بعد طرد داعش من شمال وشرق سوريا: هل تحمّلت الحكومة السورية والإدارة الذاتية مسؤولياتهما في حماية الآثار؟

بعد طرد داعش من شمال وشرق سوريا: هل تحمّلت الحكومة السورية والإدارة الذاتية مسؤولياتهما في حماية الآثار؟

سيطر تنظيم #داعش على بعض من أكثر المناطق غنى بالآثار في سوريا، وارتكب كثيراً من الانتهاكات بحق الإرث الحضاري الإنساني فيها، تراوحت بين تحطيم القطع الأثرية بشكل علني، وتهريبها إلى الخارج، وتحويل بعض المواقع الأثرية إلى مراكز عسكرية لمقاتليه.

وبعد طرد التنظيم من أغلب مواقعه في شمال وشرق سوريا، توزعت السيطرة على المنطقة بين #الحكومة_السورية والإدارة الذاتية، وباتتا الآن الجهتين اللتين تتحملان مسؤولية حماية وترميم وإعادة تأهيل ما تبقى من آثارها، فما هو وضع المواقع التاريخية والأثرية اليوم بعد طرد التنظيم المتطرف؟ وما أهم الإجراءات التي اتخذها بهذا الصدد المسيطرون الحاليون على المنطقة؟

موقع «الحل نت» التقى مسؤولين في الجهات المعنية بالآثار لدى الحكومة السورية والإدارة الذاتية، وطرح عليهم أسئلة متعددة عن هذا الموضوع.


ما مدى النهب الذي تعرّضت له الآثار؟

“عدنان البري”، مدير دائرة الآثار في #الحسكة، التابعة للإدارة الذاتية، يجيب بالقول: «تم نهب عديد من المواقع، من خلال حفر خنادق بواسطة آليات الثقيلة، للتنقيب عن الآثار. ولحسن الحظ، فإن المواقع الأثرية غير المُنقبة مازالت على حالها، ولم يطلها النهب والتخريب، الذي تعرّضت له المواقع التي سبق تنقيبها من قبل البعثات الأثرية».

من جانبها تؤكد “جين خالد”، المديرة المشتركة لمديرية حماية الأثار في إقليم الفرات، التابعة للإدارة الذاتية، أن «عدداً كبيراً من التلال والمواقع الأثرية تعرّضت للسرقة والتخريب في إقليم الفرات، مثل “تل أحمر” و”تل شيوخ تحتاني” و”شيوخ فوقاني”، وهناك تلال أخرى سُرقت ونُهبت حتى قبل سيطرة داعش، على يد #جبهة_النصرة وفصائل متطرفة أخرى».

وتتابع في حديثها لموقع «الحل نت»: «هناك إثباتات أن تنظيم داعش كان يبيع الآثار إلى جهات موجودة في #تركيا، وكذلك قام بتشكيل لجنة مهمتها منح تراخيص للمدنيين، المقربين من التنظيم، للتنقيب عن الآثار».

“زاردشت عيسى”، مسؤول مكتب الآثار في الإدارة المدنية بمدينة #الطبقة، يؤكد أن «قلعة جعبر الأثرية تعرّضت، منذ عام 2011، للنهب على أيدٖي الجماعات المسلحة، ثم قام داعش بتشويه معالمها، وتحويلها لمعتقل ومعسكرات للتدريب».

أما عن مناطق سيطرة #القوات_النظامية، فيؤكد “نضير عوض”، نائب مدير المتاحف في مديرية الآثار، التابعة للحكومة السورية، أن «هناك نهباً كبيراً طال المواقع الأثرية والمتاحف، فتمت سرقة آلاف من القطع الأثرية، وتهريبها إلى خارج سوريا. وقد وثقنا عديداً من القطع، التي بيعت في السوق السوداء، من خلال الشرطة الدولية (الأنتربول)».

ويضيف في حديثه لموقع «الحل نت»: «يصل عدد القطع المسروقة من المتاحف إلى حوالي خمسة وعشرين ألف قطعة أثرية، في #تدمر وبصرى الشام وحلب وإدلب».

