على مدار الفترة الممتد بين مطلع التسعينات، وعام 2005، كانت الطبقات #الاقتصادية داخل المجتمع #السوري أكثر وضوحاً، إذ يمكن تمييزها بسهولة وتقسيمها إلى ثلاث طبقات.

تتمثّل الطبقة الأولى من طبقة #الفقراء، وهؤلاء يضمّون عمّال المياومة ونسبةً كبيرةً من الفلاحين إضافةً إلى العاطلين عن #العمل، في حين تتجلّى الطبقة الثانية بالمتوسّطة التي شملت الموظّفين الحكوميين إضافةً إلى موظفي القطاع الخاص، وأصحاب المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، أمّا الطبقة الثالثة فتشمل كبار موظفي الدولة والتجّار والاقتصاديين في مختلف القطاعات.

ولكن يبدو أن هذه الطبقات الثلاث، اختفت اليوم وحلّت محلّها قواعد جديدة في الطبقات الاقتصادية داخل المجتمع السوري، حيث أدّت سنوات #الحرب المستمرّة إلى خلق طبقات اقتصادية جديدة شديدة الغنى، مقابل أخرى شديدة الفقر.

تسلسل انهيار الطبقة المتوسّطة بدءاً من ٢٠٠٥

تُعرّف الطبقة المتوسّطة، بأنّها العائلات التي تتمتّع بالاستقرار #الاقتصادي من حيث الدخل المستقر والإنفاق المستقر بسبب استقرار أسعار السلع وسعر الصرف، وبالتالي تستطيع هذه الطبقة تأمين احتياجاتها اليومية الأساسية والبعض منها ينعم بالقليل من “البحبوحة” الاقتصادية.

حتّى عام 2005 كانت هذه الطبقة هي الأكبر داخل #المجتمع السوري، حيث كان يغلب على هذا المجتمع طابع “متوسّط الدخل”.

وبعد عام 2005، بدأت السلطات السورية تسير نحو تغيير القواعد الاقتصادية داخل المجتمع وانتهاج سياسات اقتصادية ليبرالية، إضافةً إلى ظهور عدّة أزمات اقتصادية عالمية بعد هذا العام، أدّت في نهاية المطاف إلى رفع نسبة السوريين الفقراء من 30 إلى 50٪، كما ارتفعت نسبة السوريين تحت خط الفقر من 11 إلى 30٪.

وبعد اندلاع الاحتجاجات في البلاد في آذار ٢٠١١، وبدء المعارك وما أثّرته على سعر الليرة، تدهورت الطبقة المتوسّطة أكثر، في حين ارتفعت معدّلات السوريين تحت خط الفقر إلى ٨٣٪ وفقًا لآخر الإحصاءات الأممية.

مشاهد من سوريا.. طوابير على الخبز وآيفون١٢!

قبل فترة، اصطفَّ عدد من السوريين على طوابير أمام شركة “إيماتيل” دمشق للحصول على آخر نسخة من هواتف “آبل” الجديدة (آيفون 12)، وتراوح سعر الهاتف بين 1900 – 2300 دولار علماً أن سعره العالمي لا يتجاوز 1000 دولار، وفي ذات الوقت، كان الآلاف من السوريين يصطفون على طوابير لشراء السلع الغذائية بأسعار مخفّضة، وذلك في نفس الوقت الذي تصل فيه نسبة السوريين تحت خط الفقر إلى 83٪.

يعكس هذا المشهد حالة التباعد في الطبقات الاقتصادية في سوريا، ويقول صحافي يعيش في دمشق لموقع (الحل نت): «أشاهد يومياً حالة تناقض داخل المجتمع السوري في دمشق، فيمكنك في ذات الشارع أن تجد أناساً ينفقون مئات الآلاف من الليرات على السهر في المطاعم والأماكن الفارهة، وفي ذات الوقت تشاهد أشخاصاً يحاولون النبش في #القمامة بحثاً عن شيء يبيعونه ويحصّلون قوتهم».

وأضاف الصحافي، أن «الطبقة الوسطى التي كانت تذهب إلى العمل صباحاً وتعود مساءً وهي قادرة على تحصيل قوتها انعدمت تماماً»، لافتاً إلى أن «من يفعل ذلك الآن يعتبر تحت خط الفقر لأن الراتب المتوسّط لا يكفي لسد الاحتياجات الغذائية وحدها».

تجار الحرب يفرضون رؤيتهم للاقتصاد في سوريا

يقول الباحث الاقتصادي السوري “يونس الكريم” إن «الشرخ الطبقي في سوريا ليس جديدًا بل موجود منذ استلام البعث للحكم في سوريا».

وأضاف لموقع (الحل نت) أنّه «في عام 2008 بدأ الدعم يقل وبدأت بعدها بوادر أزمات في #السلع والوقود والطحين تظهر في الأفق، بالتزامن مع تخفيض الدعم وصعوبة توفير الذي أنهك الموازنة العامة، ما دفع الدولة حينها إلى البدء بتقليص الدعم بسبب عدم استقرار سعر الصرف وانعكس ذلك على الأسعار التي ارتفعت».

ويرى أنّ «أهمية الطبقة المتوسطة تأتي من كونها تؤمن الطلب على السلع والخدمات وتجذب المستثمرين للسوق وتعمل دون كلل، وتشكل حوامل القوى العاملة، وهي أكثر إخلاصًا في العمل لأنها لا تملك تطلعات للهجرة الداخلية أو الخارجية، حيث تبقى مكان العمل كما أنها تشكل عصب المجتمع، موضحاً أن هذه الطبقة تبعثرت خلال الحرب وأثّرت على استقرار المجتمع بأكمله».

وعن الفئة التي تتحكّم بالنظام الاقتصادي وتتسيّد مشهد الثراء الفاحش في البلاد قال الكريم «التجّار والاقتصاديون التقليديون انسحبوا من سوريا مع بدء الحرب بسبب اختفاء الطبقة المتوسّطة، وحلّ محلّهم ما يُعرف اليوم بتجّار الحرب، وهم مجموعة شخصيات ظهروا بشكلٍ مفاجئ ويملكون أموالاً طائلة مصدرها الاصطفاف في الحرب التي تعيشها البلاد».

وأردف «هؤلاء عملوا على أفكار وسياسات غريبة من جانب السوريين، حيث يفرضون نظرتهم الاقتصادية الجديدة على المشهد، بحسب سعر السلع والدورة النقدية، حتّى أن آلية تأمين السلع اختلفت في سوريا بسبب هذه السياسات»، موضحاً أن «ما يجري حالياً هو نظام اقتصادي رأسمالي يقول على قاعدة، من يستطيع الدفع يحصل على السلع ومن لا يستطيع لا يحصل عليها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.