نترات أمونيوم وعشائر إجرامية: هل تجامل ألمانيا “الشيعية السياسية” لأسباب اقتصادية وعقائدية؟

نترات أمونيوم وعشائر إجرامية: هل تجامل ألمانيا “الشيعية السياسية” لأسباب اقتصادية وعقائدية؟

دعا “هايكو ماس”، وزير الخارجية الألماني، #إيران إلى «التقارب مع الولايات المتحدة، بقيادة جو بايدن» خلال اجتماع الدول الأوروبية الأعضاء في الاتفاق النووي مع إيران، الذي انعقد في الثامن والعشرين من كانون الأول/ديسمبر من العام الفائت، وذلك بعد أن كانت #ألمانيا قد صعّدت لهجتها، وصرّحت أن «العودة الى الاتفاق، بشكله السابق، دون أن يشمل برامج الصواريخ البالستية، لم يعد كافياً». وفي وقت يتزايد فيه السخط، في الأوساط السياسية والأكاديمية الألمانية، بعد استعداد #طهران لتنفيذ حكم الإعدام بحق العالم السويدي الإيراني “رضا جلالي”، واستمرار سلطاتها الأمنية باعتقال أربعة سجناء ألمان من أصول إيرانية.

إيران بدورها استدعت السفيرين الفرنسي والألماني، بعد بيانين صدرا عن الدولتين، احتجاجاً على تنفيذ حكم إعدام الصحفي الإيراني المعارض “روح الله زام”.

لطالما وُصفت ألمانيا بأنها «عرّاب الاتفاق النووي مع إيران»، ورغم كل الضغوط، التي تعرّضت لها من #إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أنها حاولت الحفاظ على علاقاتها مع إيران، متجاهلة ملف حقوق الإنسان فيها، وتبدو، بنظر كثير من المراقبين، متهاونة مع الأنشطة التي تقوم بها إيران، وذراعها #حزب_الله، داخل أراضيها. مثل تجارة المخدرات والسيارات وغسيل الأموال؛ إضافة إلى الشبكات الايرانية الواسعة داخل المساجد الشيعية الألمانية، التي تجمع الأموال والتبرعات، وتستقطب الشباب المهاجرين من أصول شرق أوسطية؛ عدا عن استخدام دبلوماسيين وجواسيس إيرانيين، لتنفيذ عمليات اغتيال وتجسس في أوروبا؛ والتقارير الإعلامية، التي كشفت فضيحة تخزين شحنة كبيرة، من مادة “نترات الأمونيوم”، في مستودعات بجنوب ألمانيا، كان جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي قد أبلغ الأجهزة الأمنية الألمانية بوجودها، ويُقال إنه تم نقلها الى #لبنان، عن طريق شركة “ماهان إير”، وتسببت بالانفجار الكبير في ميناء #بيروت.

الحكومة الألمانية لم تصرّح بمعلومات كافية عن الموضوع، لأسباب قالت إنها «أمنية». إلا أنها تواجه ضغوطات إعلامية وسياسية، نتيجة موقفها، الذي يصفه البعض بـ”الرخو”، فهل كانت ألمانيا، وهي تمتلك واحداً من أقوى أجهزة الاستخبارات على الصعيد العالمي، وتلعب دوراً قيادياً، على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، في #الاتحاد_الأوروبي، غافلة عن وجود نترات الأمونيوم على أراضيها؟ وهل هي عاجزة عن مواجهة العمل الاستخباري والميلشياوي الإيراني داخل حدودها؟

 

«زعم أخلاقي غير مقنع»

د.رالف غضبان، الباحث السياسي الألماني من أصول لبنانية، قال لموقع «الحل نت» إن «زعم ألمانيا الأخلاقي، المستمد من ضرورة تجاوز الإرث النازي، لم يعد يقنع أحداً. فلطالما خضع دفاعها عن حقوق الإنسان، والالتزام بالديمقراطية، ودعم دولة إسرائيل، لمصالحها الاقتصادية. وعلى سبيل المثال، ألغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتفاق “مينسك” مع #روسيا، بسبب حربها على #أوكرانيا، لكنها، في الوقت نفسه، تصرّ على تنفيذ خط أنابيب الغاز “2 Nordstream” مع الروس، على حساب أوكرانيا، التي أصبح خط الأنابيب فيها فائضاً عن الحاجة، ما يضعف موقعها في مواجهة روسيا. واليوم، وقبل أيام قليلة من تولي جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، منصبه، حثت ألمانيا، بمفردها، الدول الأوروبية للموافقة على اتفاقية تجارية مع #الصين، تستفيد منها صناعة السيارات الألمانية، على حساب الدول الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية».

