تُظهِر التطورات الأخيرة في شمال شرقي سوريا، كيف أن ابتسامات (قسد) المُرتبطة بقرب رحيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من سُدّة الحكم في واشنطن؛ تجلب لها بعض من التعاسة في شرق الفرات المُختلط الحسابات، والكثيف التحشيدات، والمُتنوع الدوريات العسكرية.

رَحيل ترامب الذي كانت قراراته المُفاجئة والاعتباطية أحياناً مثار قلق للقادة المحليين في مناطق إدارة وسيطرة (قسد)، وظهور بايدن بوعوده العسلية لحلفائه في المنطقة ككل، ساهم في ارتفاع مشاعر الثقة بالمستقبل لدى البعض من المُسيّرين للأمور هناك، لدرجة أشعرت الجانب المقابل لواشنطن في سوريا بضرورة التدخل.

الروس الذين يشعرون أن ميل (قسد) لصالح واشنطن في شرق الفرات، هو بمثابة تمرّد عليهم وعلى الالتزامات معهم، ويزيد قلقهم من أن يتحوّل هذا الميل إلى وسيلة لرفض التواصل والتفاوض، والاتفاق حسب الصيغ الروسية للحل مع حكومة دمشق الموالية لموسكو.

مخاوف موسكو تلك، تتحوّل إلى عصا ضد تفاؤل (قسد) في شرق الفرات مع إبراز الأولى مكامن الضعف لدى الأخيرة، بتحريض الأتراك والمليشيات السنية الموالية لها على مناطق النفوذ الروسي في شرق الفرات، والمُمتدة من تل تمر إلى منبج.

هذا التحريض، فيه شيءٌ من التداعيات الجانبية التي تمسُّ حياة الناس في تلك المناطق، وتضعف الراوبط الهشّة بين السلطات المحلية في شرق الفرات والناس في تلك المناطق متهشّمة البنية التحتية.

الروس الذين يعملون منذ اللحظة على الضغط على (قسد) من خلال تسهيل عمليات التهديد التركي لبلدة عين عيسى، يبتغُون الاستفادة من الفترة الانتقالية في واشنطن لكسب النقاط على حساب واشنطن في سوريا، ريثما تبدأ الأخيرة بالتحرك لمُراجعة ملفاتها في سوريا.

الروس نفسهم يُدرِكون أنّ ملامح التعامل البايديني مع الملف السوري لن يكون بصيغة ترامب، ولكنهم في ذات الوقت لا يدركون ما هي وجهة وخطة الرجل الجديد في قيادة البيت الأبيض والعتيق في السياسة، للمناطق التي يحتفظ فيها الروس ببعض النفوذ  في شرق الفرات.

موسكو التي تعتقد أن مناطق الوجود الأميركي و(قسد) في الخط الممتد من تل تمر إلى الحدود العراقية وجنوباً حتى ديرالزور، هي مناطق ستبقى على ذات السياق الحالي، ولكنهم يخشون من حدوث مفاجآت في المناطق التي انسحبت منها واشنطن.

المناطق التي احتلتها تركيا، من الصعب جداً توقّع أي تغيير فيها، فالعلاقة المتوترة بين الروس والحكومة الأميركية القادمة قد تكون السبب في توتر الأوضاع في القسم الغربي من شرق الفرات حيث الروس بدأوا في زيادة مُطالباتهم من (قسد) بضرورة فتح الطريق لقوات وإدارات النظام لتعزيز وجودها في عين عيسى التي تعتبرها الأخيرة عاصمتها الإدارية والسياسية في شرق الفرات.

شيء من التسريع في كسب النقاط قبل حدوث مفاجآت. هذه النقاط هدفها ترويض (قسد) نفسها التي تحسُّ أنها في الطريق لتعويمها سياسياً من قبل واشنطن. كانت روسيا تستفيد من حجب (قسد) و(مسد) عن الخارطة السياسية والتفاوضية في المحفل الدولي حول سوريا، وتحصرها في التواصل مع دمشق كخيار وحيد للحصول على الشرعية والقوننة.

هذه الحصرية التي تتحدث بعض المصادر الإعلامية، قد تنتهي، وقد تجد (مسد) فرصتها في الظهور في المحفل السياسي الذي يعمل على رسم مستقبل البلاد من بوابة الفريق الأميركي القادم الخاص بالملف السوري.

لكن، هذه الفرصة المُتوقعة لدى بعض الجهات السياسية في شرق الفرات لن تأتي خلال أيام بسيطة، حيث الملف السوري ينتظره الكثير من الوقت حتى ينظر إليه قيادة البيت الأبيض الجديدة المنهكة أصلاً بعشرات الملفات والقضايا الشائكة المحلية ذات الثقل الأهم.

لذا، فعملية الانعتاق من السربال الروسي قد تطول، مما يمهّد لضرورة الانضباط أكثر مع الواقع المحلي الذي للروس في الكثير من زواياه اليد الطولى. وفي الواقع أن عملية تقديم عين عيسى للأتراك، ليست هدف روسي بقدر ما هو بحثٌ عن طريقة لتعزيز وجود نظام دمشق في تلك المنطقة عن طريق تخويف (قسد) بالأتراك.

لكن، إن وصل الحال لدى موسكو في ضرورة الاختيار بين (قسد) غير مطيع ومتمرد ويعمل مع أميركا ويرفض فتح الطريق لدمشق وبين الأتراك، فأنه سيختار تركيا ويفضّلها على (قسد) بمقابل الحصول على مكان ثان من تركيا.

هذا النموذج هو أساس تعامل الروس في شرق الفرات مع الجميع والتي تتمحور حول كسب النقاط لصالح دمشق ولصالحها أولاً، وإضعاف الدور الأميركي ثانياً، والدفع بتحويل المنطقة إلى بؤرة احتقان وتضاربات تقودها تركيا ثالثاً في حال فشل الخيارين السابقين.

المخاطر التي تحيط بعاصمة الإدارة الذاتية، هي مخاطر جدية مُرتبطة بمدى تفاعل (قسد) مع القيادة الأميركية الجديدة وتصرفاتها تجاه الروس في مناطق التداخل العسكري والسياسي.

هذه المخاطر الروسية التي دائماً يكون عصاها الأتراك والمليشيات التابعة لها في منطقة تل أبيض ورأس العين، قد تتحوّل إلى نكسة حقيقية عندما تسود على العقلية الإدارية في شرق الفرات فكرة الغرور المُرتبط بواشنطن أكثر من العقلانية وتفهّم المخاطر الموجودة على الأرض.

هذا كله يضاف إلى قضايا قديمة تتعلّق بالتهرّب من مواجهة القضايا الإشكالية في عموم شرق الفرات، وتباعد العلاقة بين السلطات المحلية هناك عن الناس، والخلافات المحلية السياسية، وعدم تبلور شكل النظام السياسي والإداري هناك، وعدم ملاحظة حجم الخسائر في الخرائط.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.