موت مجّاني في الجنوب السوري: كيف وصلت الأسلحة إلى كل بيت في السويداء؟

موت مجّاني في الجنوب السوري: كيف وصلت الأسلحة إلى كل بيت في السويداء؟

على الرغم من أن محافظة #السويداء لم تكن، طيلة سنوات الصراع، ساحة للاقتتال العسكري، باستثناء بعض الحوادث المعدودة على أطرافها، إلا أن ظاهرة فوضى السلاح تصدّرت المشهد اليومي لأبناء المحافظة، وبات كل بيت يمتلك قطعة سلاح أو أكثر، وكثيرٌ من هذه الأسلحة تم استعماله في الأعراس والمآتم والصراعات العائلية، فضلاً عن حالات الانتحار.

بداية انتشار السلاح
«بدأت قصة توزيع السلاح على الأهالي عندما تحدثت أجهزة الأمن، التابعة للحكومة السورية، عن وجود خلايا إرهابية نائمة، تحاول تخريب السويداء من الداخل، وخاصة بعد قدوم موجات النازحين إلى المحافظة، وانتشار الشائعات عن وجود عناصر متطرفة بينهم، فراح فرع #حزب_البعث في السويداء يوزع السلاح على أعضائه في كل قرية، ويختار أصحاب السوابق والمعروفين بمشاكلهم لاستلام السلاح»، بحسب “كريم السالم”، اسم مستعار لناشط مدني من أبناء المحافظة.
ويتابع “السالم” في حديثه لموقع «الحل نت»: «في الواقع كان الموضوع كله موجهاً ضد المعارضين للحكومة السورية، أو الذين خرجوا في مظاهرات لنصرة المدنيين في المحافظات الأخرى، وتدريجياً أدى توزيع السلاح، وتوافره بين المدنيين، إلى ظهور موجة من التسلّح بين الأهالي، خاصة الميسورين مادياً، وهو ما خلق بالضرورة تجارة السلاح بكل أصنافه».
مختار إحدى القرى الحدودية في السويداء، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قال لموقع «الحل نت» إن «التجييش وصل إلى ذروته مع بداية #الاحتجاجات_السورية، ثم تلاحقت الأحداث، فتشكلت حركة #رجال_الكرامة عام 2012،  التي وزعت السلاح على الشبان الذين التحقوا بها، كما أن ظهور عصابات الخطف والسلب، وتجنيدها لصالح أطراف معينة داخل الدولة، دفع عديداً من الأهالي لاقتناء السلاح، من أجل الدفاع عن أنفسهم، دون أن يحرك أحد ساكناً لوضع حد للانفلات الأمني».
ويردف بالقول: «فوضى الميلشيات والعصابات، والخوف من التنظيمات الإرهابية، جعل أهالي القرى في السويداء يطالبون بالسلاح، فنظموا حملات عديدة لهذا الغرض، وجمعوا التبرعات، وبدأت الأموال تأتي من مغتربي السويداء في الخارج، فانتشرت أنواع عديدة من الأسلحة، أهمها “الدوشكا” والقنابل اليدوية والمناظير الليلية، وتحوّل العاطلون عن العمل إلى تجار صغار للسلاح الخفيف والرصاص، الذي ارتفع سعره بشكل كبير».
“نظام سمعان”، من أهالي مدينة #شهبا، أكد أن «السويداء باتت مسرحاً لعرض وبيع الأسلحة بشكل علني، فافتتح أعضاء متمرسون في عصابات الخطف والسلب محلات تجارية، لبيع كافة صنوف الأسلحة وملحقاتها، أمام أعين الأجهزة الشرطية، كما في مدينة شهبا شمالي السويداء».
وأضاف “سمعان”، في إفادته لموقع «الحل نت»، أن «بإمكان أي مواطن الحصول على السلاح، بكل سهولة ويسر، طالما أنه يمتلك المال. فقد افتتح المدعو “و. خ” محلات لبيع الأسلحة بكافة أنواعها، ولا ينقصه سوى بيع الصواريخ والدبابات كي تكتمل مجموعته. ويأتيه الزبائن من كافة مناطق المحافظة، علماً أنه مطلوب للقضاء بعدد من القضايا الجنائية، ومنها جريمة قتل عمد».

