عبر أجهزة التنصّت والمساجد: تجسس الحكومة التركية على معارضيها يهدد بأزمة سياسية كبرى

عبر أجهزة التنصّت والمساجد: تجسس الحكومة التركية على معارضيها يهدد بأزمة سياسية كبرى

لم تكن العقوبات، التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية ضد إدارة الصناعات الدفاعية التركية، وعدد من المسئولين الأتراك رفيعي المستوى، على خلفية شراء #أنقرة المنظومة الصاروخية “إس 400” من #روسيا، الأزمة الوحيدة، التى واجهت الرئيس #أردوغان خلال  شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري. فهنالك أيضاً قانون “كاستا”، أو “أعداء أمريكا”، الذى يهدّد #الحكومة_التركية بشكل كبير خارجياً، يقابله فى الداخل التركي ما يمكن وصفه بـ”فضيحة التجسس” على أحزاب المعارضة، التى انكشفت تفاصيلها فى الأيام الماضية.

 

أزمة التجسس

بداية الأزمة، جاءت مع تصريحات، أطلقها زعيم المعارضة التركية “كمال كليتشدار أوغلو”، رئيس حزب الشعب الجمهوري، الذى أعلن، في حوار مع صحيفة «24T» التركية، «تلقيه تهديدات بالقتل»، متهماً حكومة أردوغان بـ«التجسس على هواتف زوجته وأبنائه، ومراقبتهم»، محذرًا من «دخول البلاد في حالة من الفوضى، بسبب إسكات المعارضين، وتهديدهم من قبل نظام أردوغان»، الذي وصفه بـ«الاستبدادي».

لم تمر أكثر من ثمان وأربعين ساعة على تصريحات “أوغلو”، المثيرة للجدل، حتى خرج “تمل كارمولا أوغلو”،  رئيس “حزب السعادة” التركي المعارض، ليتهم حكومة الرئيس أردوغان بالتجسس على هاتفه.

وقال “أوغلو” في مقابلة تلفزيونية: «أعتقد أن هواتفنا، والأماكن التي نتواجد فيها، يتمّ التنصت عليها، ومع ذلك، فإننا لا ننزعج من هذا، لأنه ليس لدينا ما نخفيه. يمكنهم الاستماع كما يريدون، فهذه ليست مشكلة بالنسبة لنا».

لم تنته الأزمة عند تصريحات زعيم “حزب السعادة”، فبعد ثمان وأربعين ساعة أخرى خرج حزب تركي جديد، ليتهم حكومة أردوغان بالتجسس عليه، فقد أعلن “صاروهان أولوتش”، نائب رئيس الكتلة النيابية  لـ”حزب الشعوب الديمقراطي” المعارض، خلال مؤتمر صحفي، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الجاري، عن «عثوره على عديد من أجهزة التنصّت، في مقر الحزب بمدينة إسطنبول».

وتساءل القيادي بـ”حزب الشعوب الديمقراطي”: «من يمكنه زرع هذه الأجهزة؟»، ليجيب بنفسه قائلاً: «على حد علمي هناك جهتان يمكنهما فعل ذلك: وزارة الداخلية التركية وجهاز الاستخبارات التابع لها، ولا يوجد سواهما من يقدر على ذلك، بكل تأكيد».

وأعلن “أولوتش” أن حزبه سيتقدم، خلال الأيام المقبلة، بشكوى للتحقيق في الأمر، وسيطالب وزارة الداخلية التركية واستخباراتها بالرد على مضمون الشكوى.

 

مساجد للتجسس

الأحزاب التركية  بالداخل لم تكن الجهة الوحيدة التى حاولت حكومة أردوغان التجسس عليها، ومراقبة قياداتها، فبحسب موقع “نورديك مونيتور”، المتخصص بالشأن التركي، فإن «معظم البعثات الدبلوماسية والقنصلية التركية، في جميع أنحاء العالم، تجسّست بشكل ممنهج على منتقدي أردوغان، في انتهاك للقوانين والأعراف الدبلوماسية».

ونشر الموقع، فى كانون الثاني/يناير من العام 2019، وثيقة أرسلتها مديرية المخابرات بالشرطة التركية إلى القضاء، تتحدث فيها عن «نشاط تجسسي غير قانوني، لرجال الشرطة بالسفارات التركية، في سبع وستين دولة أجنبية، على أنصار رجل الدين التركي “فتح الله غولن”، زعيم حركة “خدمة”»، التى تصنفها أنقرة تنظيماً إرهابياً.

