لا شك أن أرقام الموازنة في #سوريا لعام 2021، البالغة وفق التقديرات الأولية 8.5 تريليون #ليرة (ضعف موازنة العام الماضي)، لا تمت بصلة إلى الواقع، وفق كثير من التحليلات #الاقتصادية، بخاصة أنها جاءت في ظل وصول نسبة التضخم لمستويات قياسية، وضعف القدرة الشرائية، واتجاه الحكومة نحو رفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية.

وهنا لا بد أن نطرح مجموعة من التساؤلات: كيف ستتم مواجهة معدلات #التضخم التي وصل إليها الاقتصاد السوري؟ وما الخطوات المتوقع أن تتخذها الحكومة بشأن الليرة السورية التي ما زلت تفقد قيمتها بشكل مستمر؟

ويبقى التساؤل الأهم: كيف سيؤثر التضخم على حياة المواطن والقدرة الشرائية له خلال المرحلة المقبلة؟

سوريا الرابعة عالمياً في مستوى التضخم!

في الوقت الذي لم تعلن الحكومة السورية عن معدلات التضخم للعام الحالي، رصد موقع (الحل نت) آخر تقرير صادر عن “مصرف سوريا المركزي” فيما يخص تطور معدل التضخم في تشرين الأول 2019، وأشار إلى أنه ارتفع بنسبة 17.03%، مقارنة بعام 2018، الذي سجل فيها معدل التضخم 1.61%.

إلا أن التضخم في سوريا لعام  2020 كشف عنه البروفيسور “ستيف هانكي” مدير مشروع العملات الوطنية المضطربة في معهد (كاتو) في واشنطن، حيث ذكر أن «التضخم في سوريا وصل لمستوى مذهل وبلغ 263.64%».

وأوضح هانكي في سلسلة تغريدات له على موقع “تويتر” أن «سوريا جاءت في المرتبة الرابعة عالمياً ضمن قائمة البلدان التي سجلت أعلى معدلات تضخم خلال العام 2020».

ويعرَّف التضخّم، بأنّه الزيادة العامة في أغلب الأسعار، يرافقها تأثير في قيمة النقود المتداولة، ممّا يؤدّي إلى انخفاض في قيمتها الفعليّة.

وتراجعت #الليرة_السورية أكثر من 10 أضعاف قيمتها في الفترة الواقعة بين عامي 2011 ومنتصف عام 2019، و40 مرة إضافية منذ منتصف 2019 إلى غاية العام، وانعكس هذا التدهور في قيمة الليرة على معظم أسعار السلع والمواد الأساسية، ووصلت معدلات الفقر وفق الأمم المتحدة لأكثر من 80%.

ما الحلول الحكومية؟

قال الخبير الاقتصادي الدكتور “فراس شعبو” إن «الأرقام المعلن عنها في موازنة عام 2021 البالغة 8.5 تريليون ليرة سورية، مبالغ فيها بالنسبة للاقتصاد السوري، ولكنه طبيعي من خلال التضخم الحاصل، فهناك مؤشرات على نية السلطات تأمين مبلغ الموازنة من خلال التمويل بالعجز، وهذا يعني طباعة المزيد من الأوراق النقدية، إضافة إلى طباعة فئات نقدية جديدة، قد تكون من فئة خمسة آلاف ليرة».

وأضاف الخبير الاقتصادي في حديث لموقع (الحل نت) أنه «لا أحد اليوم يعرف حجم الكتلة النقدية الموجودة في سوريا، وهذا أمر مريب، الغاية منها ضخ كميات كبيرة من الليرة السورية في السوق عندما تنخفض قيمتها أمام الدولار، وبالتالي رفع مستوى التضخم، بحيث يتضاعف أسعار السلع، وتنخفض القدرة الشرائية للمواطنين، نتيجة بقاء دخلهم ثابت دون زيادة».

وكانت آخر مرة لجأت فيها الحكومة السورية لطباعة فئة نقدية جديدة في تموز 2017، وحينها أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، “دريد درغام”، عن طرح عملة جديدة من فئة ألفي ليرة سورية.

وفي أيار 2018 أعلن مجلس الشعب، عن مشروع قانون جديد يسمح للمصرف المركزي بإصدار ورقة نقدية من فئة الليرة حتى الخمسة آلاف ليرة، بعد تعديل المادة رقم “16” من قانون المصرف المركزي، ومنحه صلاحيات جديدة.

