حرب الآبار في السويداء: هل تقوم مؤسسات الحكومة السورية بتعطيش أهالي المحافظة؟

حرب الآبار في السويداء: هل تقوم مؤسسات الحكومة السورية بتعطيش أهالي المحافظة؟

اكتشف أهالي محافظة #السويداء، جنوبي سوريا، بعد عام 2000، أن محافظتهم تعوم على بحر من المياه الجوفية، عقب معاناتهم من مواسم جفاف طويلة، ولكنهم لم يغامروا بحفر الآبار، بسبب رفض السلطات السورية إعطاءهم تراخيص.

أدى هذا لاضطرابات اجتماعية واسعة، في السنوات الماضية، فقام الأهالي، عدة مرات، بالهجوم على مؤسسة المياه، التابعة للحكومة السورية، بهدف الضغط على المسؤولين، كي يعطوا الموافقات لحفر الآبار، إلا أن هذه الأعمال لم تعد بفائدة كبيرة على الأهالي.

الوضع تغيّر في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حين هدد فصيل مسلح، ونشطاء مدنيون، باحتلال الآبار الجوفية في المحافظة، ما لم تُحل المشكلة من جذورها.

«عرفنا، عن طريق موظفين في مؤسسة المياه، أسباب عطشنا، وهي الفساد، والمشاريع الوهمية، والآبار، التي حُفرت منذ سنوات عديدة، ولم توضع في الخدمة»، بحسب الشيخ “سليمان عبد الباقي”، أحد الوجهاء المحليين في المحافظة، الذي أكد، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «ملفات الفساد العديدة، التي اكتشفناها، كبيرة جداً، فقمنا بتكليف الأمير “لؤي الأطرش” بالتفاوض مع المسؤولين المحليين، لإيجاد حلول. وفي حال فشل المفاوضات سنقوم بالتصعيد»، حسب تعبيره.

 

حلول المجتمع المحلي

استغلّ عدد كبير من الميسورين والمغتربين، من محافظة السويداء، #الاحتجاجات_السورية، في العام 2011، لحفر الآبار الإرتوازية، فظهرت مزارع خضار ومشاريع جديدة في المحافظة، تأسست على إثرها أسواق عديدة، ما أوصل المحافظة للاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات.

المزارع “فياض الحسن”، من أهالي بلدة “المزرعة”، يسرد لموقع «الحل نت» التغيرات، التي عرفتها بلدته، بعد حفر الآبار الجديدة: «شهدت “المزرعة” ثورة زراعية حقيقة، منذ العام 2012، وما زالت مستمرة حتى الآن، على الرغم من المشاكل العديدة في تسويق المنتجات، وهبوط قيمة الليرة السورية. ووصلت البلدة إلى حالة من الاكتفاء الذاتي الكامل من المياه، بفضل الآبار الإرتوازية أو السطحية، بعيداً عن الاعتماد على شبكات المياه الرسمية، المعطّلة بحجج واهية».

لكن الحلول، التي ابتكرها المجتمع المحلي، لم تشمل سوى عدد قليل من القرى والبلدات. “محمود العاسمي”، المغترب في دولة الإمارات، أكد أن «الفاسدين يتحكّمون بمؤسسة المياه في السويداء، منذ ثمانينات القرن الماضي، بالتعاون مع جهات أمنية في #دمشق، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تعطيش المحافظة، وكذلك الغنى الفاحش لمدراء المؤسسة، وبعض العاملين فيها، وعدم تمكّن المفتشين الإداريين في السويداء من القيام بعملهم، فحُفظت كل تحقيقاتهم في الأدراج المغلقة».

وتابع “العاسمي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «الأحوال تغيّرت كثيراً الآن، خاصة بعد أن بات العطش يهدد الجميع، واكتشافنا عدداً من الآبار الجاهزة للاستثمار، لم توضع بالخدمة، في الوقت الذي تعطّل فيه مئة وعشرون بئراً دفعة واحدة، وهو ما استدعى وجهاء المجتمع المحلي للاتفاق على تحرّك فعلي، لكشف الفساد في ملف المياه».

