ما تزال تفاعلات اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده تتوالى في #طهران، إذ أقرَّ البرلمان الإيراني والذي يشكل المحافظون أغلبيته العظمى، أمس الثلاثاء، قانوناً للرَّد على اغتيال العالم النووي البارز، بينما رفض الرئيس حسن روحاني خلال اجتماع للحكومة، اليوم الأربعاء، هذا القانون معتبراً إياه “ضارّ”.

تعكس حالة التجاذب التي حصلت ما بين البرلمان والحكومة رغبةً في عدم الاستعجال بالرد على عملية الاغتيال القاسية، ومواصلة التسلح بما أسماه بعض المسؤولين الإيرانيين “الصبر الاستراتيجي”، ما يعني بشكل أو بآخر محاولةُ لاستيعاب الرسالة الموجّهة من عملية الاغتيال، والعمل على الاستمرار في ضبط النفس، دون الانزلاق إلى ردود يمكن لها أن تقود #إيران والمنطقة بأسرها إلى مواجهة عسكرية شاملة، وفي هذا يعوّلُ المسؤولون الإيرانيون على تغييرات في السياسات الدولية اتجاه إيران وملفها النووي خلال الأشهر القادمة.

في الاغتيال ومفاعيله

تضاربت الروايات في البداية حول عملية اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده وطريقة تنفيذها، إلا أنها وعلى خلاف مصادرها أكّدت أن العملية نُفّذت من قبل فريق منظَّم ومُدرَّب على تنفيذ مثل هذه العمليات، إذ نقلت صحيفة “ذا دايلي ميل” ما أسمته تفاصيل عن عملية الاغتيال، وأكدت أن زاده قُتل عندما كان في سيارته، وأضافت تفاصيل عن وجود مجموعة مكوّنة من 62 شخصاً هم من شاركوا في هذه العملية، موزَّعين على فريق للدَّعم اللُّوجستي مكوّن من 50 شخصاً، وفريق نفّذ العملية بشكل مباشر مكوّن من 12 شخصاً.

تُظهرُ قراءةُ عملية الاغتيال التي وقعت بالقرب من العاصمة #طهران حجم الاختراق الأمني داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية، إذ أن عملية اغتيال بهذا الحجم، ولشخص تكرر وصفه ب”المهندس” الفعلي للمشروع النووي الإيراني، لا يمكن لها أن تتم دون خروقات أمنية من داخل المؤسسة الأمنية الإيرانية، ما يشي بمستوى ضعف طالما كانت إيران حريصة على إخفائه لتظهر بمظهر القوّة الإقليمية الأبرز.

إضافة إلى ما سبق ستكون المؤسسة الأمنية الإيرانية مطالبةً بتفسير ما يحصل، فيما لو استمرت عمليات الاغتيال، والتي تذكّر بعمليات اغتيال سابقة، شهدتها إيران ما بين عامي 2010 و2012 واستهدفت أيضاً مجموعة من العلماء النوويين الإيرانيين.

الرّد أو عدم الرد

في العودة إلى قرار البرلمان الإيراني المحافظ بالرد على عملية الاغتيال، ورفض الحكومة الإيرانية له بحجة ضرره كما أشار الرئيس روحاني، أو بحجة أن قرار الرد ليس من صلاحيات البرلمان كما أشار بعض أعضاء حكومته، يتضح أن مسألة الرد على عملية الاغتيال ستكون مثار جدل ونقاش ما بين أجنحة مؤسسات الحكم في طهران، ذاك أن بعض الصحف الإيرانية المحافظة وصلت بمطالباتها بقصف حيفا كردّ على اغتيال فخري زاده، خاصة بعد اتهام إيران للموساد الإسرائيلي بتنفيذ عملية الاغتيال.

إلا أن قراءة هذا الجدل من زاوية ثانية يمكن لها أن توضح عدم الرغبة الإيرانية في المجازفة بالرد على عملية الاغتيال، ذاك أن قراراً كهذا قد يقود إلى مواجهة عسكرية لا يمكن معرفة عواقبها مسبقاً، كما أن #طهران هذه المرّة لا تستطيع تنفيذ الرد على أرض دولة أخرى كما فعلت في حالات سابقة، فهذا النوع من العمليات سيحرج النظام الإيراني ويظهره في مظهر المُنَفّذ لعمليات إرهابية، وهو المتهم بدعم هذه المنظمات بالأساس وإيواء قياداتها على أراضيه، لذا يبدو أن بعض المسؤولين الإيرانيين قرروا أن يلعبوا لعبة الصبر والوقت في انتظار تغييرات في السياسات الدولية اتجاه إيران والملف النووي الإيراني مع تغيير الإدارة الأميركية، غير أن هذه النقطة بالتحديد لم تعد مضمونة فالعودة التي تأملها #إيران إلى الاتفاق النووي قد تضع عليها الإدارة الأميركية وربما الاتحاد الأوروبي شروطاً جديدة هذه المرّة، خاصة بعدما أكّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أن المخزون الإيراني من مادة اليورانيوم المخصّب بلغ أكثر من 12 ضعفاً من الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الدولية مع إيران عام 2015، ما يعني عدم التزام إيراني واضح بالاتفاقات المبرمة فيما يخص برنامجها النووي.

من سليماني إلى فخري زاده، ما الفرق؟

مطلع العام الحالي شكّلت عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني صدمة كبيرة لمؤسسة الحكم في #إيران وحلفائها في المنطقة، إذ يعتبر سليماني المشرف الفعلي على المليشيات التابعة لإيران في دول مثل العراق وسوريا ولبنان، هذه المليشيات التي طالما استخدمتها #إيران كأداة للرد على خصومها ومناكفتهم، وكشفت عملية اغتياله هي الأخرى عن اختراق أمني كبير على مستوى حلفاء #طهران في المنطقة، إلا أن الفارق بين عملية اغتيال سليماني وفخري زاده أن الأولى تمّت خارج الأراضي الإيرانية بينما الاختراق في الثانية وضخامة عملية التنفيذ حصلت داخل الأراضي الإيرانية، ما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول القدرات الإيرانية في الرّد على التحديات الأمنية الجديدة التي فرضتها عملية اغتيال لعالم نووي بهذا الحجم، كما أن التساؤل الثاني سيكون حول قدرة #طهران على مواصلة مواجهاتها الإقليمية الممتدة من بيروت إلى صنعاء مروراً ببغداد ودمشق في نفس الوقت الذي باتت فيه مهدّدة بعمليات أمنية من الداخل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة