد “عرابي” شارحاً أنّ هناك «تسلسلاً للوحدات القتالية، ومبدأً تعمل على أساسه، ويتوزع مقاتلو التنظيم على خلايا وسرايا وكتائب، تعمل في قطاعات، وتتواصل فيما بينها برسائل مشفرة غير إلكترونية، يتم تناقلها بأسلوب يشبه البريد التقليدي».

ويرى “عرابي” أن «التجديد التنظيمي، الذي انتهجه داعش، ساعده على مضاعفة هجماته، فأوقع خسائر فادحة في القوات النظامية السورية»، وهو ما يتفق معه المحلل “أكرم صالح”، الذي يشير إلى «تنويع خلايا داعش لعملياتها، من الاغتيالات الفردية  وتفجير العبوات الناسفة، مروراً بتنفيذ الكمائن، وصولاً إلى استهداف حقول النفط. وتهدف هذه التحركات إلى تشتيت واستنزاف القوات المناوئة للتنظيم في البوادي والمساحات الشاسعة المكشوفة». ويتابع “صالح” بالقول: «رغم بُعد تحركات التنظيم عن مراكز المدن، فإنه يحاول الاقتراب منها تدريجياً، بعد انكفاء أعدائه إليها، وهذا ما نلاحظه في #سامراء بمحافظة صلاح الدين العراقية، والرمادي في #الأنبار، و”بعقوبة” في ديالى».

 

تفكيك الدول الإفريقية

بينما تبدو الأمور تحت السيطرة، حتى اليوم، في الشرق الأوسط، فإنّ تنظيم “داعش” في إفريقيا دفع عديداً من الدول لـ«دقّ ناقوس الخطر». هذا ما يؤكده  “عرابي عرابي”، الذي استرجع «بدايات التنظيم في القارة، حين بايعته جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا، ثم انقسمتْ في عام 2015 إلى فرعين: فرع ذي طموح محلي، بقيادة “أبو بكر شيكاوه”، وآخر له ارتباطات دولية، بقيادة “أبو مصعب البرناوي”، الذي تمّ تعيينه قائداً على “ولاية وسط وغربي إفريقيا” في التنظيم، وتُعدّ دولة موزمبيق المقرّ الحالي لهذه الولاية، وانطلاقاً منها تنشط اليوم جماعة مسلّحة، تُعرف محليّاً باسم “حركة الشباب”، كانت قد بايعت داعش عام 2018، واكتسبت القوة تدريجياً، وهي تستهدف اليوم مصالح اقتصادية مهمة جداً، محلية وغربية، مثل الجزر السياحية والموانىء وحقول الغاز».

وأضاف “عرابي” أن «الفقر والجهل ساهم في تسريع انضمام عناصر جدد إلى الحركة، مع ترويجها لخطاب مظلومية، يتحدث عن اضطهاد المسلمين في هذه المنطقة، وسرقة ثرواتهم. ووجد التنظيم في غرب إفريقيا موطىء قَدمٍ له أيضاً، عبر جماعة “أنصار الإسلام والمسلمين”، التي أسست ما يسمى “ولاية الصحراء”، الممتدة من النيجر ومالي إلى بوركينا فاسو».

وحول طبيعة التشكيلات الجهادية في إفريقيا لفتَ “عرابي” إلى أنها «تمثل نسخاً مُطورة عن مثيلاتها فيما يسمى “دولة الخلافة” في المحافظات السورية والعراقية»، مُرجّحاً أن تكون هذه التشكيلات «خضعت لتدريبات على يد مدربين عسكريين تابعين للتنظيم، جاؤوا من سوريا والعراق».

وفيما يتعلق بالأسباب التي تجعل إفريقيا مجالاً مثالياً لانتشار الجماعات المتطرفة يرى “عرابي” أنه «إضافة لهشاشة الأوضاع الاجتماعية، تؤمّن القارّة مصادر تمويل هائلة لتنظيم “داعش”، تتمثل بتجارة السلاح والنفط والذهب والمطاط. وكل ذلك يجعل من القارة السمراء بالنتيجة ملاذاً آمناً للتنظيم، ويمكّنه من إقلاق الأمن العالمي».

وتوقّع “عرابي” في نهاية حديثه أن «تتفاقم الأوضاع أكثر، ويذهب تنظيم “داعش” بعيداً في تفجير القارة الإفريقية بحروب عصابات طاحنة، ستؤدي إلى تشظي دول إفريقية كثيرة خلال السنوات القادمة. وسيراهن التنظيم في هذه المرحلة على العنف والدموية، مستفيداً من التحريض والدعاية، بعد مَشاهد الدمار السابقة في مدن سوريا والعراق، التي يحاول تحميل دول التحالف الدولي مسؤوليتها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.