 

المعلومات غير متاحة وسرية

«لا أحد يعلم حالة الآبار في السويداء، إلا قلة من المحيطين بمدراء الدوائر الرسمية والأجهزة الأمنية، الذين لا يقومون بتسريب أية معلومات عن عدد الآبار المعطّلة، التي احترقت غطاساتها، بطريقة ما، أو سُرقت الأكبال النحاسية واللوحات المغذّية للطاقة فيها، ونُسبت تلك الأعطال، بغالبيتها، إلى مشكلتي الكهرباء والإرهاب». بحسب الشيخ “سليمان عبد الباقي”.

ويضيف: «المدراء الحكوميون لا يريدون إثارة الموضوع، ولا يريدون العمل، في وقت بات فيه سعر نقلة مياه الشرب، بسعة ثلاثين برميلاً، ثمانية آلاف ليرة. فيما توزّع المؤسسة، على معارف وأقارب المسؤولين والموظفين، الماء بالمجّان، والفقراء باتوا مهددين بالموت عطشاً، إضافة لكل أزماتهم الاقتصادية».

ويؤكد “عبد الباقي” أن أهالي المحافظة «قرروا اتباع الطرق السلمية في البداية، وتواصلوا مع “لؤي الأطرش”، أمير بلدة “دار عرى”، وحمّلوه كتاباً إلى “همام دبيات”، محافظ السويداء، يمنحه مهلة أخيرة لإيجاد الحلول».

فيما أكد “بيليوس المرمدي”، اسم مستعار لناشط محلي، لموقع «الحل نت»، أن «عدم تعرّض الآبار الخاصة، غير المرخصة، للأعطال، آثار شكوك أهالي المحافظة، فتم التواصل مع أصحاب هذه الآبار، الذين أكدوا أن إصلاح الأعطال في الآبار سهل وسريع، ولا يحتاج إلى الأرقام الفلكية والأوقات الطويلة، التي تطلبها مؤسسات الدولة. وقد زادت هذه المعلومات، بالطبع، من نقمة الأهالي».

 

سير التحقيقات

“ع.م”، وهو ناشط مدني رفض نشر اسمه الكامل، كشف لموقع «الحل نت»، أن «عدد الآبار الارتوازية في السويداء بلغ مئتي بئر، يعمل منها سبعة عشر بئراً فقط. مع إصلاح بئر هنا وتعطيل آخر في مكان ما، حتى تستمر الأزمة، وتبقى الإصلاحات قائمة ومستمرة»، حسب تعبيره.

ويتابع: «كان الحل المقترح إنشاء ورشة خاصة، ضمن مؤسسة المياه نفسها، وتأمين كل ما يلزم من عدّة ومخارط، للعمل على صيانة وإصلاح المضخّات الغاطسة والعادية، وتأمين يد عاملة خبيرة، من كوادر المحافظة، تحت إشراف لجان شعبية وحكومية. ولم ينفذ شيء من هذا لغاية الآن».

مصادر محلية أكدت لموقع «الحل نت» أن «ملف الفساد في مؤسسة المياه فُتح، ولجان التفتيش تعمل على كشف كل الحقائق. والموظفون المحليون، الذين سرّبوا المعلومات، عن حجم الفساد في المؤسسة، والمشاريع الوهمية، التي ساهمت بتعطيش السويداء وأهلها، باتوا تحت حماية فصيل محلي، ولا يمكن المساس بهم. لكن التحقيقات بالموضوع، التي تجري في أحد فروع الأجهزة الأمنية، لم تطل إلا موظفين صغار في المؤسسة، حتى اللحظة، وهو ما يعيد القضية كلها إلى المربع الأول، وربما يتم تحميل وزر ملفات الفساد للموظفين الصغار وحرّاس الآبار، كما جرت العادة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.