بعد عامين من “المصالحة”: الموافقات الأمنية تمنع أهالي درعا من “التطبيع” مع عودة الحكومة السورية

بعد عامين من “المصالحة”: الموافقات الأمنية تمنع أهالي درعا من “التطبيع” مع عودة الحكومة السورية

بعد قرابة العامين من سيطرة #القوات_النظامية على جنوب سوريا، ما زال أبناء محافظة #درعا يعانون مما يصفونه بـ”ممارسات انتقامية” للحكومة السورية، عن طريق فروعها الأمنية، لخروجهم ضدها في آذار/مارس 2011، ولا سيما أن عدة مناطق في درعا ما تزال فعليا خارجة عن قبضة القوات النظامية، بسبب بنود التسوية التي فرضتها #روسيا على #الحكومة_السورية.

كثيرون من أبناء المحافظة حاولوا التأقلم مع الواقع الذي فُرض عليهم قسراً، ولكن بيروقراطية الأجهزة الأمنية تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فصارت “الموافقات الأمنية” سيفاً مسلطاً عليهم، في قضايا مثل الميراث ونقل الملكية، وهو مالم يتوقعوه عندما مضوا على أوراق التسوية، التي روّجت لها روسيا، بوصفها أقرب لقرار عفو عام عن كل التهم السابقة، التي قد تكون الحكومة السورية وجهتها لهم.

 

“العقوبة بسلب أراضينا”

«أصبت بالذهول، وفقدت القدرة على التفكير، حين تسلمت رفض الأفرع الأمنية في مدينة درعا نقل أملاك أبي إليّ. وكأن أراضينا، التي توارثها الآباء عن الأجداد منذ عقود، وتناوبوا على رعايتها واستثمارها، لم تعد من حقنا»، بحسب “كنان المقداد”، وهو تاجر شعير من أبناء محافظة درعا.

وأشار “المقداد”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أن «نقل الأملاك صار من أهم متطلبات العائلات في المحافظة، وخاصة أنه لا توجد عائلة في سوريا إلا وفقدت أحد معيليها، وخلال العشر سنوات السابقة لم يتمكن معظم أهالي درعا من نقل أملاكهم بشكل رسمي، لأن المنطقة كانت خارجة عن سيطرة الحكومة السورية».

ويتابع بالقول: «عند قيام بعض الأفراد باستكمال أوراق نقل ملكيتهم، لأغراض البيع والشراء، تطلب المديرية العامة للمصالح العقارية منهم التقدم بطلبات للحصول على الموافقات الأمنية، للشروع بمعاملة حصر الإرث، وعندها يتبين للكثيرين أن طلباتهم ستُرفض لوجود أسمائهم على قائمة المطلوبين، بسبب مشاركتهم في المظاهرات، كما حدث معي شخصياً».

 

تحت رحمة الأجهزة الأمنية

«أصدرت وزارتا العدل والإدارة المحلية السوريتين، خلال السنوات الماضية، مجموعة قرارات تُخضع جميع حالات بيع العقارات أو نقل الملكية، في المناطق المنظمة أو غير المنظمة، لموافقات أمنية مسبقة، وتستغرق إجراءات الموافقة الأمنية مدة شهرين تقريباً، إذ يتم تقديم الطلب لوزارة المالية، لكن قرار القبول أو الرفض يصدر فعلياً عن الأجهزة الأمنية، والرد يأتي بحسب مواقفك تجاه الحكومة السورية»، بحسب المحامي “محمد الهنداوي”.

ويوضح “الهنداوي” لموقع «الحل نت» أن «إجراءات نقل الملكية شديدة التعقيد في سوريا، فأولاً يجب استصدار إخراج قيد عقاري ومخطط مساحي من المديرية العامة للمصالح العقارية، ثم قيام البائع والمشتري بتقديم طلب موافقة أمنية لوزارة المالية، إضافة إلى إحضار براءة ذمة من مديريتي الكهرباء والمياه، لإثبات عدم وجود مستحقات مالية مترتبة على البائع، فضلاً عن بيان عائلي، وحصر الإرث، والأرقام الوطنية للبطاقات الشخصية، وبدورها تقوم وزارة المالية بإرسال هذه الوثائق إلى فرعي الأمن السياسي والجنائي للتدقيق».

