«ليلتي الأولى كانت الأسوء على الإطلاق، تملّكني خوف ورهبة غريبان، وعلى الرغم من أنني لم أُقِم أية علاقة جنسية قبل الزواج، إلا أن كل ما كنت أفكر به هو ذلك الغشاء، كانت اللحظات تمر ببطء وكان التوتر يمنعني من أن أكون سعيدة، الأسوأ من ذلك هو أن والدة زوجي كانت تنتظر الخبر السعيد في الخارج، انكمشتُ على نفسي خَجِلة ودموعي لم تتوقف، كيف يمكن لشيء حميمي وخاص لهذه الدرجة أن يصبح علنياً ويعلم بتفاصيله الجميع؟».

ذاكرة “هدى” عن ليلة زفافها ذاكرة حزينة، أجبرت نفسها مراراً على استبعادها ونسيانها، فقد اختبرت خوفاً وخجلاً في تلك الليلة نتج عنهما أثرٌ نفسي جعل علاقتها بزوجها سيئة طوال زواجهما، وتتابع قائلةً: «كان عنيفاً وجاداً يريد الإثبات السريع بأن من ستصبح والدة أولاده عفيفة، وأنا عديمة الخبرة صغيرة أتخبط بين يديه منتظرة اللحظة التي يحكم ببراءتي، ثقيل جداً ذلك الإحساس بأن هناك من يشكك بي دون سبب، لم تنجو علاقتنا من تلك الليلة، بدأ يتشكل بداخلي رفضٌ يزداد كلما حاول الاقتراب مني».

تختصر حكاية “هدى” في ليلتها الأولى من الزواج حكايات معظم فتيات المجتمع السوري، ينزع مجتمعنا بصورة تناقضية لوضع الرجل دائماً في موقع البريء وسجن النساء في قفص الاتهام حتى يثبت العكس، تبقى الفتاة هنا سجينة خوفها حتى تأتي اللحظة التي ستثبت فيها براءتها، والتي يدل عليها غشاء رقيق تختلف النظريات حول سبب وجوده، إلا أن هناك من يتكفل دائماً باستخدام أصغر دليل لإثبات أن الخطيئة تخص المرأة وحدها منذ حواء حتى الآن، الأسباب كثيرة خلف ذلك، منها ما هو ديني ومنها ما هو مجتمعي، والتي أجبرت الجسد على أن يكون منغلقاً على ذاته، محروماً من حقه بالوجود بشكل عام وجسد المرأة بشكل خاص.

كيفية اختيار الزوجة في المجتمع السوري

هناك مجموعة من القواعد العامة أو ما يسمى “أعراف” يتبعها الشبّان حين يريدون اختيار زوجة في #سوريا، فمثلاً كلما كانت أصغر كان ذلك أفضل، حيث تكون الفتاة في عمر صغير لم تختبر بعد تجارب عاطفية ولم تختلط بالعالم الخارجي، الذي يغني معرفتها بذاتها وعواطفها وجسدها، وبذلك تكون أكثر طوعاً للرجل، كما أنها تلبّي رغباته دون أن تعلم بأن الكثير قد فاتها بزواجها منه، في الوقت ذاته يُشترط على الفتاة بأن تتسم بأخلاق عالية بحسب الأخلاقيات التي يفرضها عليها المجتمع، وأن تتسم باللطف واللين في الوقت الذي لا تحاكم فيه أخلاقيات الشاب وأسلوبه وطريقة حياته، معظم الفتيات يبالغن في تبني هذه الصفات لكسب ود الشبّان، ويتم تجاهل كل ما هو أساسي لإقامة علاقة زوجية سليمة كالانسجام في الرؤى والأفكار والانجذاب الجسدي والنفسي لبعضهما البعض.

الحياة الجنسية للمرأة

تتربى الفتيات في المجتمع السوري على قمع رغباتهنّ الجنسية، لا وجود لتربية جنسية من قِبَل الأهل ولا ثقافة جنسية مجتمعية معروفة، الموضوع بأكمله يُمارس عليه نوع من الإغلاق والمنع والذي يؤدي غالباً لصدمة لدى الفتاة عندما توضع أمام هذه العلاقة عند الزواج، لا إمكانية لممارسات جنسية قبل الزواج، تكبر الفتاة على محور واحد تدور حوله أحداث حياتها وهو الحفاظ على عذريتها، ويصبح كل ما تملكه الفتاة من مقومات وصفات نفسية واجتماعية وثقافية لا يغني عن ذلك الغشاء، فعلمها وعملها لا يكتملان ويشكلان ثقلاً ما لم يتوجا بزواج ناجح، ولكي تحصل على زواج ناجح ينبغي عليها أن تبتعد عن إقامة أية علاقة خارجه، وإذا ما حدث وأحبّت بشكل طبيعي وأقامت علاقة دون زواج فالنتائج المترتبة على ذلك غير متوقعة، والعنف هو أقلها.

