بعد ثلاث جولات لم تُقدَّم فيه أيّة بارقة أملٍ للسوريين، تعاود اللجنة الدستوريّة السوريّة قطار جولاتها لمناقشة كتابة دستورٍ جديد بمشاركة وفود تمثّل الحكومة، وتحالف عدد من المعارضات غير المنسجمة، بالإضافة لخبراء في القانون، وممثلين للمجتمع المدنيّ، تختارهم الأمم المتّحدة، وذلك لإحداث نوعٍ من التوازن داخل اللجنة.

تمثّلُ “اللجنة” السلّة الثانية من سلال ديمستورا الأربع، والتي أقرّها عقب انتهاء جولة جنيف الرابعة للتفاوض آذار/ مارس 2017 حيث شكّلت هيئة الحكم الانتقالي السلّة الأولى، والدستور شكّل الثانية، أما الثالثة فكانت الانتخابات، والرابعة هي مكافحة الإرهاب.

تبدو الجهود الروسيّة السوريّة لإفراغ سلال ديمستورا من محتواها مستمرّة؛ أمّا موسكو، فقد استغلّت الانكفاء الأميركيّ النسبيّ عن الملف السوريّ، وتحديداً في العمليّة السياسيّة، وأقرّت تشكيل اللجنة الدستوريّة عام 2019 في “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في منتجع سوتشي الروسيّ، فكانت الولادة القيصريّة للّجنة، والتي جعلتْ الطرفين الرئيسين يجتهدان لعرقلة أيّة إمكانية لبِدْء أيّ حوارٍ جِدّي يُفضي إلى دستورٍ جديد يكون أولى دعائم إرساء الحلّ السياسيّ في سوريا.

وكما أَجبَرت موسكو أنْ يتم البِدء بِسَلّة الدستور، فهي الآن تريد التركيز على ملف إعادة اللاجئين، استكمالاً لجهودها في هذا الملف، والذي بدأته حين عقدت “مؤتمر اللاجئين السوريين” في العاصمة السوريّة دمشق مؤخراً، في مسعى لإيجاد مسارٍ خاصٍ بها في حلّ الأزمة السوريّة.

يُضاف اقتراب الاستحقاق الانتخابيّ الرئاسيّ في سوريا، إلى المعضلات التي تواجه عمل اللجنة؛ إذ يبدو أنّ هناك توافقاً ضمنيّاً بين روسيا وتركيا، وبطبيعة الحال إيران، على انتظار الانتخابات الرئاسيّة السوريّة صيف العام القادم، بحيث يصبح الرئيس السوريّ بشار الأسد أمام ولايته الثانية والأخيرة حسب الدستور القائم منذ عام 2012.

وعليه، فإنّ أيّ دستور قادم سيضَع في اعتباره هذه الحقيقة، وإمّا أنْ يتمّ التوافق على انتظار انتهاء “الولاية الثانية” وبالتالي انتهاء حقبة الأسد في عام 2028 أو بِتَرْك الباب مفتوحاً أمام ترشّحه لِولايات قادمة، وفق ما يُعْرَف في دُوَل الشرق الأوسط بـ “تصفير العدّاد”.

بِدَوْرِها، تحاول الحكومة السوريّة منذ البداية نَسْفِ العمليّة السياسيّة المتمثّلة بالقرار الأُمميّ (2254) والاقتصار على دستورٍ جديد لا يُشَكِّل خطراً على بقاء النظام القائم، والتركيز على ملفَيّ مكافحة الإرهاب وإعادة اللاجئين، وبالتالي حَسْمِ المعركة القائمة منذ العام 2011 بهذه الطريقة، بعد أنْ عجزت عن إنهائها عسكرياً.

فكانت دمشق تركّز بادِئ ذي بِدء على حَرف مسار مفاوضات جنيف منذ انعقادها في مطلع العام 2014 نحو ملف مكافحة الإرهاب، والاستفادة من الصِّبْغة المشتركة بين المنظّمات المصنّفة على لائحة الإرهاب وفصائل المعارضة السوريّة الموافقة على الانخراط في العمليّة السياسيّة، مستفيدة من كَون هذه الفصائل ذات توجّهات دينيّة متشدّدة، وبالتّالي فهي قريبة إيديولوجياً من الفصائل المصنّفة إرهابيّة.

