تدمير آثار درعا: استهداف مُمنهج بدوافع أيديولوجية لدى مختلف أطراف الصراع السوري

تدمير آثار درعا: استهداف مُمنهج بدوافع أيديولوجية لدى مختلف أطراف الصراع السوري

لم يُعرف عن #درعا، تلك المحافظة السورية القابعة على الحدود السورية-الأردنية، أكثر من كونها محافظة زراعية، يعتمد معظم سكانها، في حياتهم المعيشية، على الإنتاج الزراعي، والعمل الوظيفي الحكومي، إلا أن درعا تتمتع بأهمية تاريخية وأثرية كبيرة، فقد كان لها دور كبير في العصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، وتشير الدراسات إلى أنها تشكّل، بحد ذاتها، متحفاً أثرياً مفتوحاً، فيصل عدد المواقع الأثرية فيها إلى نحو ثلاثمئة وخمسة وسبعين موقعاً، من أشهرها مدرّج #بصرى الأثري والمسجد العمري وضريح الإمام النووي، فضلاً عن عدد كبير من الُلقى الأثرية، التي لا تقدّر بثمن، والتي كانت مودعة في متاحف درعا وبصرى.

تعرّضت درعا، مثل بقية المحافظات السورية، لنهب آثارها وتخريبها، إلا أن الظاهرة الأبرز هي الاستهداف المتعمّد للمواقع الأثرية بالسلاح الثقيل، فضلاً عن تحويل مواقع أخرى إلى معسكرات للميلشيات المتحاربة. فما دوافع هذا الاعتداء الممنهج على الإرث الحضاري لدرعا؟ وما الإجراءات، التي اتخذتها الأطراف المختلفة، للحفاظ على ما تبقى من المواقع الأثرية في المحافظة؟

 

المسجد العمري: مبنى بلا مئذنة

هناك عديدٌ من المواقع الأثرية المهمة في مدينة درعا، أبرزها المنطقة الأثرية القديمة، التي تضمّ المعبد، والمسرح، والكنيسة، والجامع العمري الشهير، الذي أمر ببنائه الخليفة عمر بن الخطاب، ومعظم هذه المواقع الأثرية تعرّضت لأعمال تخريب وعبث وسرقة، سواء من طرف #القوات_النظامية، أو لصوص الآثار والمهربين.

يوضح الدكتور “واصف محاميد”، أحد أعيان المدينة، أن «المسجد له رمزية بين الأهالي، وقد قامت القوى الأمنية، التابعة للحكومة السورية، بملاحقة المتظاهرين، الذين خرجوا منه عام 2011، بالرصاص، ثم دمّرت القوات النظامية مئذنته عام 2013».

وأشار “المحاميد”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أن «المديرية العامة للآثار لم تعمل على ترميم المواقع الأثرية بالشكل المطلوب، بعد سيطرة القوات النظامية على المنطقة، في آب/أغسطس 2018، إذ جرت عمليات ترميم جزئية، شملت مواقع محدودة، فضلاً عن أن دائرة لآثار خصصت خمسة وثلاثين مليون ليرة سورية، لترميم كافة المواقع الأثرية في المحافظة، وهو مبلغ لا يكاد يكفي موقعاً واحداً».

ويتابع الوجيه المحلّي: «لم ينتظر سكان درعا البلد إجراءات #الحكومة_السورية، فقاموا بتشكيل لجنة محلية، من عشائر المدينة، وأطلقوا حملة تبرعات أهلية لترميم المسجد العمري، وأنجزت اللجنة مرحلتين، من أصل أربع مراحل مقررة لترميم المسجد بشكل كامل، إلا أن الترميم لم يشمل مئذنة المسجد حتى الآن، وما يزال الجامع العمري دون مئذنته الشهيرة، التي تتمتع بأهمية تاريخية ومعمارية كبيرة».

ويختتم “المحاميد” حديثه بالقول: «كثير من معالم المواقع الأثرية في مناطق درعا تغيّرت بشكل كبير، ومنها ما أزيل بشكل نهائي، نتيجة استخدام أدوات الحفر الثقيلة في عمليات التنقيب».