 

ما الأضرار التي لحقت بالمعالم الأثرية؟

“محمود حمود”، مدير الآثار والمتاحف في الحكومة السورية، يقول إن «حوالي عشرة آلاف موقع أثري تعرضت للنهب والسرقة، ما أدى إلى زوال ملامح عديد من المعالم الأثرية». وتابع في حديثه لموقع «الحل نت»: «أجزاء كبيرة من الإرث التاريخي في تدمر باتت مدمرة، مثل المعابد وقوس النصر والأعمدة والمدافن، كما أن مدينة #حلب القديمة كان لها نصيب واسع من التدمير، خاصة في محيط قلعتها التاريخية، أما قلعة الحصن فتعرّضت أجزاء من جدرانها، والكنيسة التي بداخلها، لأضرار بالغة، إضافة للمواقع التي تعرضت للتشويه في #دير_الزور وإدلب».

أما عن مناطق الإدارة الذاتية فيؤكد “عدنان بري” أن «طبيعة الأضرار مختلفة، وذلك يعود لطبيعة المواقع الأثرية ومواقعها، فمعظم الأضرار حصلت للتلال الأثرية، المتواجدة بكثافة في مناطق شرق الفرات، والتي تختلف عن القلاع والأسواق القديمة، الموجودة في المدن التاريخية الكبيرة».

ويتابع بالقول: «في موقع “تل عجاجة”، جنوبي مدينة الحسكة، حفر تنظيم داعش حوالي سبعة عشر نفقاً، يبلغ عمق أحدها ستة وخمسين متراً، وهناك مواقع أخرى تعرضت للتنقيب غير المنظم، مثل تل “براك”، شرقي مدينة الحسكة، و”طابان” على الضفة اليسرى لنهر الخابور».

“زاردشت عيسى” يؤكد «تعرّض قلعة “جعبر” للتشققات في جدرنها، وخاصة الأسوار المحيطة بالقلعة وأبراجها، وحدوث انهيارات في بعض أجزائها». وأوضح أن «الانهيارات بدأت في شتاء عام 2018، بسبب غزارة الأمطار التي هطلت في المنطقة، ما أدى إلى حدوث تشققات في أبراج القلعة، وخاصة “برج الغريب” و”برج 11″».

 

هل هناك حماية للمواقع من النهب والتخريب؟

يجيب “هيثم ابراهيم”، الضابط في “فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد”، التابع للحكومة السورية: «استطعنا ضبط أكثر من ثلاثين قطعة أثرية، تنوّعت بين اللقى والكتب والمسكوكات القديمة، مصدرها تدمر وحلب، كانت ستهرّب إلى لبنان».

وأضاف في حديثه لموقع «الحل نت»: «ليست لدينا الإمكانيات الكافية لمنع عمليات التنقيب غير الشرعية، وما تزال هذه العمليات مستمرة، ولكن بفضل جهود الفرع، وحرّاسه المكلفين، قمنا بإلقاء القبض على بعض الشبكات، التي تقوم بعمليات الحفر في محافظتي #حمص وحماة».

وللتأكد من صحة هذه الإدعاءات، التقى موقع «الحل نت» مع “محمد العلي”، اسم مستعار لناشط من محافظة حمص، والذي تحدث عن «وجود عمليات تنقيب ممنهجة، من قبل المليشيات الإيرانية، في قلعة الحصن ومدينة تدمر وأرياف حماة، تحت أنظار الأجهزة الأمنية للحكومة السورية».

“هيثم إبراهيم” ينفي هذه المعلومات بالقول: «هنالك بالتأكيد عمليات تنقيب غير شرعية، ولكنها ليست عملاً ممنهجاً من القوات المتعاونة مع الحكومة السورية. تُوجّه اتهامات لعناصر في الجيش العربي السوري بتهريب الآثار، بسبب الفيديوهات المصوّرة لبعض المناطق الأثرية، والتي تُظهر عمليات تنقيب بحضور عناصر من الجيش، ولكنها في الواقع تنقيبات تتم بناءً على تعليمات من مديرية الأثار والمتاحف، وخاصة في تدمر، حيث يقوم المختصون بنقل الآثار لأماكن أمنة، لحمايتها من الاندثار».

