للعنف الجنسي تأثير عميق على الصحة الجسدية والعقلية لضحيته، قد يصل إلى حد الوفاة نتيجة الانتحار أو الإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية، أو للقتل أثناء الاعتداء، أو في وقت لاحق كجرائم الشرف على سبيل المثال. يمكن أن يؤثر العنف الجنسي أيضاً بشكل عميق على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للضحايا حيث يتعرض الأفراد للوصم والنبذ من قبل أسرهم والمجتمع، كما أظهرت العديد من الدراسات أن الأطفال الناجين من العنف الجنسي قد يتحولون إلى مرتكبين له في المستقبل.

تعريفات منقوصة للعنف الجنسي

هناك مفهوم خاطئ حول اختصار العنف الجنسي على الاغتصاب (والذي يُعرَّف بأنه الإيلاج بالإكراه- حتى لو كان طفيفًا- في الأعضاء الجنسية باستخدام العضو الذكري أو أجزاء أخرى من الجسم أو أداة ما)، بينما في الواقع يشمل العنف الجنسي أشكالاً أخرى من الاعتداء على العضو الجنسي، بما في ذلك الاتصال القسري بين الفم والعضو. ولا يقتصر الإكراه على إتمام الفعل نفسه، بل يشمل التخويف النفسي أو الابتزاز أو غيرها من التهديدات.

قد يحدث أيضاً عندما يكون الشخص المعتدى عليه غير قادر على إعطاء الموافقة كأن يكون في حالة سكر أو مخدر أو نائم أو غير قادر عقلياً على فهم الموقف أو غير قادر جسدياً على صد المحاولة.

يعتبر عنفاً جنسياً كل من الإكراه على الجنس في إطار الزواج أو المواعدة، والمضايقات الجنسية أو التحرش بما في ذلك المطالبة بممارسة الجنس مقابل خدمة معينة، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والزواج القسري بما في ذلك زواج الأطفال، والحرمان من الحق في استخدام وسائل منع الحمل أو اتخاذ تدابير أخرى للحماية من الأمراض المنقولة جنسياً، والإجهاض القسري، والدعارة القسرية، وأعمال العنف ضد السلامة الجنسية للمرأة بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية للإناث والتفتيش الإجباري للعذرية. ويمكن أن يحصل من قبل أي شخص بغض النظر عن علاقته بالضحية، وفي أي مكان.

ويمكن أن يكون الرجال والنساء في كل الأعمار ضحايا للعنف الجنسي، ولكن نسبة تعرض النساء والفتيات الصغيرات له تفوق نسبة الرجال والصبيان بأضعاف.

شكاوى العنف الجنسي الكاذبة

يعتقد الكثيرون أن عدم قيام الضحية بتقديم شكوى أو تأخرها بتقديمها هو مؤشر على الكذب، ولكن غالباً ما يرجع هذا في الحقيقة إلى الخوف من اللوم والوصمة وانتقام الأسرة. كما تعتبر محاولة المرأة لمزاولة حياتها ونشاطاتها بشكل طبيعي بعد تعرضها للعنف الجنسي هو دليل على كذبها، إلا أن الواقع هو أن معظم النساء تكنّ في حالة صدمة بعد التجربة القاسية تدفعهن لعدم تصديق ما حدث ومحاولة الإنكار هذه تدفعهن بدورها إلى التصرف بشكل غير مفهوم بالنسبة للآخرين، كأن تقوم الضحية بالضحك أو بالخروج مع أصدقائها بعد الاعتداء.

هذا وتعتقد الشرطة أن التناقضات التي تقدمها ضحية العنف الجنسي في الشكوى هي مؤشر على كذبها، ولكن ما يحدث في الحقيقة هو أن عقل الضحية يكون مشتتاً وغائباً بسبب الصدمة فتكون روايتها للأحداث طويلة بلا تفاصيل وغير مترابطة.

تشير 57% من الشكاوى الصحيحة إلى أن الاغتصاب يدوم لفترة أطول من 15 دقيقة، بينما 23% يدوم أطول من ساعة كاملة، وإلى أن الضحية غالباً لا ترمي ملابسها ولا تغتسل مباشرة بعد الاغتصاب بعكس ما هو شائع.

كذلك هناك معتقد خاطئ حول أن الفحص الجسدي يجب أن يشير دائماً إلى العنف الجنسي، إلا أن هذا ليس دقيقاً.

التعاطف المشروط

هنالك عدة نظريات خاطئة حول العنف الجنسي عموماً والاغتصاب بشكل خاص، ومنها مفهوم “الاغتصاب الحقيقي” والذي يقول أن الاغتصاب عبارة عن هجوم جسدي مفاجئ وعنيف، من قبل شخص غريب، على امرأة وحيدة وقت الهجوم. قد تقاوم الضحية الاغتصاب أو قد تخاف المقاومة. بكل الأحوال يقع على المرأة خطأ التواجد في المكان والوقت غير المناسبين، ولا بد أن هذه الضحية ستبقى مدمرة غير قادرة على الاستمرار بحياتها لوقت طويل.

أما النظرية الأخرى فهي “الضحية المثالية” والذي يفترض أن كل ضحية للعنف الجنسي هي امرأة ضعيفة قياساً بالمعتدي، لا تعرفه مسبقاً، وتتألم بشدة، ولكنها مستعدة أن تسامح الجاني رغم ذلك، وإن توافرت هذه الصفات في الضحية فهي تستحق التعاطف.

يميل الناس عادة إلى تصديق هذه النظريات لما فيها من شعور بالأمان لهم/ن حيث أنها جميعاً تؤكد على أن الأشياء السيئة لا تحدث للناس الجيدين الحريصين، ويجعل خطر الاغتصاب بعيداً عنهم/ن، فإن لم تغادر المرأة منزلها وحدها في وقت متأخر على سبيل المثال فلن تتعرض للأذى، وإن ابتعدت عن الغرباء المثيرين للشكوك فلن يعتدي عليها أحد.

وطالما تنطبق صفات الضعف والقبول على الضحية فستلقى التعاطف من المجتمع، ولكن عرض الرحمة هذا ليس خالياً من الشروط، فالضحية القوية التي تتحدى علامات “الضحية المثالية” تتخلى عن حقها في التعاطف والاحترام، وقد تثير الغضب والسخط الأخلاقي أيضاً.

ليست مجرد أرقام

تشير الإحصائيات التي نُشرت من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إلى أن 35% من النساء حول العالم تتعرضن في حياتهن للعنف الجسدي أو الجنسي، إما على يد شركائهن الحميمين أو الغرباء، و137 امرأة تتعرضن للقتل يومياً على يد شركائهن أو أحد أفراد الأسرة.

أصدرت 140 دولة قوانين بشأن التحرش الجنسي في مكان العمل، لكن الكثير منها لا يُطبق أو لا يتوافق مع المعايير والتوصيات الدولية، في حين تمثل النساء 49% من ضحايا الاتجار بالبشر (خاصة الدعارة القسرية) المكتشفة على مستوى العالم.

وبحسب إحصائيات عام 2019 فقد تزوجت واحدة من كل خمس نساء قبل سن 18، بينما تعرضت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 40-60% من النساء للتحرش الجنسي في الشارع، كما وتعرضت ما لا يقل عن 200 مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً، لتشويه الأعضاء التناسلية، في وقتٍ مارست 15 مليون فتاة مراهقة في جميع أنحاء العالم الجنس القسري، كما أبلغت واحدة من كل 10 نساء عن تعرضها لمضايقات إلكترونية منذ سن 15 عاماً وشمل ذلك تلقي رسائل جنسية مسيئة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.