تقول سناء لـ(الحل نت): «في سن الثالثة والعشرين قررت أن أفقد عذريتي، كان ذلك صعباً ومخيفاً في البداية، ولكن ذلك الشيء الذي نتربى على الحفاظ عليه يشكل لنا قيداً كبيراً، كنت في كل مرحلة أشعر بأنني تخلصت من موروثات وأفكار تكبّلني كامرأة أجد نفسي لا أزال عالقة بها، كيف يمكنني أن أتحرر من كل ما يُمارَس عليَّ من ضغط وتمييز وأبقي هذا الغشاء الذي جعلوا كل حياتي وشخصي مختصرة به».

لا يزال المجتمع السوري يضفي القيمة على حياة النساء بفضيلتهن، البعض يعتبر خروج المرأة عن هذه العادات وفقدانها لعذريتها سبباً كافياً لقتلها، فيما تبقى هي رهينة لمشاكل نفسية وجسدية في الحالتين، فبحفاظها على عذريتها تكون قد أرضت الجميع وخسرت نفسها ورغباتها وتفاهمها مع جسدها، وإذا حصل وفقدتها فالخوف والشعور بالذنب وارتكاب الخطيئة سيبقيان ملازمان لها طيلة حياتها، وتتابع “سناء”: «في السابق كان يصيبني بين الحين والآخر شعور بالخوف من عدم قدرتي على الزواج لأنني أمتلك حياة جنسية، ولكني الآن وبعد خمس سنوات أصبحت متصالحة مع قراري، معرفة الآخر ليس شيئاً سهلاً والعلاقة الجنسية قبل الزواج شيء مهم لمعرفة الشريك وتفاصيله، معظم الأزواج لا ينسجمون ويعيشون حياتهم مع علاقة حميمة سيئة يجبرهم عليها عقد محكمة فقط».

حتى وإن قرَّرتْ الفتاة بأن يكون لديها حياة جنسية خاصة، فالمخاوف كثيرة في نجاح تجربتها، فالعلاقات الجنسية غالباً ما تكون اعتباطية دون فهم للحالة الجسدية والجنسية، غياب المعرفة يثير الفضول ولكنّه لا يؤدي إلى نتائج جيدة دائماً، فقد يكون الشريك سيئاً يدفع الفتاة للقيام بذلك لأجل ابتزازها، قلائل هن الفتيات اللواتي يَقُمن بعلاقة دون شكوك وخوف، فالغالبية من الرجال يبقى في داخلهم رفض للممارسات الجنسية للفتيات تبعاً للمعتقدات التي تربوا عليها حتى ولو أظهروا مخالفتهم لها، وهنا دور المرأة بأن تدخل العلاقة بوعي وقرار ذاتي قائم على قناعة تامة، وأن لا تسبب لها أي أذى نفسي حتى وإن تعرضت للاستغلال.

هناك تميّز علني بين الرجل والمرأة فيما يخص حياتهما الجنسية، حتى المنظمات والمؤسسات التي تدعم حقوق المرأة تبتعد عن طرح هذه الإشكالية ضمن برامجها، فالجنس من المحرمات التي ينبغي أن يصمت عنه وعن ممارساته، وجنسانية المرأة لا تخصها وحدها هي ملك للمجتمع بأكمله، يسبب هذا سلباً لحياتها وجسدها، لتبقى جاهلة بما يمكنها فعله في هذا الصدد هناك خوف من مقاربة هذا الموضوع وانتهاك حرمته، في الوقت الذي تغيب فيه أي ثقافة جنسية عامة تساعد النساء على فهم ذواتهن وأجسادهن، لا تعرف النساء الجنس خارج الزواج ولا حتى داخله، وتبقى العائلة هي المحرك الأساسي لأفعال الفرد وفهمه لذاته ولجسده وجنسه، تفتقد العائلات في المجتمع السوري هذا الدعم لبناتهم بسبب القمع المفروض على الجنس والعار الذي يرتبط به.

وتُعلق “سناء” على ذلك بالقول: «العائلة هي العامل الأقوى في دعم الفتاة لتكون حرة وتتعامل مع جسدها ونفسها بِحريّة، تربيت في عائلة ترفض ذلك، تمرِّدي لم يغير شيئاً فأنا أُخفي حقيقة ما أقوم به وكأنني اقترفت جريمة، أحتاج لعائلة تفهمني وتسمع ما بي، ولو أن عائلتي تساندني لتفاديت الكثير من الأذى، في الوقت ذاته أخاف من أن أربي ابنتي يوماً على ما تربيت عليه، هناك أشياء مغروسة بداخلنا لا يمكننا التخلّص منها، أخاف عليها أن تعيش في هذا العالم الخوف ذاته الذي عِشته من قبلها».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.