وينوه “الهنداوي” إلى أن «هذه العملية تتعلق فقط بالأملاك ضمن المخططات التنظيمية للمحافظة المعنية، أما الأملاك الخارجة عن تلك المخططات فتحتاج لمعاملة مختلفة، وتتطلب إجراءات داخل العاصمة #دمشق. وتصبح الأمور أصعب عندما يكون صاحب الطلب مقيماً خارج الأراضي السورية، فتطلب الأفرع الأمنية حضوره شخصياً لأخذ الموافقة، وهنا تتوقف جميع المعاملات من هذا النوع».

ويضيف: «تفرض الحكومة السورية الحجز الاحتياطي على أملاك الأشخاص المتهمين بقضايا الإرهاب، أو بمعنى آخر منع التصرف بها، وذلك استناداً لقوانين ومراسيم أُصدرت منذ تولي حافظ الأسد منصب الرئاسة في سوريا، إلا ان الحكومة السورية شددت هذه الإجراءات مؤخراً، عبر إصدارها القانون رقم 10 لعام 2018، والذي أحدث ضجة عالمية، لأنه يعطي الحكومة سلطات أكبر في مصادرة واستملاك العقارات. فضلاً عن أن هنالك أساليب أخرى للاستيلاء على الأراضي، وأبرزها الحجز الاحتياطي، والحجز التنفيذي (المصادرة)، ووضع اليد، إضافة إلى تقييد المعاملات العقارية عبر طلب الموافقات الأمنية».

 

عودة الفساد

المحامية “زينب الصمادي” تقول لموقع «الحل نت» إن «الأمور عادت لمجاريها من ناحية الفساد، فالحكومة السورية تعلم أنه لا يوجد شخص في درعا إلا واشترك في المظاهرات ضدها، فهل سيُمنع كل أهالي درعا من نقل أملاكهم؟ ما يحدث فعلياً أن كثيرين يدفعون الرشاوى، عبر وسطاء، لمن يقوم بعملية الدراسة الأمنية، ما يؤمّن صدور الموافقة».

بينما يؤكد  “محمد الهنداوي” أن «موظفي المحاكم لهم نصيب كبير في عمليات الفساد، فهم يعلمون أن الموافقات تصدر بالرفض، فيطلبون رشاوى، قد تصل، في بعض الحالات، إلى ملايين الليرات، للالتفاف على الموافقات الأمنية، عبر كتابة عقود بين الباعة والمشترين، وتسجيلها في المحكمة، لإصدار قرار قضائي يحافظ للمشتري على حقوقه، لحين تمكّنه من تسجيل نقل الملكية بشكل رسمي».

وسبق أن ألغت وزارة المالية السورية إجراءات الحجز الاحتياطي على أملاك قادة سابقين في #الجيش_الحر، بلغ عددهم 617 شخصاً، فيما أشار “سليمان القرفان”، الرئيس السابق لنقابة “المحامين الأحرار” المعارضة في درعا، إلى أن «القوائم لا تشمل سوى نسبة 1% من الأشخاص المحجوز على أملاكهم، وكثير من الأملاك المحجوزة والمصادرة ليس من اختصاص وزارة المالية أصلاً، بل تحت سلطة محكمة الإرهاب».

ويتصاعد المشهد في درعا شيئا فشيئاً، على المستوى المدني والعسكري، فتارة يخرج الأهالي في مظاهرات سلمية، للهتاف ضد الحكومة السورية، والمطالبة بإخراج الميلشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها #حزب_الله اللبناني، وتارة أخرى تندلع اشتباكات بين #الفيلق_الخامس، الذي تدعمه روسيا، وبين حواجز #الفرقة_الرابعة، التابعة للقوات النظامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.