وحول آليات عمل المراقبة والحماية يقول “نضير عوض”: «تم إنشاء خارطة للمخاطر، تُحدد عليها التعديات التي تطال المواقع الأثرية والمتاحف، وتُحدّث المعلومات بشكل يومي، وأحياناً أسبوعي، بحسب غزارة المعلومات التي تصل إلى المديرية العامة للآثار، من الفنيين والحراس والمراقبين والمهتمين».

أما عن مناطق الإدارة الذاتية فيؤكد “عدنان بري” أن «عمليات السرقة والنهب في المنطقة موجودة منذ زمن بعيد. وقد قامت الجهات المعنية في #الإدارة_الذاتية بإلقاء القبض على عديد من الشبكات، التي تقوم بمثل تلك الأعمال، ومصادرة القطع التي كانت بحوزتها».

ويضيف: «قام الاختصاصيون لدى مديريتنا في الحسكة بتوثيق جميع المواقع الأثرية، توثيقاً دقيقاً وعلمياً، مُرفقاً بالصور للمواقع المتضررة وغير المتضررة».

 

ما المشاريع والحلول لمعالجة الأضرار التي تعرّضت لها المواقع الأثرية؟

بالنسبة لمسؤولي مديريات الآثار في الإدارة الذاتية فإن الجهود تتركز على «وقف حالات الانهيار الناجمة عن عوامل الطبيعة، من أمطار وسيول»، بحسب “جين خالد”، التي تتابع بالقول: «لدينا في إقليم الفرات مشاريع عديدة: في الفترة السابقة عملنا على ترميم لوحة فسيفساء تعود للعصر الروماني، وحالياً لدينا مشروع لحماية المواقع الأثرية من الانهيارات، فنقوم بتغطية المواقع الأثرية المُنقبة بمادة البلاستيك».

من ناحيته يقول “عدنان بري”: «تقوم مديرية آثار الحسكة في الإدارة الذاتية بأعمال الترميم والصيانة، على قدر الإمكانيات المتوافرة لديها، فقد قمنا بترميم مقبرتي “أبو جداري” و”فرحية”، وقلعة “سكرة”، أما في موقع “تل بيدر”، فقمنا بتغليف الكتل المعمارية بكتل طينية مستحدثة، بهدف حمايتها».

أما عن قلعة جعبر المعرضة للانهيار فيقول “علي علاية”، الرئيس المشترك للجنة الثقافة والفن في مدينة الطبقة: «رغم تحرير محافظة #الرقة من تنظيم داعش، لا نستطيع تغيير أو ترميم أي جزء من أجزاء القلعة، لأنها من المواقع الأثرية الهامة عالمياً، وأي تغيير فيها سيفقدها قيمتها التاريخية، ما سيؤدي لحذفها من قائمة المواقع الأثرية العالمية».

في حين تتركز جهود مديريات الحكومة السورية على «النشاطات والمشاريع الترميمية للمواقع المدمرة بشدة، جرّاء الحرب، والاعتماد على خبراء ومختصين من #روسيا، وخاصة في مدينة تدمر»، بحسب “محمود حمود”، الذي يتابع بالقول: «نعمل على المواقع الأثرية، التي تحتاج إسعافاً سريعاً. حالياً لدينا أمكنة متضررة جداً، وكل تأخير قد يكلفنا مبالغ مالية كبيرة في عمليات الترميم. نحتاج لميزانية وجهود كبيرة لإنقاذ هذا التراث الإنساني».

ويختتم حديثه بالقول: «لدينا خطة لإعادة ترميم المواقع الأثرية التي تعرّضت للدمار، ونقوم بأعمال التوثيق، باستخدام أحدث الوسائل، وبمعايير دقيقة، ثم نقوم بأعمال الترميم العاجلة، للمواقع التي تحتاج إلى تدخل سريع، في حلب نقوم بترميم القلعة والأسواق القديمة، وفي تدمر نرمم ما يمكن ترميمه».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.