العراق يواجه “الفضائيين”: ماذا سيحدث إن فشلت الحكومة العراقية بدفع رواتب موظفيها؟

العراق يواجه “الفضائيين”: ماذا سيحدث إن فشلت الحكومة العراقية بدفع رواتب موظفيها؟

فوجئ العراقيون، منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، بقرار للحكومة العراقية، خفضت بموجبه قيمة الدينار العراقي، مقابل الدولار، بنسبة 23%، ليصل إلى 1450 ديناراً لكل دولار، بعد أن كان مستقراً، ولفترة طويلة، في حدود 1200 دينار. الأمر الذي أثار موجة استياء شعبي، وتخوّف عام، لاسيما في أوساط الموظفين، من احتمال عودة الوضع الاقتصادي في البلاد إلى الحالة التي كان عليها في تسعينيات القرن المنصرم، حين تدنّت القيمة الشرائية للدينار العراقي، بسبب الحصار الدولي الذي فُرض على العراق، بعد غزوه للكويت، في آب/أغسطس 1990.

واضطر معظم العاملون في القطاع  الرسمي، آنذاك، إلى ترك وظائفهم، أو القيام بأعمال إضافية، لصالح القطاع الخاص، لتدارك الأزمة الخانقة، التي استمرت لغاية سقوط النظام العراقي، في نيسان/إبريل 2003.

 

وزارة المالية: «القرار لمرة واحدة»

وزارة المالية العراقية أكدت، في بيان حصل «الحل نت» على نسخة منه، أن قرار التخفيض «سيكون لمرة واحدة فقط، ولن يتكرر مستقبلاً، وستعمل الحكومة مع البنك المركزي على تثبيت السعر الجديد، الذي ينسجم مع متطلبات الإصلاح».

وبررت القرار بـ«ضرورة مواجهة الأزمة المالية، الناتجة عن التراجع الحاد في الإيرادات النفطية، وإحداثه اختلالات هيكلية في الاقتصاد العراقي، فضلاً عن مشاكل أخرى، لم تتم معالجتها جدّياً من قبل الحكومات السابقة، وتم ترحيلها من مرحلة الى أخرى».

وطمأن البيان العراقيين بأن «القطاعات المتضرّرة، والشرائح الفقيرة، سوف يتم دعمها عبر إجراءات، تتضمن زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة العامة، من أجل تعويض الارتفاع المحتمل في أسعار بعض السلع المستوردة».

ويصف الخبير القانوني “عبد المطلب غزوان” قرار خفض العملة مقابل الدولار بأنه «قرار سياسي مترهل، ويستهدف المواطن ومستقبله».

وأضاف، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن القرار «لن يحسّن الوضع الاقتصادي، بل سيفاقمه سوءاً، لأن البلاد تعتمد على استيراد كل شيء تقريباً، من دول الجوار وسواها. ومن يمتلك القوة الشرائية حالياً هم نحو ستة ملايين وخمسمئة ألف موظف عراقي، سيجدون قيمة رواتبهم تتضاءل يوماً بعد يوم، في ظل صعود أسعار السلع والخدمات، جرّاء ارتفاع سعر صرف الدولار».

واشترط “غزوان” توافر جملة من الأمور، قبل إقدام #الحكومة_العراقية على إصدار قرار تخفيض قيمة العملة، منها «إنشاء مشاريع تنمية، ودعم القطاع الخاص بمختلف قطاعاته، والتحفيز على الاستثمار، من خلال قوانين وإجراءات، أسوة بدول العالم».

وأيضاً «محاربة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، بنحو جدي، مع ضبط المنافذ الحدودية، ووضع نظام ضريبي يتساوى أمامه الجميع، لتتمكن الدولة من توفير رواتب موظفيها، وتمويل مشاريعها، بعيداً عن مغامرة الاعتماد على تصدير النفط، لأن أي انخفاض في أسعاره سيعني إصابة البلاد بزلزال اقتصادي، كما حدث مؤخراً» .

وكانت الحكومة العراقية قد تلكّأت بدفع رواتب موظفي الدوائر والمؤسسات الحكومية، في النصف الثاني من عام 2020، وجوبهت برفض واسع على صعيد القطاع الوظيفي، عندما أعلنت عن نيتها خفض الرواتب، في محاولة وصفها خبراء اقتصاديون بـ«اليائسة»، لإعداد موازنة، دون حاجة الى قروض دولية.