الأمر الذي يراه “غضبان” مدخلاً لفهم العلاقة الألمانية مع إيران: «ألمانيا ثالث أهم شريك تجاري لإيران، بعد الصين واليابان، وهذا يفسر التزام ألمانيا الشديد بالاتفاق النووي مع الإيرانيين. وقد وجدت ميركل في الرئيس الأميركي الأسبق “باراك أوباما” رفيقاً يشاركها التفكير نفسه، فقد أغلق ملفات التحقيق بحق حزب الله في الولايات المتحدة، وهي الملفات التي لم يُعد فتحها إلا في عهد ترامب».

ويضيف الباحث المختص بشؤون العشائر الإجرامية في ألمانيا: «السلطات الألمانية علمت أن حزب الله أقام بنيته التحتية في ألمانيا، إلا أنها افترضت أن هذه البنية  لن تخدم الإرهاب. وبعد الهجوم الإرهابي في #بلغاريا، عام 2012، والذي أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين، وضع الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله على قائمة الإرهاب، وفي العام 2019 تم تصنيف حزب الله على قائمة الإرهاب في #بريطانيا وهولندا وكندا والولايات المتحدة، ومع اكتشاف نترات الأمونيوم، المخزنة في جنوب ألمانيا، صنّف السياسيون الألمان حزب الله، في العام 2020، منظمةً إرهابيةً، إلا أن هذا لم يؤد لنتائج كبيرة داخل ألمانيا، فعلى الرغم من العلاقات الوثيقة والواضحة بين إيران وحزب الله من جهة،، و”المركز الإسلامي الإيراني” في مدينة “هامبورغ” الألمانية، من جهة أخرى، يرفض المسؤولون الألمانيون قطع الحوار مع المركز، وأصرّت #برلين على أن يكون الإيرانيون ممثلين في المجلس الاستشاري لكلية الفقه الإسلامي الجديدة في ألمانيا».

 

«ألمانيا ليست متهاونة»

الباحث البريطاني “رشاد علي”، المتخصص بشؤون مكافحة الإرهاب، يرى أن «ألمانيا تفضّل الدبلوماسية للحفاظ على مصالحها  الاقتصادية، ولا ترى أن إيران تشكل تهديداً مباشراً لها».

إلا أن “علي” لا يعتقد، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن ألمانيا متهاونة مع النشاط الإيراني: «في الواقع كثير من الأشخاص في ألمانيا ينتقدون إيران بشدة، سواء كانوا محافظين أو ليبراليين أو حتى يساريين متطرفين، فضلاً عن الجالية اليهودية، والإيرانيين المعارضين المنفيين. وفي وقت سابق من العام الفائت تم حظر حزب الله فعلياً في ألمانيا. والمخابرات الألمانية ذكرت، في تقريرها السنوي، أن إيران تشكل تهديدا على ألمانيا. فيما تجمع وزارة الداخلية الألمانية معلومات عن “فيلق القدس” الإيراني، الذي يتجسس على الجماعات الموالية لإسرائيل في أوروبا، كذلك تقوم باعتقالات ومحاكمات للعملاء الإيرانيين، بما في ذلك من خططوا للهجوم على منظمة “مجاهدي خلق”، في العاصمة الفرنسية باريس».

