بكل ثقة.. أخذت السيدة “صباح محمد ناصر” الثلاثينية من حي “الخشمان” في مدينة #الحسكة، مكانها خلف مقود دراجة الشحن ذات الثلاث عجلات، وراحت تعبر طرقات المدينة باحثةً عن زبون في أسواق الحسكة لتوصل ما يحمله من مواد إلى منزله، ثم تعود أدراجها إلى محلات بيع الأدوات المنزلية ومحلات الخضرة من جديد، سعياً منها لتأمين لقمة عيشها وطفلتها “زينب” بالتعاون مع زوجها.

تقول “أم زينب”، كما تفضل تسميتها، إنها تعلمت القيادة من شقيقها كموهبة ولم تدرك أنها ستتحول في المستقبل إلى وسيلة لكسب الرزق ولحفظ عائلتها من العوز.

ولا تزال “أم زينب” تلفت أنظار العامة ضمن مدينتها في كل مرّة تخرج باتجاه السوق أو باتجاه مخيمات النزوح في ريف الحسكة، تنقل قوالب الثلج في الصيف والخضرة والفاكهة في الشتاء، كما تنقل الرمل والبحص ومواد البناء الأخرى إلى ورش العمل في مناطق متفرقة من أحياء المدينة، لمساعدة زوجها قدر المستطاع في تخفيف حمل المصاريف التي أثقلت كاهله.

إعالة عائلتي «شرفٌ عظيم»

رحلة “أم زينب” لتأمين رزق أسرتها تبدأ مع ساعات الصباح الأولى، حيث تتوجه إلى سوق الحسكة الكبير للخضرة الذي يُعرف بـ”سوق الجملة”، وتنقل عدة نقلات لأصحاب محلات الخضرة، ثم تعود لمنزلها وترضع ابنتها وتُحضّر الفطور لها ولزوجها الذي يُجهز نفسه لعمله، لتعود بعدها هي أيضاً لعملها بعد أن تأخذ ابنتها “زينب” عند أمّ زوجها (حماتها) لترعاها.

تعود “أم زينب” إلى بيتها في نهاية اليوم منهكة، لكنّها لا تجد فرصة لترتاح، فعليها رعاية طفلتها وبيتها، وتقول لـ(الحل نت): «كنت أعود مرهقة، وأقصر في رعاية ابنتي، لكن بمرور الوقت أصبحت أقوى».

وتُشير “صباح” إلى أن عملها متعب لكنها سعيدة به، وتُعبر عن ذلك بالقول: «إعالة عائلتي شرف عظيم».

نظرة الناس

أما عن مدى استيعاب المجتمع والأهل لهذا العمل، فقالت: «كانت نظرة الناس من حولي بين الاستغراب والدهشة والتشجيع، مع القليل من اللوم».

موضحةً أن البعض انتقد هذه المهنة واعتبرها «مهنة خاصة بالرجال، تُنقص من أنوثة المرأة، وآخرون وصفوا هذا العمل بـ”الجنوني” وأنه لا يُليق بي كامرأة، وهناك من رفع القبعة احتراماً لمساندتي لزوجي في توفير احتياجات العائلة، لكن الآن يبدو أن الناس تتقبل وجود النساء في كل عمل وأنهن كسرن القاعدة ورفعن شعار العمل للجميع»، منوهةً إلى أن «الكثير من النساء يرفعن أيديهن لي وهن يبتسمن معربات عن تشجيعهن لي، أما في سوق العمل فتقبلوا وجودي، إذ لقيت الاحترام في عيون الرجال لاسيما في سوق الخضرة الكبير، حيث أنهم لا يدعونني أنتظر في (الدور) عندما تكون هنالك أزمة».

وتتذكر “أم زينب” أول مرة قامت بنقل  طلبية الرمل من “كسارة” في ريف الحسكة، متجهةً إلى بيت صاحب الطلبية الكائن في “حي النشوة”، وتقول لـ(الحل نت): «عندما رآني صاحب المنزل وأنا أقود الدراجة، بدت عليه نظرة التعجب والاستغراب كوني امرأة تعمل بهذا المجال».

«بعض المهن تحوّلت من سياقها الاجتماعي كما عهدناها “مهناً خاصة بالرجال” لقساوتها وصعوبتها، إلى سياقٍ جديد، حيث استطاعت النساء العمل بها، ومن خلالها كتبن النساء قصصاً استثنائية في مواجهة الصعاب، لتكشفن عن قدرات هائلة بدنية واجتماعية»، ذلك ما قالته الناشطة النسوية “لجين القاسم” من الحسكة لـ(الحل نت)، وأضافت: «العديد من النساء دخلن بمجال مهن كثيرة كانت حكراً على الرجال، وصرنَ ينافسن الرجال فيها، لا وبل تفوقن في بعضها، كما ونجد بعض النساء يعملن في مجال البناء والميكانيك والجزارة والزراعة وغيرها، وبالتالي لم تعد تلك المهن ممنوعة على الجنس اللطيف».

وتعتقد الناشطة الحقوقية “رولا خالد” أن اقتحام النساء ميدان العمل في المهن التي طالما كانت حكراً على الرجال قد لا يكون بدافع الظروف المادية الصعبة فقط، فهناك نساء لديهن هوايات تقودهن إلى تحدّي تقاليد المجتمع المنغلقة بهدف صقل هواياتهن.

وتضيف في معرض حديثها لـ(الحل نت): «هؤلاء النساء إما يدفعهن طموحهن إلى العمل في مهن شاقة تتطلب بنية جسدية قوية، وإما يحتجن إلى أي فرصة عمل بعدما أجبرهن فقدان أزواجهن أو فقدان معيل العائلة على ممارسة مهن لم يتخيلن يوماً أنهن سوف يمارسنها».

ودعت “خالد” المجتمع إلى منح الثقة والفرصة للمرأة التي تعمل في مهن غير تقليدية، منوهةً بالقول: «الأمر يتطلب شجاعة من المرأة ذاتها وتعاوناً من المجتمع لإتاحة الفرصة أمامها لإثبات قدرتها على عمل هو جديد بالنسبة للثقافة السائدة في مجتمعاتنا».

وتذكر “صباح” التشجيع والدعم الذي تلقته من زوجها وشقيقها للمضي قدماً في عملها، مشيرةً إلى أن الفضل الكبير لاستمرارها في العمل يعود أيضاً إلى أمّ زوجها التي قدمت الدعم والمساعدة لأسرتها المتمثلة في رعاية طفلتها أثناء غيابها عن المنزل، مؤكدةً ثقة زوجها وأهلها بقدرتها على النجاح في هذه المهمة التي أصبحت شغفها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.