من داخل خيمتها في مخيمٍ مترامي الأطراف في شمال شرقي سوريا، تُرسل “ساره” وهي امرأةٌ أوروبية كانت قد التحقت بتنظيم #داعش، رسائل إلى الناس في جميع أنحاء العالم تتضرّع إليهم ليرسلوا لها المال.

«أنا أحتاج إلى خمسة عشر ألف دولار فقط للهروب إلى تركيا أو إدلب أو أي مكان»، كتبت على تطبيقٍ مشفّر من #مخيم_الهول، وهو مخيمٌ احتجاز صحراوي يحتوي على أكثر من 65 ألف شخص، من ضمنهم العائلات التي عاشت في أحد الأيام في كنف دولة “الخلافة”.

تتبّعت صحيفة (The Independent) على مدار الشهرين الماضيين مسار المال حيث يبدأ من غرف المعيشة في الدول الأوروبية وجنوب شرق آسيا وغيرها من البلدان، وينتهي بهروب العائلات الجهادية من المخيمات في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا.

وأظهرت التحقيقات قيادة النسوة، بما فيهن البريطانيات، حملات لجمع التبرعات التي تديرها شبكات تابعة لتنظيم «داعش» باستخدام منصات التواصل الاجتماعي وأنظمة التمويل غير التقليدية مثل العملات المشفرة وتطبيقات تحويل الأموال لإرسال الأموال إلى المهربين.

تحدثت الصحيفة إلى العديد من النساء الأوروبيات المنتسبات للتنظيم عن هذه المخططات، بما فيهن النساء داخل مخيم الهول ومخيم روج، وهو أصغر حجماً وأكثر رقابةً من قبل الشرطة، وكذلك النساء اللاتي هربن ويقمن الآن في شمال غربي سوريا وتركيا وحتى في دول أخرى.

كما اطلعت الصحيفة على إيصالات تحويل الأموال، بالإضافة إلى مئات الرسائل في قنوات التليغرام وصفحات الفيسبوك، التي أنشأت لدعم جهود جمع التبرعات.

فقد جعلت الطرق الجديدة من السهل على النساء الجهاديات الحصول على الأموال بشكل سريع من أجل دفعها إلى المهربين في سوريا والذين يمكنهم رشوة مسؤولي الأمن لجعل عملية الهروب ممكنة.

“سارة” هي من بين المنتسبات السابقات إلى التنظيم الجهادي والتي تستخدم أدوات التمويل الإلكتروني لتمويل هروبها، وقد نشرت قصتها أول مرة في نداء عام عبر منتديات أو قنوات مراسلة سورية ودولية مختلفة مؤيدة لتنظيم داعش على تطبيق تليغرام الشهير، الذي يصطاد الأموال بانتظام للمساهمة في تهريب العائلات الجهادية من مخيم الهول و#مخيم_روج شديد الحراسة.

يتراوح ثمن تهريب امرأة أوروبية وأطفالها من المخيمات مابين 12500 دولار و25 ألف دولار. ويزعم جامعو التبرعات أنهم سيحمون الجهات المانحة بشكل جيد.

«أنت لا ترسل الأموال بشكل مباشر إلى سوريا»، يقول أحد جامعي التبرعات المرتبطين بالتنظيم والذي يدير شبكة واسعة في جميع أنحاء أوروبا وخارجها.

ويتابع مؤكداً: «باستخدامك لـ بيتكوين وويستر يونيون، يمكنك إرسالها إلى أخواتنا الموثوق بهن في بلدان أخرى، ثم تصل تلك الأموال إلى تركيا قبل أن تذهب إلى سوريا لتصل إلى الشخص الذي يرسله إلينا مكتبنا».

النقد السريع “كويك كاش” 

تستخدم النساء الجهاديات، بما في ذلك المواطنات البريطانيات اللاتي زعمن أنهن هربن من المخيمات بأنفسهن، حساباتهن الشخصية على فيسبوك أو تليغرام لإجراء اتصالاتهن الأولية. ثم يدرجن حساباتهن على (باي بال) و(ويستر يونيون)، وكذلك تطبيقات تحويل الأموال الأقل شهرة مثل (تيكي مي)، الذي يسمح لك بإرسال الأموال عبر (واتس آب) و(كويكي)، وهو تطبيق روسي.

كما أصبحت العملات المشفرة مثل (بيتكوين) و(مونيرو) مستخدمة على نطاق واسع بعد أن بدأ جامعو التبرعات بالشكوى من استمرار إغلاق حساباتهم على (باي بال)، بالإضافة إلى أن استخدامها أسهل أيضاً، حيث يمكن إرسال قسائم العملة المشفرة عبر تطبيقات المراسلة الآمنة وبيعها نقداً في المزادات عبر الإنترنت.