كذلك، فإنّ استبعاد ممثّلي الإدارة الذاتيّة لشمال وشرقيّ سوريا عن اللجنة الدستوريّة؛ يشكّل أيضاً نقطة ضعف في سَير عمل اللجنة الدستوريّة، فقوّات سوريا الديمقراطيّة تسيطر على ما يقارب ربع الجغرافيا السوريّة، وتضمّ مكوّنات عِرقيّة عدّة في هذه المناطق بالتحديد، وبالأخصّ الكُرد والسريان الآشوريين، الذين تعرّضوا لتهميش من الحكومات السوريّة المتعاقبة منذ تأسيس الدولة السوريّة، وبالتالي فَوجود ممثلين عنهم في اللجنة الدستوريّة سيشكّل عامل اطمئنان لشعوب المنطقة في دستور بلدها الجديد.

تبدو الأنظار متّجهةً الآن للإدارة الأميركيّة الجديدة برئاسة جوزيف بايدن، وموقفها من العمليّة السياسيّة، وكذلك موقف المجموعة المصغّرة حول سوريا، والتي تضمّ  كل من  ألمانيا والمملكة العربيّة السعوديّة ومصر والولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا والأردن والمملكة المتحدة، والتي تعتبر مساراً منافساً لترويكا أستنة التي تجمع روسيا الاتحاديّة بكل من إيران وتركيا.

تركّز “المجموعة” على وجوب تحقيق الحلّ السياسيّ على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم (2254) بوصفه السبيل الوحيد لتحقيق سلام واستقرار وأمن مستدامَيْن للشعب السوري، وتؤكّد أنّ هذا الحلّ من شأنه تسهيل انسحاب جميع القوات الأجنبيّة التي دخلت سوريا بعد عام 2011.

وتحاول عدّة دول عربيّة إيجاد دور لها في حلّ الأزمة عبر فتح بابٍ لتعويم الحكومة السوريّة مقابل تنازلات مطلوبة من الأخيرة، ومؤخّراً عقدت مصر والأردن والسعوديّة والإمارات اجتماعاً تشاورياً لافتاً، لبحث تعزيز الجهود المشتركة لإيجاد حلّ للأزمة السوريّة وفق قرار مجلس الأمن رقم (2254)  حيث توافقت الدّول الأربع على مبدأ رفض الدورين التركيّ والإيرانيّ في سوريا.

في الوقت الذي تُبدي بعضها مرونة تجاه الحكومة السوريّة، حيث أعادت الإمارات نهاية عام 2018 افتتاح سفارتها في العاصمة دمشق، فيما تجري مصر تنسيقاً وتواصلاً أمنياً مع الحكومة السوريّة، وكذلك استضافت الرياض مبعوث الأمم المتحدة الخاصّ إلى سوريا “غير بيدرسون”.

يبدو العام 2021 مفصليّاً في مسار الحرب السوريّة، فالموقف الأميركيّ سيتبلْوَر من وجوده العسكريّ في مناطق الإدارة الذاتيّة، وكذلك من العملية السياسيّة، والانتخابات الرئاسيّة السوريّة ستتمّ في موعدها المفترض، وبالتالي فنحن أمام ديناميّة جديدة للحالة السوريّة، ومسارات الحلّ ستكون أمام بوابة أكثر وضوحاً من ذي قبل، حيث كان غموض الموقف الأميركيّ من جهة العمليّة السياسيّة أحد أبرز أسباب تعثّر الوصول إلى حلّ سياسيّ، وبالتالي فإن اللجنة الدستوريّة ستأخذ زخماً أكبر في قادم الأيّام، شأنها شأن السِّلال الأخرى، وصولاً إلى إنهاء الحرب بتسوية سياسيّة مقبولة دوليّاً مع مراعاة هواجس الدّول الإقليميّة الفاعلة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.