 

العراق لا يمتلك قاعدة بيانات للموظفين

وكشف “د.خالد البتال”، وزير التخطيط العراقي، عن «عدم إمتلاك العراق قاعدة بيانات لأعداد الموظفين». أي أن الدولة العراقية لا تعرف أعداد موظفيها، وقال: «أنا وزير للتخطيط، لكن لا أعلم كم هو عدد الموظفين في البلاد، وكذلك وزير المالية ليس لديه علم بذلك».

وأوضح “البتال”: «بعض المفاصل في الدولة تسلّم وزارة المالية، على سبيل المثال، رقماً معيناً بالمبالغ المطلوبة لموظفيها، بدون تفاصيل، لذلك فالمالية لا علم لها بالأعداد».

واستدرك: «نحن لا نملك دولة بمفهومها الحقيقي. وإنما مجرد حكومات تسيّر الأمور، لا غير».

اللجنة المالية في #مجلس_النواب_العراقي أيدت ما ذهب اليه وزير التخطيط العراقي، ودعت، عبر النائب “جمال كوجر”، إلى «اتباع النظام البايومتري، لإثبات اعداد الموظفين، وأن يتم تأسيس قاعدة بيانات لكل مؤسسة في الدولة، وإلا فإن مشكلة “الفضائيين” ستستمر».

ووصف “فضائيين” يطلق على الموظفين الوهميين، الذين تتقاضى جهات رسمية، متورّطة بالفساد، رواتب عنهم. ومن أمثلتها ما ذهب اليه “عادل حاشوش الركابي”، وزير العمل العراقي، من أن «25% من متلقي رواتب الرعاية الاجتماعية لا يستحقونها، من أصل (115340) شخصاً، مشمولين بالرعاية الاجتماعة في وزارته».

«كذلك الحال في الوزارات العراقية الأخرى، مثل وزارات النفط والكهرباء والتربية والدفاع والداخلية والصحة وغيرها، التي تعاني من هذه المشكلة، منذ 2003»، بحسب “عبيدة عامر”، الباحث في الشأن الاقتصادي، الذي قال، لموقع «الحل نت»، إن «”الفضائيين”، وعدم تثبيت قاعدة بيانات للموظفين، باب مشرّع للفساد أمام الأحزاب السياسية، التي تتولى السلطة في البلاد».

وبيّن أن «هذا يدخل في مصلحة أحزاب السلطة، وفق نظام المحاصصة، المعمول به لتقاسم غنائم الواردات في الوزارات، وآخر هم لهذه الأحزاب إيجاد حل للأزمة الإقتصادية، بل ستعمل، وبكل السبل، على تعميقها، لكي تستمر مستحوذة على السلطة وثروات البلاد»، حسب تعبيره.

 

إجراءات ترقيعية

وتوقّع “عامر” أن «تعلن الحكومة العراقية عن إجراءات ترقيعية، مطلع عام  2021، لامتصاص غضب الشارع، وتجنّب تجدد الاحتجاجات الشعبية، على غرار التي جرت في تشرين الاول/أكتوبر2019، من خلال تركيز استعراضي على المشمولين بالرعاية الاجتماعية، وتوفير المواد الغذائية، عبر البطاقات التموينية، لشهر أو إثنين، ثم تتراجع عن دعمها، كما حدث مرات عدّة من قبل».

وتشهد الأسواق العراقية ارتفاعاً في أسعار السلع، منذ إعلان البنك المركزي العراقي، رقم 2440/1/6، في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2020، تثبيت سعر صرف الدولار، بـ1470 بدلاً من 1190 دينار. بالتزامن مع حملة لجهاز الأمن الوطني العراقي، في مختلف محافظات البلاد، لمراقبة التجّار، وتهديدهم بالاعتقال، في حال رفعوا الأسعار.

بدوره هدّد “عبد الرزاق الزهيري”، رئيس اتحاد الغرف التجارية العراقية، بـ«غلق الأسواق، ومنافذ البيع»، في حال استمرار ما سماها «الإجراءات التعسفية ضد التجّار».

وقال، في بيان، اطلع عليه «الحل نت»، إن هذه الإجراءات «عودة إلى عصر الدكتاتورية وسلطة الدولة، التي لاتحترم الحقوق والحريات، وهي مؤشر خطير للغاية على مدى محاولة حرف مسار الإصلاح الاقتصادي، وتحميل التجّار عواقب السياسات الفاشلة، والإخفاق في ملف الأمن الغذائي، من قبل القائمين عليه».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.