وتراوغ شبكات جمع التبرعات حتى لا تكون موضع شك من خلال جعل المانحين يقسّمون المبالغ المدفوعة إلى دفعات أصغر أو من خلال تصنيف المبالغ الكبيرة التي يتم تحويلها على أنها «مدفوعات الأجار».

وبحسب جامعي التبرعات، تتم بعد ذلك عملية غسيل الأموال، حيث تُدفع تلك المبالغ إلى شبكة مقرها في المنطقة التي يتواجد فيها المتبرع، من ضمن ذلك المملكة المتحدة وأوروبا وأحيانا جنوب شرق آسيا وحتى في أماكن أخرى مثل روسيا، وذلك قبل نقلها بشكل مباشر إلى سوريا أو في بعض الأحيان تصل إلى سوريا عبر تركيا.

وتوضح “فيرا ميرونوفا” زميلة زائرة في #جامعة_هارفارد وخبيرة في شؤون المخيمات في سوريا، أن التحرك نحو جمع التبرعات عبر الإنترنت، جاء مؤخراً بعد أن أدركت النساء الجهاديات بأن جمع المال «ليس بالأمر الصعب جداً».

“لا تحتاج تلك النسوة إلى أبناء يعيشون في أوربا أو سوريا لجمع المال من أجلهن، لقد أدركن أنهن يستطعن القيام بذلك بشكل مباشر، الآن تحاول النسوة تمويل محاولات هروبهن بأنفسهن دون حملة معقدة من وسيط ذكر»، تقول “ميرونوفا”.

من جانبه، اعترض مركز معلومات شمال وشرق سوريا، الذي يراقب محاولات الهروب في مخيم الهول، بعض الرسائل التي أكدت بدورها تلك الرسائل التي وجدتها الإندبيندنت.

وأخبر “روبن فلمينغ” باحث في مركز معلومات شمال وشرق سوريا، (الإندبيندنت) أنه من المستحيل معرفة عدد الذين نجحوا في الفرار، ولكن تلك المحاولات في تزايد.

في الوقت ذاته، تُغذّي مجموعات الفيسبوك والقنوات التي تدعو لجمع التبرعات بشكلٍ متزايد بقصص معاناة النسوة مكتوبة باللغة الإنكليزية والألمانية والروسية، وكلها موجّهة إلى حدّ كبير إلى الرجال المتعاطفين معهن.

وتصور كل النداءات الموجهة لجمع التبرعات بشكلٍ تقريبي المعاناة والجوع والانتهاك الذي تدّعي تلك النسوة بأنهن يتعرضن له من قبل “الكفار” أو “المرتدين” أو “الأكراد الملحدين”.

«أرجوكم ساعدوها.. حتى لو بـ  10 دولارات»، كتب أحد جامعي التبرعات المعروفين، والذي لديه اتصالات وثيقة مع المتبرعين وهو مقيم في تركيا، بينما شارك صورة امرأة متواجدة في مخيم الهول تحمل رسالة مكتوبة بخط اليد تطلب فيها جمع سبعة آلاف دولار لإخراجها من المخيم.

«ضربها الأكراد أمام أطفالها، هذه العائلة تستحق الأولوية وهم بحاجة للمساعدة»، يضيف جامع التبرعات، الذي يدّعي أنه هرب من مخيم الهول بدوره.

«فكّروا بزوجاتكم وأخواتكم وأمهاتكم، ماذا كنتم ستفعلون لو كانت زوجاتكم في ذلك المخيم؟»، تقول إحدى الرسائل المكتوبة عن امرأة تحاول الهروب من مخيم الهول.

«يا رجال الأمة»، يخاطبهم أحدهم في إشارة إلى المجتمع الإسلامي الكبير. «ماذا حدث لكم؟ أين رجولتكم؟ أين شرفكم؟»، جاء في رسالة أخرى كتبت من قبل امرأة في مخيم روج، وهو مخيم شقيق لمخيم الهول إلا أنه يخضع لحراسة أكثر تشديداً.

«ظروفٌ غير إنسانية» 

تقول السلطات الكردية التي تدير المخيمات المذكورة، إنها تفتقر إلى الموارد اللازمة لمراقبة وحماية هذا الكم الهائل من الأشخاص، وقد حثّت الدول مراراً وتكراراً على المساعدة من خلال استعادة مواطنيها.