ولدى سؤال الخبير شعبو عن الخطوات الاقتصادية، التي ستجريها السلطات السورية في المرحلة المقبلة، أجاب «بصراحة السلطات باتت عاجزة تماماً عن مواجهة حالة التضخم الحاصلة في الاقتصاد».

«وأصبحت الحكومة عاجزة عن تأمين الخبز والمحروقات، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل مضاعف، والتي ازدادت مؤخراً مع فتح قنوات التصدير إلى دول الجوار والخليج، للحصول على العملة الصعبة»، بحسب شعبو.

وأشار إلى أنه «لا يوجد سياسة نقدية واضحة في #سوريا، والمصرف المركزي عاجز عن التدخل نظراً لخلو خزائنة من الاحتياطات النقدية الأجنبية».

ولفت إلى أن «الحكومة ستعمل مع نهاية العام إلى تخفيض الدعم عن بعض السلع، وهذا بات واضحاً من مدفوعات ميزانية العام القادم المخصصة للدعم والتي شكلت نسبة 40%، حيث سيتم فتح قنوات استثنائية للحصول على العملة الصعبة، كما حصل قبل أيام مع قرار البدل الداخلي والخارجي للخدمة الإلزامية وإعادة تسعيرها».

«لكن في الحقيقة هذه الموارد مرحلية وآنية تضمن بقاء السلطات على قيد الحياة، ولكنها لا تضمن تقويتها أو حتى إعادة تأهيلها، كما نراه بشكل واضح من خلال قرارات الحجز والاستيلاء على ممتلكات وأموال رجال الأعمال»، بحسب الخبير الاقتصادي “فراس شعبو”.

ما الذي تشتريه ورقة الألفي ليرة؟

عند الحديث عن التضخم، وضعف القدرة الشرائية، لا بد من الإشارة إلى قيمة الليرة السورية المتدهورة، والفئات النقدية، ومقارنة ماذا كانت تشتريه في عام 2011 ووقتنا الحالي.

ورقة الألفي ليرة حالياً هي أكبر فئة نقدية يتم تداولها، وتكاد لا تساوي دولار واحد بالنسبة لأسعار الصرف الحالية (2530 ليرة عن كل دولار)، في حين كانت تساوي ورقة الألفي ليرة نحو 4 دولارات منتصف العام الماضي، وبمقارنة هذه الأرقام  بالعام 2011 فإن أكبر فئة نقدية كانت 500 ليرة، وتعادل 10 دولارات.

في جولة لموقع (الحل نت) على الأسعار الحالية للمواد الغذائية والتموينية واللحوم، تبين أن ورقة الألفي ليرة، ربما لم يعد لها قيمة تذكر أو أنها تشتري سلعة ذات قيمة، فوصل سعر كيلو اللحمة 18 ألف ليرة، والفروج 4500 ليرة، وصحن البيض 5600 ليرة، وهذا يعني أن الألفي ليرة سورية تشتري 120 غرام من اللحم فقط، ونصف كيلو فروج، وأقل من نصف صحن بيض، بموجب الأسعار الراهنة.

وبمقارنة هذه الأسعار بالعام الماضي 2019، فإن ورقة الـ2000 ليرة كانت تشتري حوالي 400 غرام من لحم الغنم، وكيلو لحم دجاج، وصحن بيض، في حين كان بإمكان المواطن شراء 4 كيلو لحم، وأكثر من 10 كيلو فروج، وذلك في عام 2011.

المواد الأساسية بدورها شهدت ارتفاعات قياسية، حيث كان بإمكان المواطن في عام 2011 شراء 20 كيلو رز أو سكر بمبلغ 2000 ليرة، أو صفيحة (تنكة) زيت نباتي، أو 4 كيلو سمنة حيوانية، أما حالياً فإن ورقة الـ2000 ليرة تشتري نصف ليتر زيت نباتي بعد أو وصل سعر الليتر 4500 ليرة، وحوالي 700 غرام سمن نباتي، بعد أن وصل سعر الكيلو الواحد 3 آلاف ليرة.

وتقاس كلفة احتياجات الأسرة عبر تقارير صحفية اقتصادية، أو دراسات مختصة، لكن من الصعب حالياً دراستها بدقة نتيجة تبدل الاحتياجات والأولويات وحتى الأساسيات، التي يعبر عنها عادة بسلة ثابتة من الاحتياجات لكل شخص، حيث تبلغ تكلفة المعيشة بالحد الأدنى، لأسرة مكونة من 5 أشخاص، نحو نصف مليون ليرة سورية شهرياً، وفق أقل تقدير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.