من جهته يرى “محمد محسن أبو النور”، رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الايرانية” (أفايب)، أن «هناك عنصرين أساسين، يحكمان التصور الاستراتيجي الألماني تجاه إيران، فألمانيا تُعلي المصالح الاقتصادية على المصالح السياسية والأمنية تاريخياً، وللمستشارة الألمانية مقولة مشهورة: “دعونا نتاجر”. لذلك كانت ألمانيا أول دولة تذهب بوفد اقتصادي الى إيران، بعد إتمام الاتفاق النووي، وكانت الشركات الألمانية من أوائل الشركات، التي استثمرت في إيران، وأنشأت فروعاً لها، بما يتعلق بقطع غيار السيارات والمعدات المائية والأدوات الميكانيكية الأخرى، التي تشتهر بها ألمانيا، لكنها في المقابل غير متهاونة أمنياً مع إيران، فقد ألقت، في السنوات الأخيرة، القبض على عدة عناصر تابعين لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، كانوا يقيمون في الداخل الألماني، وكان لبعضهم صفة دبلوماسية في السفارة الإيرانية في برلين، أو القنصليات الإيرانية في عدة مدن ألمانية. وحتى لو بدا هذان الموقفان متناقضين، فهما ليسا كذلك، فطالما تستطيع ألمانيا الموازنة بين الأمن والاقتصاد، تستطيع الاستمرار بإقامة علاقات جيدة مع إيران».

 

«تساهل مع الشيعية السياسية»

بالعودة لـ”رالف غضبان” فإن «الجمعيات التابعة لحزب الله تحت مراقبة الأجهزة الأمنية الألمانية، منذ حظر نشاط الحزب، إلا أنها لا تُعتبر بالضرورة إرهابية».

ويرى أن سبب الموقف الإيجابي الألماني تجاه الإسلام السياسي هو محاولة السياسيين الألمان «إبقاء الإسلاميين تحت السيطرة، من خلال الحوار. إنهم يميزون بين “الإسلاميين الشرعيين”، الذين يريدون تحقيق أهدافهم دون عنف، مثل جماعتي الإخوان المسلمين و”ميلي غروش” التركية، وبين الجهاديين الذين يمارسون الإرهاب. ويرفض السياسيون الألمان قبول أن جميع الجهاديين يأتون أساساً من الإسلام السياسي “الشرعي” المُفترض»، حسب تعبيره.

«ألمانيا ترى أن المذهب الشيعي هو يسار الإسلام، وأكثر المذاهب الإسلامية انفتاحاً على المسيحية، وخاصة المذهب البروتستانتي السائد في ألمانيا»،  بحسب الباحث “محمد محسن أبو النور”، الذي يضيف: «رصدت تقارير كثيرة تحولاً لإيرانيين، مقيمين في ألمانيا وأوروبا، من المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري إلى المسيحية، وقيل أن بعض الكنائس الصغيرة، التي كادت تغلق أبوابها بسبب إحجام الألمان عن إقامة الشعائر فيها، بدأت تزدهر مرة أخرى، بسبب نشاطاتها التبشيرية بين الإيرانيين، من مقيمين أو لاجئين سياسيين».

الكاتب الصحفي العراقي “سالم رزق” يرى أن «حكومة ألمانيا لا تريد ان تدخل نفسها في صراع  مع مليشيات شيعية على أراضيها، وذلك لتخوفها من قيام تلك الميلشيات بعمليات إرهابية».

وأشار “رزق”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى «العلاقات القوية بين ما يسمى في ألمانيا بـ”العشائر العربية”، أي المافيات الإجرامية، التي ينحدر كثير من أفرادها من أصول لبنانية، وبين  حزب الله»، وأضاف أن «ألمانيا لا تمتلك معلومات كبيرة عن “العشائر العربية”، رغم تنفيذها عدة عمليات ضدها، والسبب أن هذه المافيات تعمل بسرية، وهناك اثنتي عشرة عائلة لبنانية كبرى في ألمانيا، تمارس أعمالاً إجرامية، ومن الصعب الإحاطة بنشاطاتها».

ويختتم حديثه بالقول: «ليس حزب الله فقط من يملك نفوذاً في ألمانيا، فهناك ميلشيات شيعية أخرى، تقوم بأعمال غير مشروعة، وحتى هذه اللحظة لم تقم أي حكومة غربية بضرب نشاطات هذه الميلشيات، ما عدا الحكومة الأميركية، ولكن ليس بشكل كبير».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.