لم تكن أهوال #الحرب وتبعاتها التي عصفت بسوريا على مدار تسع سنوات وحدها ما أصاب السوريين، بل كان لفيروس #كورونا المستجد أثر كبير في زيادة معاناتهم خلال العام الحالي، وسط تأكيدات #الأمم_المتحدة بأن تفشي الفيروس في سوريا “أكبر بكثير من الحالات المؤكدة”.

وكنتيجة طبيعة لتعدد أطراف النزاع في سوريا، فقد تعامل كل طرف في مناطق سيطرته على حده، فما هي القرارات والتدابير التي تم اتخاذها لاحتواء فيروس كورونا؟ وإلى أي مدى أثرت هذه القرارات على الاقتصاد في مختلف المناطق السورية؟

الحكومة السورية.. كورونا باب رزق جديد!

مع بداية انتشار فيروس كورونا حول العالم، أنكرت الحكومة السورية وجود إصابات لمدة تزيد على الشهرين، حتى أن وزير الصحة “نزار يازجي” قال في تصريح غريب من نوعه إنه: «لا يوجد كورونا في سوريا، فالجيش العربي السوري طهّر سوريا من الجراثيم»، بحسب تعبيره.

هذا الإنكار لم يدم طويلاً، حيث بدأ الإعلان عن وجود بضعة حالات إصابة بفيروس كورونا في منتصف شهر آذار، وعلى إثرها قامت السلطات السورية باتخاذ إجراءات وصفتها بـ “الاحترازية”، حيث تم عزل المدن عن القرى، وفرض حظر للتجول ليلاً، فضلاً عن إغلاق المطاعم ودور العبادة وصالات الأفراح وغيرها، دون الاعتراف بأرقام الإصابة الحقيقية.

ومع ازدياد الأزمات الاقتصادية داخل مناطق سيطرة السلطات السورية، التي تمثلت في فقدان المواد الأساسية بالأسواق، وأزمة الوقود والخبز، أعاد (الفريق الحكومي المعني بالتصدي لفيروس كورونا) في شهر أيار إلغاء جميع القيود المفروضة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها مع الالتزام بشروط الوقاية والتباعد الاجتماعي.

وفيما يخص المساعدات، وتعويض المتضررين جراء فرض الحظر والإغلاق، أصدرت وزارة “الشؤون الاجتماعية” في 12 أيار قرار بصرف منحة سمتها (بدل تعطل)، تصرف مرة واحدة للمستحقين بمبلغ 100 ألف ليرة.

إلا أن هذه الخطوة اصطدمت بعوائق عدم توفر البيانات حول المتضررين والمستحقين لها، إضافة إلى عدم توفر الميزانية الكافية، حيث أعلنت الحكومة السورية بعد أيام أنه «سيتم إنشاء حساب مصرفي لاستقدام الإسهامات المالية وتخصيصها للعمال المتضررين، وتمويلها سيكون من قبل القطاع الخاص والتبرعات الفردية والمغتربين»، حسب ما أفادت به وكالة “سانا” الرسمية.

وفي تموز، اتخذت الحكومة السورية مجموعة من القرارات التي وصفها سورين بأنها”استغلالية” فيما يخص أزمة كورونا، حيث فرضت وزارة الصحة إجراء اختبار كورونا (PCR) للراغبين بالسفر من سوريا عبر مطار بيروت بكلفة 100 #دولار للاختبار الواحد، حيث خصصت 4 مراكز في مدينة دمشق لإجراء الاختبار.

وشهدت تلك المراكز حالات ازدحام شديدة، وسط انتشار ظاهرة السمسرة للحصول على مسحة لاختبار #كورونا، أكدها مدير الجاهزية في وزارة الصحة “توفيق حسابا” في تصريح لصحيفة (تشرين) بأن «مجموعة من الأشخاص، بينهم عاملون صحيون، يستغلون المواطنين للحصول على مبالغ مالية، لقاء إجراء اختبار كورونا».

ومع بداية شهر آب، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قراراً، يفرض على المواطنين السوريين ومن في حكمهم تصريف 100 دولار أمريكي، أو ما يعادلها بإحدى العملات الأجنبية، عند دخولهم إلى سوريا، على أن يكون التصريف وفق نشرة أسعار “مصرف سوريا المركزي” أي نحو نصف السعر المتداول وبالتالي يخسر كل عائد نحو 50 دولاراً.

وفي منتصف آب، فتحت 11 سفارة سورية في دول عربية وأجنبية باب التسجيل أمام الراغبين بالعودة إلى سوريا بعد أشهر من المنع، بعد أن سمح (الفريق الحكومي المختص بمواجهة فيروس كورونا) بإعداد برنامج رحلات “السورية للطيران”.

ونص القرار على أن العائدين يسمح لهم بالمغادرة إلى المنازل، بعد إجراء فحص الاختبار الخاص بفيروس كورونا، والإقامة في فندق “إيبلا الشام”، مقابل تسديد مبلغ 200 دولار إضافية على تذكرة الطائرة.

ومع بدء الموجة الثانية من فيروس كورونا منذ دخول فصل الشتاء الحالي، لم يصدر الفريق الحكومي أي قرارات جديدة بخصوص تقييد بعض الأنشطة والفعاليات، بل بدأت وزارة السياحة السورية الشهر الماضي بمنح موافقات خاصة لإقامة الحفلات والمناسبات الخاصة، حيث أشارت إلى أن منشآت الإطعام السياحي مستمرة بعملها خلال هذه الفترة، ولم يصدر أي قرار خلاف ذلك.