في حين كشف تحقيق استقصائي، أجرته قناة تلفزيونية ألمانية، أن «الرئيس التركي يستغلّ المساجد التركية في #ألمانيا، من أجل تتبّع خصومه، والتجسس على معارضيه، سواء كانوا من الأتراك أو الألمان».

وعرض التحقيق، الذي بثته قناة “ZDF” الألمانية، شهادات معارضين أتراك ومسؤولين ألمان، تعرّضوا للتهديد من قبل أئمة مساجد، بسبب مواقفهم المناوئة لأدروغان ونظامه السياسي.

 

تعليق حكومي

الحكومة التركية من جانبها اعتبرت أن هذه «مجرد اتهامات وافتراءات باطلة»، وأكد “سليمان صويلو”، وزير الداخلية التركي، أن تصريحات “كمال كليجدار أوغلو”، بشأن التنصت على هواتفه، «مجرد مزاعم هدفها إضعاف تركيا».

وطالب وزير الداخلية التركي رئيسَ حزب الشعب الجمهوري بـ«التقدم ببلاغ للقضاء، حال امتلاكه دليلاً على تصريحاته»، التى وصفها بـ«الافتراءات، التي تهدف لشغل الرأي العام، وزعزعة ثقة ومكانة الدولة وقوات الأمن والأجهزة الاستخباراتية».

تفاعل وزير الداخلية التركي مع تصريحات “كليجدار أوغلو”، زعيم “حزب الشعب”، وتجاهله الرد على اتهامات “حزب الشعوب الديمقراطي”، دفع نواب الحزب في البرلمان التركي لنقل الواقعة إلى تحت قبة المجلس التشريعي، ومساءلة أجهزة الدولة بشكل رسمي.

 

الدولة مُتّهمة

“بركات قار”، القيادي بـ”حزب الشعوب الديمقراطي” التركي، قال، في تصريح خصّ به موقع «الحل نت»، إن «نواب الحزب بالبرلمان التركي أخذوا أجهزة التجسس الأربعة، التى تم اكتشافها بمقر الحزب بإسطنبول، وسألوا وزير الداخلية عنها بشكل واضح، ولكن حتى الآن لا يوجد أى رد من قبل السلطات التركية».

وأكد “قار” أن «أجهزة الدولة التركية متورطة، بشكل كامل، فى التجسس على “حزب الشعوب الديمقراطي”، لأنها تعتبر أن أي فعل ضد الحزب مباح وقانوني».

وشدد القيادي المعارض على أن «التجسس ليس جديداً على نظام أردوغان والدولة التركية، ولكنه للمرة الأولى يكون بهذا الشكل المباشر ضد الحزب»، لافتاً إلى أن «”الشعوب الديمقراطي”، رغم ما يتعرّض له من قمع، واعتقال أكثر من ستة عشر ألفاً من أعضائه، لم يتراجع أو يهادن أو يضعف، وهو ما يزيد من حالة التربّص ضد الحزب وقياداته». حسب تعبيره.

وكشف “قار” أن «نظام أردوغان يُصعّد حملته ضد الحزب، ويسعى لاسقاط  عضوية تسعة وثلاثين نائباً من نوّابه بالبرلمان، وبدأت بالفعل إجراءات لإسقاط عضوية ورفع حصانة خمسة نوّاب»، لافتاً إلى أن «هناك مطالبات من “حزب الحركة القومية”، شريك “حزب العدالة والتنمية” فى الحكم، بحظر “حزب الشعوب الديمقراطي”، وإنزال مزيد من العقوبات بحق مؤسسه “صلاح الدين ديمرتاش”، المعتقل منذ  سنوات».

وكان نوابٌ، موالون للائتلاف الحاكم في البرلمان التركي، قد تقدموا، فى الثالث عشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، بثلاثة وعشرين طلب رفع حصانة، ضد بعض نواب أحزاب المعارضة.

وبحسب موقع «KRT» التركي، فإن القائمة شملت ثلاثة وعشرين نائباً من “حزب الشعب الجمهوري” و”حزب الشعوب الديمقراطي” و”حزب الخير”.

