يتزايدُ قلق العراقيين الذين عَمِلوا بشكلٍ مباشر مع الجيش الأميركي في بلادهم من احتمال استهدافهم من قبل الميليشيات الموالية لإيران، إذا ما حصلت هذه الميليشيات على معلومات تبين هويتهم الشخصية.

ففي الوقت الذي تصاعدت فيه هجمات هذه الميليشيات على قوافل إمداد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن مشاركة أية معلومات عنهم، بما في ذلك الأسماء والعناوين وأرقام لوحات السيارات، يمكن أن تُشكّل تهديداً مباشراً ومتزايداً لمئات العراقيين الذين عملوا لفترة طويلة مع #القوات_الأميركية، وخاصة أولئك الذين عملوا مترجمين.

ويقوم الجيش الأمريكي بتقديم هذه المعلومات الشخصية إلى قوات الأمن العراقية، بناءً على طلب من قبل السلطات العراقية، لتأمين إذن للمترجمين للتنقل في جميع أنحاء العراق، بحسب الوثائق والمسؤولين العسكريين العراقيين.

ويقول مسؤولون عراقيون إن الميليشيات المدعومة من إيران «تغلغلت في أجزاء من جهاز الأمن العراقي لدرجة أن المعلومات، في بعض الحالات، باتت في متناول المجموعات التي تحمل السلاح ضد الأميركيين».

ويقول مسؤول في مكتب رئيس الوزراء العراقي #مصطفى_الكاظمي: «ليس مفاجئاً أن المليشيات لديها هذه الوثائق، إنهم يعتقدون أنها ستكون معركة طويلة، لذا سيجمعون أكبر قدر ممكن من النفوذ للتأثير على المصالح الأميركية».

معلوماتٌ مُسرّبة

ففي شهر حزيران الماضي، نشرت وكالة صابرين للأنباء، التابعة لميليشيات تدعمها إيران، قائمة يزعم أنها تحتوي على معلومات شخصية عن عراقيين جرى قبولهم للعمل في قاعدة “الاتحاد 3” العسكرية في بغداد، المقر الرئيسي للتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة.

وتضمنت القائمة أسماء وعناوين وأرقام تعريف السائقين العراقيين وطراز سياراتهم وتاريخ صنعها وأرقام لوحات ترخيصها. وتحمل الوثيقة شعارات التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة ووزارة الدفاع الأميركية.

وفي سياق منفصل، قال مترجمان عراقيان إنهما شاهدا عناصر ميليشيات كانوا متمركزين بالقرب من نقطة تفتيش عسكرية عراقية ولديهم قائمة تحتوي على معلومات شخصية تم الحصول عليها من مركز تنسيق عسكري تديره قوات الأمن العراقية.

«عندما أدركنا مصدر المعلومات، صُدِمنا. فالقائمة تحتوي على كل شيء: أرقام الهواتف وأرقام الهوية وحتى أسمائنا الحقيقية»، يقول أحد المترجمين من بغداد.

ويتابع هذا المترجم، وهو واحد من سبعة مترجمين آخرين تمت مقابلتهم في هذا السياق وتحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام، قائلاً: «ستكون مطاردتنا مهمة سهلة الآن، فلديهم كل المعلومات. ماذا لو أصبحت هذه القائمة متاحة الآن على الإنترنت؟».

ورداً على طلبٍ للتعليق، قال متحدث عسكري أميركي: «إن التحالف لا يتبادل المعلومات الشخصية عن المترجمين مع الجيش العراقي أو الحكومة»،

لكن ثلاث وثائق حصلت عليها (الواشنطن بوست) تظهر أن مثل هذه المعلومات، التي قدمها التحالف، قد تم تداولها من قبل عناصر مختلفة من قوات الأمن العراقية خلال العام الماضي.

وتقول هذه الوثائق الصادرة جميعها عن مركز العمليات الوطني التابع لرئيس الوزراء العراقي، إن المعلومات «تم الحصول عليها من التحالف، ثم تم تقاسمها مع قوات الأمن العراقية. وتتضمن إحدى هذه الوثائق معلومات شخصية لـ 143 من الموظفين المتعاونين مع الأميركيين».

من جانبه، يقول ضابط كبير  في الجيش العراقي: «قدّم الجيش الأميركي المعلومات حتى يتمكّن المترجمون من التنقل خارج القواعد العسكرية».

تسليم معلومات المترجمين للقوات العراقية

ويمثل المترجمون، الذين وُظّفوا من قبل شركة Valiant Integrated Services، وهي شركة مقاولات مقرها #فرجينيا، إحدى أكبر مجموعات العراقيين الذين عملوا بشكل وثيق مع التحالف الدولي وخدم الكثيرون منهم في الخطوط الأمامية مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الأخرى، وناموا في نفس الخنادق وخيّموا في المباني المهجورة مع احتدام القتال حولهم.

