يفرد المفكر وعالم النفس اللبناني “مصطفى حجازي” في كتابه “سيكولوجيا الإنسان المقهور”، الفصل التاسع من الكتاب للحديث، عن وضع المرأة في المجتمع المتخلف، مبحراً من وجهة نظر نفسية في تفاصيل القهر الذي تعانيه المرأة في المجتمعات المقهورة، موضحاً أن «المرأة أكبر معبر عن العجز والقصور، وعقد النقص والعار»، والمشكلة كما يشير “حجازي” هي أن المرأة في هذه المجتعات غالباً ما تتماهى مع المتسلط وتسعى إلى الحفاظ على العادات والتقاليد التي تكبلها.

الرجل المقهور يفرغ نقصه بالمرأة

يخلق “حجازي” معادلة لقياس حجم القهر الواقع على المرأة في أي مجتمع، مشيراً إلى أنه كلما كان الرجل أكثر غبناً في مكانته الاجتماعية كلما مارس قهر أكبر على المرأة، لأن الرجل المقهور يسعى كما يشير “حجازي” إلى تفريغ قهره وإلى استعادة رجولته التي لطخها خضوعه للحاكم وتملقه للمسؤولين، وإلى جبر جرحه النرجسي من خلال إفراغ ما يعانيه في الأضعف منه أي المرأة.

ويميز “حجازي” عدة حالات للمرأة في المجتمع المتخلف، المرأة  في المجتمع العشائري، المرأة في الفئة الكادحة، المرأة في الفئة المتوسطة والمثقفة، والمرأة في الفئة ذات الإمتيازات.

في الوسط العشائري “المرأة جسد ورحم خصب “

يُرجح عالم النفس أن «كيان المرأة في المجتمعات العشائرية يُختصر بالجسد، فهي مجرد أداة للمصاهرة ووسلية للإنجاب، مجرد رحم قيمته في درجة خصوبته، وتحديداً في قدرته على إنجاب الصبيان، تنتهي صلاحية المرأة مع انتهاء صلاحية رحمها فينفض الرجل إلى غيرها».

وبحسب “حجازي” يُسقط الإنسان العشائري كل عاره على المرأة ويحتفظ هو بمظهره القوي و «فظاظته الخارجية التي تتناسب مع ركاكته الداخلية».

عند الطبقة الكادحة “ضعف المرأة دليل على قوة الرجل”

وينتقل “حجازي” إلى وضع المرأة في الوسط الكادح، الذي تتوزع فيه الأدوار بين الرجل والمرأة ويكون دور كل منهما متمماً للآخر، ولكن دور الرجل ومكانته تكون مضخّمة ومعزّزة وتُسقط على المرأة أسباب القصور والعجز، فـ «الرجل باعتباره يجني الرزق ويجابه العالم الخارجي، فهو بحاجة إلى أن يُشحن بالقوة حتى يستطيع التغلب على التحديات، ولابد له من إنكار العجز والضعف والذل والخوف الذي يعانيه حتى تتمكن الأسرة من الإطمئنان إلى وجود سند قوي»، ولأن الأشياء تصبح أكثر وضوحاً عند وضعها قرب نقيضها، يتم إسقاط عجز وخوف وذل وضعف الرجل على المرأة، و«بمقدار تهديد مكانة الرجل في الخارج يتم تعزيز مكانته داخل المنزل» حتى يسترد توازنه ولو كان ذلك على حساب زوجته.

عند الطبقة الوسطى “المرأة تعمل داخل وخارج المنزل”

أما الفئة الوسطى، فهي كما يشير “حجازي”، تتميز في كل المجتمعات بالمرونة والتطور والسير نحو التغير، ورغم الفروق الكبيرة بين الأسر في الطبقة الوسطى من ناحية التحرر والمحافظة، إلا أنها غالباً ما تسمح للمرأة في التعلم والخروج من المنزل، فالمرأة في الطبقة الوسطى كيان منتج.

غير أن التعلم والإنتاج -كما ييّبن “حجازي”- لا يجعلان المرأة في مكانة مساوية للرجل، لا بل تتحول المرأة إلى أداة للإنتاج والإنجاب والعمل خارج وداخل المنزل مما يستنزف طاقاتها، «فتحرر المرأة الاقتصادي لم يحررها من أعباء العادات والتقاليد».

عند الطبقة الغنية “المرأة أداة لاستعراض الجاه والثروة”

ويشير المفكر “حجازي” إلى أن المرأة في الفئة ذات الامتيازات لا تعاني من القهر الاقتصادي، لكن ذلك لا يعني إفلاتها من السلب، فهي رغم ما تتمع به من رفاهية، إلا أنه يُطمس عقلها وتُستلب شخصيتها، وتتحول إلى أداة للحفاظ على المظاهر والعادات والتقاليد، وهي تذوب كلياً في كيان أسرتها ، وهي أيضاً أداة لزيادة سطوة وغنى الأسرة من خلال المصاهرة، فالزواج في هذه الفئة غالباً ما يتم وفق خطة تضمن عدم خروج ثروة الأب إلى خارج نطاق الأسرة.

ويشرح عالم النفس أن المرأة «تتعرض في هذه الفئة إلى الاستلاب العقائدي، حيث تُزين لها وضعيتها كأداة وتُربط قيمتها بمقدار قيمة المهر والجهاز والأثاث وبمدى فخامة الزفاف، وبعد الزواج تنحصر قيمتها بكونها أداة لاستعراض ثروة عائلة والدها وعائلة زوجها، وتتبارى مع بقية السيدات في سوق الدعاية للوجاهة، هكذا تحول المرأة إلى قشرة تُستعرض عليها الثروات وتُفرغ من كيانها الإنسان».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.