كان المسيحيون يمثلون 20٪ من السكان الأتراك في بداية القرن العشرين، أما اليوم، فهم لا يزيدون عن 0.2٪ من إجمالي السكان. وفي هذا التقرير، يروي “جوزيف يعقوب” الخبير في تاريخ المسيحيين الشرقيين، كيف أن تركيا محت تدريجياً الذاكرة الثقافية لهذه الأقلية المضطهدة.

واليوم، فإن انخراط تركيا السياسي والعسكري إلى جانب #أذربيجان ضد الأرمن في #ناغورنو_كاراباخ، قد فتح صفحات الماضي، ليكشف قسوة معاملة الأقليات المسيحية في الماضي ويطرح التساؤل عن وضعها في هذا البلد مقارنةً بأرمينيا.

ففي وقتٍ ما، كان هناك طوائف مسيحية في هذا البلد، لكن ذلك الزمن ولّى إلى غير رجعة. ومنذ ذلك الحين، كان تاريخ الأقليات المسيحية عبارة عن سلسلة من الأعمال الدرامية، تتخللها حلقات مرعبة، طغى التأريخ الرسمي على بعضها عن قصد.

وما أن بدأ عصر الازدهار، انخفض عدد المسيحيين وتأثيرهم بشكلٍ كبير، بينما شكلوا في القسطنطينية وحدها 40 ٪ من السكان في القرن السادس عشر. وفي بداية القرن العشرين، كانت الأقليات المسيحية لا تزال تُقدّر بأكثر من 20٪ في هذا البلد.

واليوم، لا يزيد عدد المسيحيين عن 100 ألف نسمة، أي أقل من 0.2٪ من إجمالي عدد السكان في تركيا والبالغ عددهم 84 مليون نسمة. كما يلاحظ أن المدارس المسيحية في تدهور حاد، بالإضافة إلى حالات مصادرة للكنائس وقمع القساوسة.

كل هذا أكدته السياسة الإسلامية القومية للرئيس التركي أردوغان، الذي حوّل الكنيسة المقدسة #آيا_صوفيا إلى مسجد.

وقد شهد القرن العشرون، اضطرابات وتشنجات سياسية ودينية، ووضعت الإبادة الجماعية للأرمن والآشوريين الكلدان في عام 1915 حداً تدريجياً للوجود المسيحي في تركيا.

وهذا مثال واحد، من بين أمثلة أخرى، تم طمسها تماماً، فعشية الحرب العالمية الأولى، كان هناك 100 ألف مسيحي آشوري يعيشون في منطقة #هكاري في أقصى جنوب شرقي تركيا. واليوم، لم يبق منهم أحد، نصفهم أبيدوا وماتوا على الطرقات، بينما أجبر الآخرون على النزوح الجماعي في ظروف مروعة.

فما الذي حدث؟

منذ عام 1906، كانت هناك شرارات باتت مقدمة لما حدث عام 1915، والتي آتت أكلها عام 1918. فقد استهدفت هذه السياسة، وفقاً لأهداف ثابتة، إعادة تجانس الإمبراطورية العثمانية وتتريك البلاد، من خلال القضاء على جميع المجموعات العرقية غير التركية وغير المسلمة.

وكانت بذلك إبادة عرقية بمعنى الكلمة، حيث تعرضت الكنائس للنهب والدنس، وقتل كبار السن من الرجال والنساء والشباب المسيحيين. وتوفي آخرون بسبب المرض أو الجوع، أو نُقلوا إلى المنفى، وتعرضت الفتيات للخطف والاستعباد.

ومع انتهاء الحرب العالمية وولادة تركيا الكمالية الجديدة، كانت هناك حلقات مؤلمة أخرى في مأساة مسيحيي تركيا. ففي شهر كانون الأول من عام 1925، أشار تقرير من مجلس عصبة الأمم  للجنرال “الإستوني ليدونر” الذي حقّق في الخط الحدودي المؤقت بين تركيا والعراق، إلى ما أسماه ترحيل المسيحيين، حيث بلغ عدد الضحايا حوالي 3000 ضحية. كما أدان التقرير المذكور جنود الفوج 62 التركي، الذين ارتكبوا ضد السكان المسيحيين «أعمال عنف شنيعة تصل إلى مجازر».

