بعد انتهاك “داعش” للمتاحف والمواقع التاريخية: هل أصبحت الحكومة العراقية شريكاً في تهريب الآثار؟

بعد انتهاك “داعش” للمتاحف والمواقع التاريخية: هل أصبحت الحكومة العراقية شريكاً في تهريب الآثار؟

يتمتع العراق بعمق حضاري وتاريخي كبير، إذ يُقدّر العاملون في مجال الآثار المواقع الأثرية في البلاد بنحو اثني عشر ألف موقع، وتشير بعض الدراسات إلى أن العراق لم يُنقّب بصورة كاملة، ولذلك فمن المتوقع وجود ضعف ما أُعلن عنه من مواقع أثرية. إلا أن كثير من المهتمين يتمنون أن تبقى الآثار مطمورة في باطن الأرض، لأن ذلك قد يحميها من عمليات السرقة والتخريب، التي تعرّضت لها الآثار العراقية المُكتشفة.

ويبقى السؤال مفتوحاً حول مدى جدية الجهات المسؤولة بالبلاد في التحرّك من أجل استعادة الآثار والحفاظ عليها، خصوصاً بعد التدمير الكبير الذي طالها في فترة سيطرة تنظيم #داعش على بعض المحافظات العراقية.

 

انتقادٌ للإجراءت الحكومية
في السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019، وردت معلومات عن عملية تهريب ضخمة لآثار تبلغ قيمتها مئتي مليون دولار، من محافظة ذي قار، وأكد مدير مكتب تحقيق الهيئة العامة للآثار آنذاك أن «من ضمن تلك الاثار مخطوطة من الجلد، توقّع الخبراء أن تكون نسخة قديمة ونادرة من التوراة، لكن الجهات الرسمية أحبطت علمية التهريب تلك».

واستمرت #الحكومة_العراقية بنشر أرقام عن استعادة آلاف القطع الأثرية المهرّبة، آخرها ما ذكرته، منتصف العام 2019، عن «قرب استعادة آلاف القطع الأثرية من الولايات المتحدة الأميركية»، لافتة الى «وجود خمسة عشر ألف قطعة جاهزة حالياً للشحن من أميركا إلى العراق».

إلا أن بعض المراقبين يقلّلون من قيمة التصريحات الحكومية حول إجراءات استعادة الآثار. “ميسون الدملوجي”، عضو لجنة الثقافة النيابية السابقة، ترى أن «الجهات المختصة تؤكد رسمياً على الخطر الذي يتعرض له الإرث التاريخي العراقي، إلا أنها لم تقم، حتى الآن، بخطوات جدية، لمواجهة هذا الخطر»، بحسب ”

وتضيف “الدملوجي” في حديثها لموقع «الحل نت»: «تدرك الدولة العراقية أهمية استعادة الآثار، باعتبارها ثروة وطنية، إلا أنها ما زالت تعتمد على جهود الدول الصديقة للقيام بذلك»، مطالبة الجهات المعنية بـ«اتخاذ إجراءات فاعلة للحد من تهريب الآثار من جهة، واسترداد ما قامت العصابات بتهريبه من جهة أخرى».

وتتابع: «تقع على عاتق هيئة الآثار العراقية مهمة الانتهاء من جرد المخازن التابعة لها، وتوثيق كل التحف والقطع الأثرية بالأساليب العلمية الحديثة، بما يُسهّل ملاحقتها في حال سرقتها».

 

“تواطؤ الطبقة السياسية”

تهريب الآثار العراقية ليس بالأمر الجديد، فبحسب مصادر في المجال الأثري «كان “حسين أرشد ياسين”، صهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، المسؤول الأول عن عمليات التهريب قبل العام 2003، وتقدّر القطع الأثرية التي هرّبها بحوالي ثلاثة آلاف قطعة، وازداد نشاطه بعد انهيار العملة العراقية، جرّاء العقوبات الأميركية على العراق، لأن عمليات تهريب الآثار زوّدت رجال الدولة آنذاك بالعملة الصعبة».

لكن الوضع لم يختلف كثيراً بعد عام 2003، بل ازداد سوءاً، بحسب عدد من المختصين. الباحث “صادق الطائي” يؤكد أن «مافيات تهريب الآثار جزء من مافيات الفساد والنهب التي نخرت البلاد، والتواطؤ بين الطبقة السياسية ومافيات تهريب الآثار والمخدرات والسلاح والاتجار بالبشر بات معروفاً للجميع»، حسب تعبيره.

وأضاف “الطائي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «التحقيقات كشفت وجود سياسيين فاسدين، يحمون عمليات نبش المواقع الأثرية وسرقة الآثار وتهريبها».

 

قضية “هوبي لوبي”

شركة “هوبي لوبي” الأميركية، المعروفة بتمويل متحف الكتاب المقدس في العاصمة #واشنطن، وافقت على دفع غرامة، قيمتها ثلاثة ملايين دولار، مقابل وقف دعوى قضائية للاشتباه بشرائها تحفاً أثرية مسروقة، من مورّد مقره في الإمارات العربية المتحدة، وذكرت وسائل إعلام أميركية أن جميع هذه التحف تم تهريبها من العراق.

الشركة، التي تمتلك اثني عشر ألف قطعة أثرية عراقية مهرّبة، عرضت على وزارة الثقافة العراقية عقداً يسمح لها بالتصرّف في هذه الاثار، من خلال عرضها بالمتاحف أو نسخها أو بيع صور منها، مقابل خمسة عشر مليون دولار، إلا أن هيئة الآثار والتراث، في عهود وزراء سابقين، رفضت بنود العقد المقترح من قبل الشركة أربع مرات. ومؤخراً تداولت بعض الصحف والمصادر أن العراق عقد صفقة مفاجئة مع “هوبي لوبي”.

موقع “ديلي بيست” الإخباري قال إن «الحكومة العراقية تقترب من إبرام صفقة مع الشركة»، وصفها بـ«السيئة للغاية»، لكن وزارة الثقافة والسياحة والاثار العراقية نفت ذلك في بيان لها، صدر في السابع عشر من آب/أغسطس 2020، وجاء في نصه: «لم تكن هناك أية نية لعقد اتفاقية مع شركة “هوبي لوبي”، إنما كانت هناك مذكرة تفاهم قيد الدراسة، مازالت في الوزارة، وإذا جرت الموافقة عليها فتحتاج إلى مصادقة أساسية من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وليس من صلاحية الوزير إبرام أي عقد».

“محسن سدخان”، رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث، صرّح لموقع «الحل نت»: «سبق استرداد قطع أثرية عراقية، كانت قد هُربت من قبل شركة “هوبي لوبي”، ويبلغ عدد تلك القطع 3817  قطعة، ما تزال محفوظة في سفارتنا في واشنطن، ونحن بانتظار وصولها للمتحف العراقي». وأضاف: «لاتزال إجراءات الوزارة مستمرة في متابعة استرداد باقي القطع الأثرية، المستحوذ عليها من قبل شركة “هوبي لوبي”، ولا صحة للأخبار، التي تمّ تداولها من قبل بعض الصحف والمواقع، حول صفقة بين وزارة الثقافة والشركة».

يُذكر أن تهريب الآثار كان يعد المصدر الثاني لتمويل تنظيم داعش، بعد تهريب النفط. وقام التنظيم بنقل آلاف القطع الأثرية إلى خارج البلاد، فضلاً عن تدميره عديداً من الآثار، التي تعد تراثاً إنسانياً عالمياً، لأسباب دينية وأيديولوجية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.