 

انتخابات مبكّرة

وحول احتمالية إجراء انتخابات مبكّرة  في #تركيا، فى ظل الظروف التى تمرّ بها البلاد، استبعد “بركات قار” «تنظيم أي انتخابات بوقت قريب، لأن الظروف ليست فى صالح أردوغان ونظامه».

وأوضح أن «الدولة التركية تعاني، فى ظل التحالف بين حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد، ولا يوجد مشروع سياسي من الحكومة التركية لحل الأزمات الداخلية، ولكن السلطات التركية تحاول القفز على الأزمة، والهروب منها، بأعمال عسكرية خارجية، وتدخلات فى دول المنطقة»، لافتاً، فى الوقت نفسه، إلى أن «النظام التركي الحالي لا يمكن أن يستمر إطلاقاً، حتى موعد الانتخابات الرسمي في عام 2023».

واختتم حديثه بالقول: «أردوغان لن يذهب لانتخابات يدرك أنه سيخسرها، وبالتالي قد يلجأ، خلال الفترة القادمة، لتغيير القانون الانتخابي، وقانون انتخابات الرئاسة، بما يضمن له النجاح».

“على بابا جان”، رئيس “حزب الديمقراطية والتقدم”، والقيادي السابق بـ”حزب العدالة والتنمية”، توقّع، فى تصريحات صحفية سابقة، أن «تشهد تركيا انتخابات تشريعية مبكّرة، خلال عام 2021، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع».

كما توقع “بكر آغيردير”، مدير “شركة كوندا للدراسات واستطلاعات الراي والأبحاث” التركية، أن «تجري انتخابات مبكرة فى تركيا قبل حلول عام 2022».

وقال “آغيردير”، في تصريحات صحفية، أن «الانتخابات المزمع إجراؤها في عام 2023، لن تتم فى هذا التاريخ»،لافتاً إلى أن «ما تشهده البلاد من أزمات وتطورات سياسية، سيقود حتماً لانتخابات مبكّرة».

 

مستقبل أردوغان

“د.عمرو الديب”، المحاضر فى “معهد العلاقات الدولية” فى جامعة “لوباتشيفسكي” الروسية، أكد أن «إجراء انتخابات مبكّرة، فى 2021، قد يكون فى صالح أردوغان».

وأوضح الخبير فى الشؤون التركية والروسية لموقع «الحل نت» أن «أردوغان قد يلجأ بالفعل للدعوة لانتخابات مبكرة، حال رغبته فى تقوية الجبهة الداخلية»، لافتاً إلى أن «أردوغان مازال يملك زمام الأمور فى الداخل التركي، رغم تصاعد أصوات المعارضة، وانتقاداتها  لنظامه».

وأشار إلى أنه «في حال عدم إجراء انتخابات مبكرة خلال عام 2021، والاستقرار على إجرائها في عام 2023، فلا يمكن توقّع مستقبل النظام السياسي التركي ورئيسه أردوغان آنذاك، خاصة أن سياسات الرئيس التركي الخارجية تزيد الضغوط عليه داخلياً، فضلا عن اكتسابه أعداءً جدد، فى كل الجبهات التى يحارب عليها».

وحول لجوء أردوغان للتجسس على معارضيه بالداخل والخارج، أكد أستاذ العلاقات الدولية أن «أردوغان يشعر بخطر كبير جداً على الجبهة الداخلية، بسبب الأزمة الاقتصادية، ووجود أطياف من الاتجاهات السياسة التركية، غير راضية عن سياسته الخارجية، سواء بالشرق الأوسط أو منطقة القوقاز أو آسيا الوسطى، لأن هذه المغامرات تكلّف الاقتصاد التركي كثيراً، كما تتسبب بخسائر للسياسة الخارجية التركية»، لافتاً أن «مسألة خلق أعداء فى كل الجبهات، كما يفعل أردوغان، أمر مرعب ومخيف لكل القوى السياسية بتركيا، فهو أمر لا يعني القيادة التركية الحالية فقط، بل سيضرّ أية قوة سياسية، يمكن أن تصل قريباً للحكم في البلاد».

واعتبر المحاضر فى جامعة “لوباتشيفسكي” الروسية أن «أردوغان ليس له مستقبل، ولا يمكن الصبر علي سياساته بالمنطقة»، لافتاً إلى أن «الدول التى يهددها، ويتدخّل فى شؤونها، يمكن أن تتحد ضده فى أى وقت، وهو ما قد يعجّل برحيله، ونهاية نظام حكمه».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.