وبحسب مركز معلومات شمال وشرق سوريا، الذي يحتفظ بإحصائيات الأحداث في المنطقة، فقد قُتِل خلال الشهر الماضي في مخيم الهول، ثلاثة مواطنين عراقيين على الأقل من خلال هجمات بالأسلحة النارية، حيث اعترف مسؤولون إنسانيون أن هناك أجزاء عديدة من مخيم الهول لا يمكن الوصول إليها لأنها «خطيرة جداً».

ومع انتشار جائحة #كورونا وإغلاق الحدود الذي قطع شريان الحياة الأساسي للمساعدات الإنسانية إلى شمال شرقي سوريا، وصفت #الأمم_المتحدة الأوضاع بأنها «مروعة وغير إنسانية».

وبالإضافة إلى تشديد القبضة الأمنية، أدى هذا إلى الاندفاع في محاولات الهروب، بحسب “أم أحمد” وهو اسم مستعار لإحدى النسوة الأوروبيات والتي تمكنت من تهريب نفسها بنجاح خارج مخيم الهول منذ أشهر عدّة.

وحالها حال العديد من الذين فرّوا، تعيش “أم أحمد” الآن مع أسرتها في إدلب، آخر جيوب المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا، بينما تمكّنت أخريات من الانتقال إلى تركيا مثل “توبا جوندال” طالبة سابقة في جامعة (غولد سميث) والتي اتُّهِمت بالتجنيد لصالح تنظيم داعش.

الهروب 

تقول “أم أحمد” أن هروبها إلى إدلب، استغرق ثلاثة أسابيع وتضمّن آلاف الدولارات على هيئة رشاوى، وكان أول انتقال لها إلى سوريا من أوروبا في منتصف العشرينات من عمرها وتزوجت من رجل ينتمي إلى تنظيم داعش واستقرت في الرقة.

وعندما انهارت دولة “الخلافة”، انتهى بها المطاف في مخيم الهول، حيث قالت إنها «التقت لفترة وجيزة باثنتين من النسوة البريطانيات المنتسبات إلى تنظيم داعش، “زهرة” و”سلمى هالان” واللاتي أطلق عليهما اسم “توأم مانشستر الإرهابي”. وقد تم نقلهما منذ ذلك الحين إلى مخيم روج».

وبالرغم من هروبها من المخيم المذكور، إلا أنها لا تريد العودة إلى أوروبا، حيث تدرك بأنها سوف تواجه السجن والانفصال عن أطفالها، إنها تُضمر عدم ثقة شديدة وحتى كراهية نحو الغرب. وتقول بأن كثيرين مثلها قرروا الفرار بعد أن أعلن المسؤولون الأكراد عزمهم إطلاق سراح ما يقدر بنحو 20 ألف مواطن سوري من مخيم الهول والذين لم يواجهوا تهم بارتكاب جرائم عنف، الأمر الذي من شأنه تقليل عدد سكان المخيم وبالتالي سيكون من الصعب تجاوز الحراس والفرار من المخيم.

وفي محاولةٍ لتشديد الأمن، يخطط الأكراد لنقل عدة آلاف من الأجانب الأكثر تطرّفاً إلى قسم جديد من مخيم روج، حيث تكاد محاولات الهروب تكون شبه مستحيلة ولا يُسمح باستخدام الهواتف المحمولة. «هذا يعني أن الجميع يريدون الخروج من مخيم الهول. قبل فوات الأوان»، تضيف “أم أحمد”.

لكن الطريق الذي سلكته “أم أحمد” للخروج من الهول تم اكتشافه منذ ذلك الحين، مما يجعل المحاولات الآن أكثر صعوبة، كما تدّعي.

فقد خُطّط لهروبها، كما تقول، من قبل مجموعة من الرجال تشير إليهم بـ “الإخوة” و”أميرهم”، الذين اضطروا إلى الهروب لجماعات مثل #هيئة_تحرير_الشام، المنشقة عن القاعدة والمنافسة لتنظيم داعش.

لقد جمعوا التبرعات من أجلها، لكنها الآن تقود جهودها الخاصة لجمع الأموال عبر (باي بال) لإطعام أطفالها وكسوتهم، حيث يعيشون في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، موطن العديد من الجماعات الجهادية والفصائل المتمردة الموالية لتركيا.

تقول “أم أحمد” إن رحلتها بدأت بدفع رشاوي لحارس المخيم، حتى تتمكن هي وأطفالها من الخروج من “الملحق” الأجنبي عبر مركز الهول الطبي، وبمجرد وصولهم إلى القسم المخصص للعائلات السورية، والذي لا يخضع لرقابة مشددة، صعدوا داخل شاحنة لنقل المياه نقلتهم في النهاية إلى خارج المخيم. «كنت محظوظة لأنني تمكنت من الخروج في الوقت المناسب»، تتابع “أم أحمد”.

