في بلدٍ من الأكثر فساداً عالمياً: كيف دفعت الدولة العراقية مرتبات تقاعدية لقيادات داعش وزوجاتهم؟

في بلدٍ من الأكثر فساداً عالمياً: كيف دفعت الدولة العراقية مرتبات تقاعدية لقيادات داعش وزوجاتهم؟

في عملية نوعية، هي الأولى من نوعها منذ عام 2003، أطاحت “وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية” في وزارة الداخلية العراقية، بعصابةٍ، تعدُّ من أقوى مافيات الفساد والتزوير والتلاعب في الوثائق الرسمية، وتتخذ من “هيئة التقاعد العامة” مقراً لها.

العملية أثارت الرأي العام، وخاصةً المتقاعدين، الذين عانوا طويلاً من التلاعب بمصدر رزقهم شبه الوحيد. وينتظر الجميع اليوم نتائج التحقيقات، وأحكام القضاء بحق أعضاء العصابة.

 

“الكوبرا” تدير عمليات التزوير

«زوجة رئيس عصابة التقاعد، التي تُلقب بــ”الكوبرا”، هي التي كانت تدير عمليات تزوير الوثائق، في مكتبين منفصلين، يقعان في ضاحيتي “المنصور” و”الشواكة” في بغداد»، وفقاً لما يقوله اللواء “سعد معن”، مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية. موضحاً أن «الأماكن التي نشطت فيها عمليات التزوير هي منطقتا “الشواكة” و”الوثبة” في #بغداد، فضلاً عن محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى».

وأضاف اللواء “معن”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «أفراد العصابة كانوا يعرقلون معاملات المتقاعدين والمراجعين، بشكل متعمّد، ويسرقون وثائق رسمية من معاملات المتقاعدين، للاستفادة منها».

وكشف المسؤول الحكومي أن «العصابة تضمّ محامين ومعقبي معاملات وثلاثة عشر موظفاً حكومياً، من ضمنهم أربع موظفات».

واعتقلت وزارة الداخلية العراقية، في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، «تسعة وعشرين شخصاً، يمثّلون أكبر شبكة تزوير في “هيئة التقاعد العامة”، اتُهموا بجرائم تحايل وتزوير في الوثائق الرسمية»، بحسب بيان صادر عن الوزارة، أكد أيضاً أن «فريقاً من الاستخبارات تمكّن من اختراق وتفكيك شبكة التزوير».

وكشف بيان الداخلية العراقية عن «ضلوع المتهمين بإصدار هويات تقاعدية لغير مستحقيها. وتصل المبالغ، التي يحصل عليها صاحب الهوية، إلى ثمانية ملايين دينار عراقي شهرياً، فضلاً عن فروقات مالية كبيرة، تبلغ، في حدّها المتوسط، مئتين وستين مليون دينار عراقي»، مبيّناً أن «الفريق الاستخباري تمكّن من توثيق عمليات التزوير بالصوت والصورة، ومعرفة الشخصيات التي تدير تلك العمليات».

 

دواعش يتقاضون رواتب تقاعدية

«تقديم دعم مالي لبعض الأحزاب، مقابل حماية أفراد العصابة»، اتهام صريح يسوقه “صباح الكناني”، رئيس “مؤسسة الاصلاح والتغيير”، الذي يقول، لموقع «الحل نت»، إن «موظفين فاسدين، في هيئة التقاعد، يقفون وراء تزوير معاملات تقاعدية لقيادات من تنظيم #داعش وزوجاتهم، وبتواطؤ مكشوف من بعض مدراء التقاعد، في عدد من محافظات البلاد».

“الكناني” يؤكد أنه «قدّم مجموعة من الوثائق الرسمية، التي تدين أفراد العصابة، لوزارة الداخلية العراقية»، مبيناً أن «أفراد العصابة متهمون بصرف رواتب تقاعدية حتى لأشخاص متوفين، مقابل حصولهم على آلاف الدولارات، ويجري التلاعب بالوثائق الرسمية بالتعاون مع شبكات متخصصة في التزوير، تنتشر في أطراف العاصمة بغداد».