وبعدها، تكثفت ظاهرة الإبادة الثقافية، فقد تم تتريك أسماء القرى بالكامل، وكذلك أسماء العائلات. وفيما يلي أسماء القرى الآشورية الكلدانية التي تحولت الآن بالكامل إلى تركية: Ischy أصبح Ombudak ، Bazyan: Dogan ، Harbol: Aksu ، Meer: Kovankaya، و Hoz: Ayirim. وينطبق الشيء نفسه على أسماء العائلات الناطقة بالآرامية: فقد تحولت بقشا إلى يالاب، وبيكوما: ياباش.

لقد تم عمل كل شيء لمحو الذاكرة المسيحية، والأكثر من ذلك، أن هذه القرى هُجِّرت وبات سكانها مشردين ومحتقرين، وتركوا في جهلٍ كامل وبلا حماية غير آمنين من قطاع الطرق والأغوات.

كما لا ينبغي أن نتفاجأ برؤية البلاد خالية من الناجين من الإبادة الجماعية في عام 1915. فمنذ عام 1980، وبعد أن باتوا محرومون من الأمن، سار الآشوريون الكلدان، الذين عاشوا في هذا البلد لمدة 3000 سنة، في طريق المنفى إلى فرنسا وأوروبا، هاربين من القمع التركي ومن ظروفهم البائسة. وقد أثرت هذه المغادرة الجماعية على عدة مناطق في البلاد.

وقد رُحِّب بهم في فرنسا (في مقاطعات فال دواز وسين سان دوني)، وتمكنوا من خلال عملهم ومثابرتهم من النجاح والحصول على حياة كريمة وشغل مناصب مهمة في وقت قصير. كما تمكنوا من بناء الكنائس وفقاً لتقاليدهم وطقوسهم، وأن يعيشوا عقيدتهم بالكامل.

وفي مواجهة حالة الإنكار في تركيا، حدث العكس في #أرمينيا، حيث يتم معاملة الجالية الآشورية بشكل جيد ومعترف بهم. علاوة على ذلك، فإن الروابط الثقافية والأخوية بين الآشوريين الكلدان والأرمن تعود إلى زمن بعيد في التاريخ، بما في ذلك الزيجات المختلطة.

وقد وصل الآشوريون الأوائل إلى أرمينيا في عام 1805 من تركيا وبلاد فارس، وهي عملية تسارعت بشكل ملحوظ في الأعوام 1828 و 1915 و1918. وهم سكانٌ ريفيين في الغالب، ويعيشون على الثروة الحيوانية والزراعة.

وخارج العاصمة #ييريفان، يتركز الآشوريون بشكل أساسي في سبع قرى على وجه الخصوص في فيرين دفين وأرزني ونور أرتيجرز وكولسار. لقد رافقوا استقلال أرمينيا منذ عام 1989، وأسسوا جمعيات ومدارس، وافتتحوا مراكز ثقافية، وحرروا الكتب المدرسية باللغة الآرامية. ومع ذلك ، مثل العديد من الأرمن، سلك البعض منهم طريق المنفى إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

لذلك سيكون من المفهوم أن آشوريي أرمينيا، المدينين لهذا البلد الذي يعترف بهم، يردّون الدين إليها اليوم بالقتال مع مواطنيهم الأرمن من أجل حريتهم والحفاظ على ناغورنو كاراباخ كأرض أرمنية.

وبحسب المعلومات التي تم جمعها، لقي ما لا يقل عن 6 شبان آشوريين مصرعهم، وفُقِد وجُرِح العديد من قريتي (فيرين دفين) و(أرزني). النفي والإنكار من جهة، والاعتراف من جهة أخرى، هذا هو الفرق بين تركيا وأرمينيا.

المصدر: (Le Figaro.fr)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.