ولا يزال العديد من الأجانب، مثل “ساره” داخل مخيم الهول وهم متحمّسون للخروج قبل نقلهم إلى مخيم روج. وبالرغم من حظر الهواتف المحمولة وتشديد الإجراءات الأمنية، فإن هناك امرأة في مخيم روج حالياً، سنطلق عليها اسم “خديجة” تدير شبكة لجمع التبرعات للنساء الجهاديات للهروب من كلا المخيمين من خلال العملة المشفرة.

وتُقرّ “خديجة” بأن «الهروب من جميع المخيمات كان صعباً للغاية في الأشهر القليلة الماضية»، مضيفةً أنهم واجهوا مشكلة في رشوة الحراس، «لكننا ما زلنا نجمع المال»، تقول بإصرار.

ففي مخيم (روج) يتمتعون بإمكانية أفضل للحصول على الماء والكهرباء في خيامهم، لكن ارتداء أغطية الوجه الإسلامية محظور والأمن مشدد بشكل لا يصدق، وتضيف “خديجة” موضحةً: «مخيم روج مثل السجن، بينما مخيم الهول هو في الأساس قرية كبيرة، ويسهل الهروب منه».

قبل فوات الأوان 

خشيةً من محاولات فرار أخرى، تواصل القوات الكردية، والتي تدير المخيمات، استجداء الغرب لإعادة مواطنيها، لكن القليل من الدول الأوروبية استجابت.

في الواقع، تم استعادة عدد قليل فقط من الغربيين من قبل حكوماتهم، ومعظمهم من الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم. ويقول “ميرفان قامشلو” قائد في قوات الدفاع السورية التي يقودها الأكراد، إن «الدعم الدولي شبه معدوم».

مضيفاً أن الوضع «غير مستدام» كما أنه لم يستجب أحد لنداءات المساعدة في إقامة محكمة دولية في شمال شرقي سوريا لمحاكمة من لهم صلات بتنظيم داعش على الأقل.

من جانبها، دعت “حنا نيومان” العضو الألماني في البرلمان الأوروبي الدول الأوروبية إلى «التفكير في دعم هذه المحاكمات التي تخضع للمراقبة الدولية لمواطنيها في شمال شرقي سوريا والتي من المقرر أن تبدأ العام المقبل». فهي تخشى أنه كلما طالت مدة بقائهم في المخيمات، سيزداد تشددهم حتى يوم فرارهم.

وتتابع “نيومان” في محاولة لحث الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على العمل معاً لبناء نهج مشترك قبل فوات الأوان: «هل نريد احتجاز الأشخاص لانتمائهم إلى تنظيم داعش وإخضاعهم لمحاكمات عادلة وبرامج إزالة التطرف، حتى يمكن تعقبهم وإعادة دمجهم في المجتمع في نهاية المطاف، أم أننا نتركهم رهن الاعتقال حتى يتم إطلاق سراحهم في النهاية أو ربما يفرون؟ ثم ليس لدينا أي فكرة عما سيفعلونه، بينما يظلون على الأقل خطرين كما هو الحال الآن، وربما أكثر تطرفاً».

وتقول النساء المنتسبات إلى تنظيم داعش اللائي قابلتهن صحيفة (الإندبندنت) إن مشاعرهن ضد بلدانهن الأصلية «ازدادت صلابة في السنوات القليلة الماضية».

لقد أظهرن وجهات نظر منحرفة حول ما يتعرض له المسلمون في الغرب، ووسموا دولاً مثل فرنسا على أنها تقوم بقمع وحبس رجال الدين المحافظين، وأعربن عن مخاوفهن من أن أطفالهم قد “يتلوثون” أو يتعرضون لغسيل المخ من قبل التأثيرات الغربية أو الكفار.

وفي الوقت ذاته، وبالعودة إلى قنوات  تليغرام، يزداد نشاط جامعي التبرعات أكثر من أي وقت مضى، حيث يرسلون مجموعة من صور مخيم الهول تحت المطر، ومذكرات السجناء المحررين، وأبيات من الشعر الرديء.

وبعد إرسال صورة لامرأة ترتدي القفاز الأسود تحمل لافتة كتب عليها “الحرية”، نشر أحد القراء: «لا يوجد مبلغ أقل من اللازم، ولا يوجد مبلغ مرتفع للغاية، حتى دولار واحد فقط ينفع».

المصدر: (The Independent)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.