وبحسب “الكناني” فإن «مجموع ما تخسره ميزانية الدولة العراقية، بسبب عمليات التزوير، يبلغ ثلاثين مليار دينار شهرياً»، متهماً «مدير هيئة التقاعد، ورئيس شركة “كي كارد”، بتسهيل عمليات التلاعب والتزوير».

اتهامات “الكناني” تأتي بعد شهرين من اعتقال المدير العام لهيئة التقاعد، وستة من مسؤوليها، في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، بأوامر من رئيس الوزراء العراقي مصطفى #الكاظمي.

“علي فرحان الدليمي”، محافظ #الأنبار، أكد، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، اتهامات صرف رواتب تقاعدية لعناصر داعش، وقال إن «بعض الموظفين الفاسدين قاموا بترويج معاملات تقاعدية لإرهابيين ينتمون الى تنظيم داعش، عبر تحويلهم إلى شهداء بحقوق كاملة من “مؤسسة الشهداء”»، مبيناً أن «ديوان محافظة الأنبار يجري تدقيقاً لأربعة آلاف وخمسمئة معاملة، لمعرفة تفاصيلها الدقيقة».

وأكد المحافظ «قيام مزوّرين باستكمال المعاملات المزوّرة خارج الدوائر الرسمية، ومنح أصحابها هويات التقاعد، بعد تسجيلهم على أنهم من ضحايا الأعمال الارهابية».

 

صعوبة استرداد الأموال المسروقة

ويجد أعضاء اللجنة المالية في #البرلمان_العراقي صعوبة بالغة في استرداد المبالغ المسروقة من الميزانية، وذلك بسبب غياب الإحصائيات الدقيقة عن قيم تلك المبالغ، وعدم توفر قاعدة بيانات لأعداد موظفي الدولة. وفي هذا الاطار يجزم “أحمد الصفار”، عضو اللجنة المالية البرلمانية، بـ«عدم إمكانية تتبّع الجرائم المالية والفساد الإداري، الذي يضرب أطنابه في العراق، وذلك بسبب غياب الشفافية في أغلب مؤسسات الدولة».

ووفقاً لما يقوله “الصفار”، لموقع «الحل نت»، فإن «شيوع واتساع ظاهرة الفساد المالي في البلاد بدأت منذ وقت مبكّر، واتسعت بسبب النفوذ السياسي، الذي تمارسه بعض أحزاب السلطة»، مشيراً الى أن «ملاحقة الفساد والمفسدين تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ومؤسسات متخصصة».

إلى ذلك يربط “مازن الفيلي”، النائب عن لجنة الاستثمار النيابية، بين «اتساع ظواهر الفساد في العراق وعجز #الحكومة_العراقية حتى عن دفع رواتب الموظفين»، واصفاً ما جرى في هيئة التقاعد بأنه «جريمة لا يمكن السكوت عنها».

وقال “الفيلي”، في اتصال هاتفي مع موقع «الحل نت»، إنه «من غير المعقول بقاء مؤسسات الدولة الرقابية متفرّجة، بيما يتداعى الواقع العراقي بهذا الشكل المريب والمخيّب»، حسب تعبيره،  متمنياً أن «تحرص الدوائر الرقابية على الإطاحة بالعصابات، التي تقف وراء تدمير الاقتصاد العراقي».

وكانت حملة القبض على الفاسدين، التي بدأت في الخامس عشر من أيلول/سبتمبر من العام الجاري، قد أطاحت بمدراء مصارف حكومية وأهلية، وعدد من رؤساء الهيئات التابعة للحكومة العراقية، وكذلك مسؤولين سابقين، فضلاً عن عشرات الموظفين، لكنها لم تصل بعد إلى ما يُعرف في العراق بـ«حيتان الفساد»، من رؤساء الأحزاب والوزراء السابقين.

وكان مؤشر الفساد العالمي لعام 2019، الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، قد وضع العراق في ذيل التصنيف الدولي، بوصفه واحداً من أكثر الدول فساداً في العالم، فحلّ بالمركز 162، من مجموع 180 دولة. وتعجز الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ العام 2003، على إيقاف انتشار الفساد في مفاصل الدولة العراقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.