وبموجب عقدهم مع الجيش الأميركي، تُعيّن شركة Valiant المذكورة مترجمين، يُعرفون رسمياً باسم اللغويين، للعمل في العراق وسوريا وأماكن أخرى. حيث شاركت الشركة القليل من المعلومات علناً حول عملها وموظفيها، مستشهدةً بقيود العقد.

وقد يؤدي وصول الميليشيات الموالية لإيران إلى المعلومات الشخصية لموظفي شركة Valiant إلى تفاقم التهديد الذي يشعر به موظفو الدعم العراقي منذ فترة طويلة. فهم يخشون بالفعل في بعض الحالات أن يتم التعرف عليهم من قبل رجال الميليشيات الذين يراقبون نقاط التفتيش والقواعد العسكرية.

ويقول مترجم عراقي ينسق شبكة من موظفي الدعم السابقين: «لدينا الآن مترجمون فوريون يتصلون بي ليقولوا إنهم تعرضوا للتهديد عندما يذهبون إلى السوق أو حتى عندما يغادرون منازلهم. وقد قيل للبعض منهم: لا يمكننا أن نلمس المواطنين الأميركيين هنا، لكن يمكننا أن نؤذيكم».

من جهته، قال متحدث باسم التحالف الدولي إنه اتصل بشركة Valiant وأن الشركة ردت بأنها «لا تشارك المعلومات التي تعرض سلامة مقاتليهم أو زملائهم في الفريق للخطر».

لكن شخصاً مطلعاً على الموضوع قال إن سياسة Valiant هي إخطار الوحدة العسكرية المناسبة إذا أبلغ موظف حالي أو سابق عن تهديد، مؤكداً بأن ذلك «حدث عدة مرات في السنة».

المُترجمون «خونة» في نظر الميلشيات الإيرانية

وعلى الرغم من أن الميليشيات المدعومة من إيران شاركت في الحملة المدعومة من الولايات المتحدة لإخراج تنظيم داعش من دولة خلافته المزعومة، إلا أن هذه الميليشيات المسلحة قامت مؤخراً بتصعيد هجماتها على المصالح الأميركية في العراق، خاصة بعد مقتل الجنرال الإيراني #قاسم_سليماني وأبو مهدي المهندس في #بغداد كانون الثاني 2020.

ووصفت الميليشيات الموالية لإيران في العراق المترجمين بأنهم «خونة». كما استُهدِف العراقيون الذين يقودون المعدات والقوافل اللوجستية نيابة عن التحالف الدولي، حيث شهدت القوافل ما لا يقل عن 30 هجوماً صاروخياً أو هجوما بالعبوات الناسفة منذ الصيف.

وجاءت خطط إدارة ترامب لسحب معظم القوات الأميركية المتبقية في العراق وسط تصاعد هجمات الميليشيات ضد القوافل والمصالح الأميركية الأخرى، بما في ذلك الهجمات الصاروخية المتكررة على القواعد التي تستضيف قواتها.

وبين أشهر آذار وآب من العام الجاري، تلقّى مئات الموظفين العراقيين الذين يعملون في دعم البعثة الأميركية رسائل بريد إلكتروني تفيد بأن عقودهم قد انتهت بسبب فقدان التمويل، مما أثار مخاوف من أنهم سيكونون أكثر عرضة للهجمات الانتقامية بمجرد مغادرة الأميركيين.

كما تم إخبار أولئك الذين كانوا يعملون عن بعد بسبب تفشي فيروس كورونا بعدم العودة إلى قواعدهم. وقال أولئك الذين ما زالوا يعملون في منشآت عسكرية إلى جانب الجنود الأميركيين إنهم أُبلغوا أن رحيلهم سيكون “منسقاً” في وقت قصير.

تخفيض القوات الأميركية في العراق يُهدّد حياة المُترجمين

ويتمركز التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش في العراق منذ عام 2014. وفي شهر أيلول الماضي، قال الجنرال في مشاة البحرية “فرانك ماكنزي” قائد القيادة المركزية الأميركية، إن خفض القوات – من حوالي 5200 إلى 3000 – يعكس ثقة الإدارة في أنه يمكن لقوات الأمن العراقية التعامل مع التهديد المتبقي من مقاتلي التنظيم الإرهابي في البلاد.

وأثناء العمل، يمكن للمترجمين الإبلاغ عن التهديدات التي يتلقوها. وفي الغالب، كما يقولون، تم أخذ شكاواهم على محمل الجد من قبل الجيش الأميركي. وقد عُرض على بعض الرجال مكاناً آمناً للإقامة في قاعدة عسكرية. وقال آخرون إن رؤسائهم أوضحوا أنهم يساندونهم.