الإدارة الذاتية.. خطورة التهديد الصحي تتعدى المسألة الاقتصادية

مناطق #الإدارة_الذاتية لشمال وشرق سوريا، لم تكن بعيدة عن آثار فيروس كورونا منذ بداية انتشاره، حيث أعلنت في منتصف آذار الماضي عن حظر تجول وتقييد الحركة بين المدن الكبرى، مع إغلاق الأسواق والمطاعم، والعمل على تقديم مساعدات مالية لمن تضررت أعمالهم.

ومن الإجراءات التي تتخذها الإدارة أيضاً، إغلاق المعابر التي تربطها بمناطق السلطات السورية، والمعارضة، لكنها تعيد فتحها بين الحين والآخر.

ومع بدء الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا، أعلنت الإدارة الذاتية الشهر الماضي حظراً كاملاً في كل من مدن الحسكة والقامشلي والطبقة، لمدة عشرة أيام، مع إغلاق المدارس والجامعات، وإيقاف حركة حافلات نقل الركاب، مع الإبقاء على استمرار التبادل التجاري.

وفي السادس من الشهر الجاري فرضت الإدارة الذاتية حظر تجول جزئي في مناطق شمال وشرق سورية، يستمر لمدة 15 يوماً، على خلفية ارتفاع معدل الإصابات بفيروس كورونا، وينتهي في الـ 20 من الشهر الجاري.

وكان قرار فرض الإغلاق الكامل شهد انتقادات من جانب نشطاء مدنيين وصحفيين في شمال شرق سوريا، نتيجة ما اعتبروه «فشل في التجارب السابقة في فرض الحظر الكامل، وما يخلفه من أضرار كبيرة اقتصادية بحق الأهالي من ذوي الدخل المحدود».

وكانت المتحدثة باسم مديرية الصحة في مدينة الحسكة “سهام ملا علي”، صرحت لموقع (الحل نت) الأسبوع الفائت، أن «قرار الحظر لا يمكن أن يوقف انتشار الفيروس، ولكن يمكن التعويل عليه نسبياً في تخفيف أعداد الإصابات بمعدل الربع أو النصف على أكثر تقدير».

بدوره، أكد الرئيس المشارك لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية “جوان مصطفى” في تصريح سابق لموقع (الحل نت) أن «إجراءات الإغلاق العام المفروضة لمنع انتشار فيروس كورونا قد تشكل أضرار بالغة على الاقتصاد، لكنها لن تكون أكثر خطورة من الانفجار الوبائي في حال حدوثه».

واعتبر أن «المعاناة الاقتصادية أمرٌ تعيشه معظم دول العالم التي تفشى فيها الفيروس، وأن خطورة التهديد الصحي لها الأولية في هذه المرحلة، وتتعدى المسألة الاقتصادية التي من الممكن تعويضها في المستقبل»، حسب تعبيره.

حكومة “الإنقاذ” ..حركة المعابر أهم من انتشار الفيروس

سُجلت أولى حالات إصابة بفيروس كورونا في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، في 9 من تموز الماضي، ورغم تأخر وصول الفيروس إلى مناطق الشمال، إلا أن وزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ”، التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” في إدلب، بدأت باتخاذ تدابير وقائية في وقت مبكر وأكثر شمولاً من الحكومة السورية، وذلك بإغلاق الأسواق، وإقامة خيام للحجر الصحي لحاملي #الفيروس المشتبه بهم، وإنشاء لجنة الاستجابة لحالات الطوارئ.

كما أصدرت الإدارة العامة للمعابر التابعة لحكومة الإنقاذ قراراً بإغلاق المعابر بين منطقتي إدلب وريف حلب بشكل كامل في أواخر شهر آذار الماضي، لكنها أعادت افتتاحها بشكل كامل في شهر نيسان.

وفي 17 من تموز أصدرت حكومة الإنقاذ التي تشرف على معبري “الغزاوية ودير بلوط”، اللذين يصلا مناطق محافظتي إدلب وحلب قراراً بإغلاق المعبرين، ضمن الإجراءات الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، لكن هذا القرار لم يدم سوى 10 أيام، حيث أعادت الحكومة فتح المعبرين أمام حركة المواطنين في 26 من تموز.

وحذَّر حينها وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، “مرام الشيخ”، من وقوع خسائر بشرية واقتصادية بسبب تفشي فيروس كورونا في مناطق الشمال السوري تفوق خسائر إغلاق المعابر، بعد إعادة حكومة الإنقاذ فتح معابر واصلة بين إدلب وريف حلب.

بدوره، قال وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة “عبد الحكيم المصري” في تصريح لموقع (أورينت نت) أنه بسبب إغلاق المعابر التجارية تراجعت الحركة التجارية بين مناطق سيطرة السلطات السورية ومناطق الشمال السوري، وكذلك الحركة التجارية بين شرق سوريا وشمالها، وكل ذلك أدى لارتفاع أغلب الأسعار بين 10 و 70%، ولكن حتى اللحظة ما زالت المواد متوفرة بالسوق دون انقطاعها وفقدانها نهائياً.

وعن الآثار السلبية لإجراءات الوقاية من فيروس كورونا في الشمال السوري، أكد تقرير صادر عن فريق “منسقو استجابة سوريا”، أن ما يزيد عن 45% من الذكور في الشمال السوري و 85% من الإناث يُعانون من البطالة، وذلك بعد الإجراءات الاحترازية للمنظمات والشركات والمؤسسات التي خفّضت عدد كوادرها بسبب جائحة كورونا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.