 

موقف المجتمع المدني

المحامي “عادل الهادي” يؤكد أن «انتشار السلاح دفع بمنظمات المجتمع المدني، وبعض المهتمين بالشأن العام في السويداء، للتحذير من خطورة هذه الظاهرة، والعمل على الحد منها، فأصدرت “هيئة محامي السويداء من أجل الحرية”، بتاريخ الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012، بياناً ورد فيه أن توزيع السلاح، بهذه الطرق غير القانونية وغير المشروعة، هو جرم موصوف يعاقب عليه القانون بأشد العقوبات، لمن حمله ووزعه، ومن حرّض وشجّع على استلامه، والهدف منه ليس الحفاظ على السلم الأهلي، بل تهديده، وليس تحقيق الأمن والأمان، إنما الاخلال بهما، وليس الدفاع عن النفس، بل الاعتداء على الآخرين».

وأضاف “الهادي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «المعارك، التي جرت على حدود المحافظة، مع تنظيمات متطرفة مثل #النصرة وداعش، كانت أحد أسباب ازدهار سوق الأسلحة، على الرغم من محدودية هذه المعارك، ووجود أسلحة كافية لصد أي هجمات خارجية».
وأشار المحامي والناشط السياسي إلى أن «التجييش المتعمد كان كبيراً، لكي ينفق الأهالي مدخراتهم لشراء البنادق، التي استُخدم غالبيتها في إطلاق النار العشوائي في الأعراس ومآتم الضحايا». مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن «سلاح الأهالي، الذي اتحد مع الفصائل، التي تأسست تحت مسميات عدة، كان السبب الرئيسي في صد هجوم تنظيم #داعش على المحافظة، يوم الخامس والعشرين من  تموز/يوليو 2018، والذي راح ضحيته ما يزيد عن ستمئة شخص، بين قتيل وجريح، من أبناء السويداء»، حسب تعبيره.

يُذكر أن ميلشيا #الدفاع_الوطني هي من أهم الجهات التي توزع السلاح على أهالي السوبداء، إضافة لفصيلي “حماة الديار” و”كتائب البعث”. وكان العام 2020 حافلاً بالأحداث، وخاصة على الحدود الغربية للمحافظة، بين بلدة #القريا ومدينة بصرى الشام في #درعا، إثر نزاع على أراض زراعية، ونشبت معركتان بكافة أنواع الأسلحة، راح ضحيتهما كثير من المدنيين.

 

أرقام صادمة

قد يكون مقتل ست عشرة سيدة عام  2020، في محافظة يبلغ عدد سكانها، بحده الأقصى، نصف مليون نسمة، كافياً لمعرفة حجم الفلتان الأمني وفوضى السلاح، الذي انتشر دون رادع، وتذهب “ندى عثمان”، الناشطة في إحدى المنظمات النسوية بالسويداء، إلى أن «النساء قتلن نتيجة الفوضى، وانعدام القانون والمحاسبة، وانتشار السلاح، فإضافة لحالات القتل بحجة الشرف، انتحرت بعض النساء بالأسلحة، التي بات متوفرة بسهولة لهن، وكثير من حالات الانتحار بين النساء تكون نتيجة الضغط المجتمعي»
وتضيف “عثمان” في حديثها لموقع «الحل نت»: «كان السلاح سبباً أيضاً في انتحار عدد كبير من الشبان، طوال السنوات التسع الماضية، ففي عام 2019 سُجل انتحار عشرة شبان، وقُتل في السنة نفسها، لأسباب متعددة، مئة وستة عشر شخصاً، ما يجعل السلاح المنفلت السبب الأساسي للموت المجاني في المحافظة».

وتختتم الناشطة المدنية حديثها بالقول: «عدد من العائلات فقدت وحيدها لقيامه باللعب بالسلاح، وتجريبه داخل المنزل، لكن كل هذه الخسائر في الأرواح لم تهزّ أي جهة حكومية أو مجتمعية للبحث عن حل، وتستمر المليشيات والأجهزة الأمنية والتُجّار بتوزيع السلاح على الناس».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.