ويقول مترجم آخر من كركوك: «كنت أعرف المخاطر عندما وقعت العقد، لكنني علمت أيضاً أن الولايات المتحدة أخبرتنا أنه بغض النظر عن التهديد، فإنها ستقف إلى جانبنا».

ويؤكد بأنه  خلال أربع سنوات من الخدمة، عمل مع فرق البحرية الأميركية والحرس الوطني بجيش “مونتانا”، وكان مؤخراً يساعد في تدريب القوات العراقية في مركزين في شمال العراق.

لكن عندما تلقى إشعار إنهاء خدماته، أصيب بقشعريرة، فيقول: «علمت حينها أن الأمر لا يتعلق بالسؤال عما إذا كان هناك شيء سيحدث لنا، فهذا أكيد. بقي السؤال متى سيحدث ذلك».

ويقول مترجم آخر إنه عمل مع القوات الأميركية على الخطوط الأمامية ضد تنظيم داعش، وأنه لم يصدق زميلاً اتصل ليقول له إن عقودهم قد انتهت. ويتابع قائلاً: «أخبرني أن أتحقق من حساب Gmail الخاص بي. لم أكن أعتقد حقاً أن شيء كهذا سيحدث. وعندما حدث ذلك، بتنا جميعاً مرعوبين».

وفي أواخر شهر تشرين الأول المنصرم، خاطبت ميليشيا غير معروفة تُدعى (أصحاب الكهف) المترجمين مباشرة في بيان، مشيرةً إلى أن المجموعة ستكون على استعداد “للتسامح” وحتى تقديم رواتب لأولئك الذين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم يعملون في منشأة عسكرية أميركية.

وجاء في البيان: «اليوم نعتقد أنه من الجميل تقديم الصفح لمن أهانوا أنفسهم ودينهم وبلدهم، والذين قدموا خدمات لأميركا وإنكلترا وبقية أعداء العراق». ويرى مترجم سابق في بغداد أن هذا العرض «فخ»، مضيفاً: «مثلما توقعت، الأسوأ لم يأت بعد».

خوفٌ من عدم التوطين في الولايات المتحدة

ويأتي الخطر المتصاعد، في الوقت الذي زادت فيه إدارة ترامب من صعوبة انتقال الأشخاص الذين يخشون الحرب أو الأخطار الأخرى في بلدانهم الأصلية إلى الولايات المتحدة. فقد أعلن #البيت_الأبيض في شهر تشرين الأول الماضي أنه سيخفض الحد الأقصى السنوي لدخول اللاجئين إلى مستوى قياسي منخفض يبلغ 15000.

وفي حين أن هذا العدد يخصص ما يصل إلى 4000 مكان للعراقيين سنوياً، فقد تمت معالجة طلبات المتقدمين العراقيين ببطء، ويرجع ذلك جزئياً إلى الفحص الأمني المشدد.

ووفقاً لمشروع مساعدة اللاجئين الدولي، هناك تراكم لأكثر من 100 ألف من المتقدمين العراقيين. وقالت الوكالة إن الحكومة الأميركية خصصت 4000 مكان للعراقيين العام الماضي، لكن 161 فقط أُعيد توطينهم.

وفي غضون ذلك، لم تعد الولايات المتحدة تسمح للعراقيين الذين عملوا مع حكومة الولايات المتحدة في العراق بالتقدم للحصول على برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة، الذي توقف عن قبول الطلبات الجديدة في عام 2014.

ولا يزال البرنامج الموازي للمترجمين العراقيين والأفغان مفتوحاً ، لكنه محدد في 50 شخصاً في السنة. ويقول “سونيل فارغيز” مدير السياسة في مشروع مساعدة اللاجئين الدولي: «لقد ضاقت مسارات الحماية الإنسانية أما اللاجئين من العراق لدرجة أنها أغلقت بشكل أساسي».

وفي مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، قدمت مجموعة من المترجمين رسالة في أواخر الشهر الماضي إلى القنصلية الأميركية هناك، قالوا إنها نيابة عن حوالي 400 شخص وظفتهم شركة Valiant.

وجاءت في الرسالة: «نحن على يقين من أنكم تدركون جيداً الوضع والصعوبات التي نواجهها كل يوم. لذلك، نطلب منكم التفضل بإعادة تنشيط برنامج التأشيرة الذي كان يُقدم للغويين قبل بضع سنوات فقط».

وأكدت الرسالة المذكورة بأن الميليشيات المعادية للولايات المتحدة «قادرة وراغبة» في تعقّب المترجمين الذين دعموا القوات الأميركية الراحلة، وأن الوضع بالنسبة للمترجمين هو مسألة متى سيحصل ذلك وليس هل سيحصل أم لا.

المصدر: (Washington Post)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.