وسبق للدكتور “محمد خير نصر الله”، رئيس دائرة آثار درعا، تفسير عدم قدرة مؤسسته على ترميم وصيانة الآثار في المحافظة، بكون الآثار «لا تُدخل لخزينة الدولة مبالغ مالية كبيرة، من غرامات مصادرات وقضايا ضد المتاجرين بها، ولذلك فالدولة لا تستفيد منها شيئاً»، وطالب بضرورة «فرض رسوم، أو نسبة من عوائد المنشآت الأثرية والتاريخية، وغرامات القضايا التي تتعلق بالآثار، لصالح دوائر الآثار».

 

بصرى الشام: قلعة الفيلق الخامس

تعتبر مدينة بصرى الشام من أهم المدن الأثرية في محافظة درعا، وكانت عاصمة للولايات العربية في العصر الروماني، والعاصمة الدينية للغساسنة، وسُجلت على لائحة التراث العالمي منذ العام 1980.

يكشف “مؤيد الزعبي”، المتطوع في صفوف #الفيلق_الخامس، لموقع «الحل نت»، أن «قلعة بصرى، التي يعود تاريخها لأكثر من ألفين وخمسمئة عام، وفق تقدير منظمة #الأمم_المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، تحوّلت إلى معسكر تدريب للمنضمين حديثاً للواء الثامن، الذي يترأّسه أحمد العودة».

وأفاد “الزعبي” أن «عدد الأشخاص، الذين يخضعون للتدريب في القلعة، يُقدّر بحوالي ألف شخص، من مناطق مختلفة من محافظة درعا، تحت إشراف ضباط منشقين، منضمين للواء. أما مدرّج بصرى الأثري الشهير، الذي يعود للعصر الروماني، فبات مسرحاً لخطابات القادة، أثناء توجيه الدروس للعناصر».

يُذكر أن “إيرينا بوكوفا”، مديرة منظمة #يونسكو، قالت إن «حماية الآثار من أساسيات السلام في سوريا»، عند إدانتها للقصف، الذي تعرّضت له مواقع التراث العالمي بدرعا، في كانون الأول/ديسمبر 2015، واعتبرت أن المسرح الروماني «يمثّل التنوّع الغني لهوية الشعب السوري».

 

مقام الإمام النووي: عدو الجهاديين

أما في غرب المحافظة، فيقول أحد مخاتير مدينة #نوى، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن «مقام الإمام النووي لم يكن مزاراً ولا مكاناً للتعبد والتبرّك، بل كان موقعا أثرياً أكثر منه دينياً، فأهالي المدينة يفخرون بإمامهم، ويعتبرونه مثلاً أعلى، وظل المقام موجوداً لمئات السنين، دون أن يمسّه أحد بأذى».

وذكر المختار، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «المدينة استفاقت، في الشهر الأول من عام 2015، على صوت انفجار، تبيّن لاحقاً أنه أطاح بمقام الإمام النووي، الذي يعود للقرن الثالث عشر، الأمر الذي آثار الغضب والحزن في نفوس أهالي مدينة نوى. والجهة المسؤولة عن التفجير هي #جبهة_النصرة، التي اعتبر عناصرها أن زيارة المقام بدعة يجب محاربتها، ما دفعهم لتدمير المقام ذاته»

وتابع المختار حديثه بالقول: «فصائل المعارضة، التي كانت تسيطر على المنطقة، لم تحم الآثار فيها، فحتى مقام النبي أيوب، في بلدة “الشيخ سعد” بريف درعا الغربي، تحوّل إلى كومة رمال، بعد تفجيره من قبل “حركة المثنى الإسلامية”، التي بايعت تنظيم داعش».

يُشار إلى أن الإمام النووي هو “محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف”، المشهور بـ«النووي»، أحد أشهر فقهاء الدين الإسلامي ومحدثيه، ولا يكاد منزل، في محافظة درعا، يخلو من مؤلفاته، مثل “رياض الصالحين” و”الأربعين النووية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.