ما يزال آلاف المعتقلين، في العراق، يقبعون في السجون لسنوات عدة، دون النظر بقضاياهم، لأسباب بعضها سياسية، والأخرى تتعلّق بسوء التنظيم الإداري في المحاكم العراقية، بحسب شهادات عدد من الموقوفين.

وتصاعد الحديث، في الآونة الأخيرة، حول أوضاع المعتقلين في السجون العراقية، مع المطالبة بالنظر في قضاياهم، ومحاكمتهم أو إطلاق سراحهم، إذا لم يثبت تورطهم بأي من التهم الموجهة ضدهم، وهذا الأمر نصّه وكفله #الدستور_العراقي.

مفوضية حقوق الإنسان في العراق سجّلت خروقات وانتهاكات جسيمة في عدد من السجون، مع رصدها لانتشار الأمراض المعدية، نتيجة الازدحام الكبير داخل الزنزانات، فضلاً عن ممارسة أساليب وحشية، أثناء التحقيق، لانتزاع الاعترافات بالقوة.

 

قصص من داخل الزنازين

“أمير”، اسم مستعار لمعتقل عراقي سابق، أُفرج بعد اعتقال دام لتسع سنوات، لعدم ثبوت الأدلة الكافية بشأن التهم الموجهة ضده، ويروي، في حديثه لـ«الحل نت»، تجربته في السجون العراقية: «اعتُقلت، لمدة تسع سنوات، لأني كنت أعمل في مجال حماية أحد المسؤولين العراقيين، المتورطين بقضايا فساد وإرهاب، ولإيماني بأن جميع من يعمل مع هذه الشخصية ستطاله ذات التهمة، قررت مغادرة البلاد، ولكن، لسوء حظي، لم أتمكن من السفر، واعتُقلت في المطار، بتهمة الإرهاب».

ويضيف: «كنا تسعة أشخاص، نعمل بوصفنا فرقة حماية لذلك المسؤول، تم اعتقالنا جميعاً، وتعرضنا لشتى أنواع التعذيب، لشهور عدة، ومن ثم تم رفع قضيتنا للمحاكم، لأكثر من مرة، دون أن يتم النظر فيها بشكل جدي. قامت عائلتي بتوكيل أكثر من محامٍ، ولكن دون جدوى، حتى فقدت الأمل، وتركت العراق، وها أنا اليوم يُفرج عني، لعدم ثبوت الأدلة الكافية لتجريمي، بعد كل تلك السنوات».

أما “فراس”، البالغ من العمر أربعين عاماً، والمعتقل مع ثلاثة من إخوته، فيقول لـ«الحل نت»: «اعتُقلت، أنا وإخوتي الثلاثة، دون أي تهمة حقيقية، وإنما لانتماء أخي الرابع لمجموعة متطرفة، في عام 2008، وتمكّنه من الهرب، إلى جهة غير معلومة، قبل اعتقاله».

ويتابع: «بعد هروب أخي الرابع، دهمت قوة أمنية ملثّمة بيتنا، لتقوم باعتقالنا جميعاً، ونُقلنا، فيما بعد، إلى سجن “الحوت”، حيث تعرضنا للتعذيب، بأبشع الأساليب، ومن ثم رُفعت أوراقنا لقاضي التحقيق، وأُفرج عنا مقابل مبلغ مالي».

 

سجون إنفرادية والاعترافات بالاكراه

ضابط في أحد الأجهزة الأمنية العراقية، رفض الكشف عن اسمه، أكد، لموقع «الحل نت»، أن «المعتقلين في السجون العراقية يعيشون في حالة يرثى لها، فيقبع معظمهم في زنازين انفرادية، ويتعرّضون للتعذيب الجسدي والمعنوي، ومختلف الإهانات».

ويتابع بالقول: «السجون تفتقر لأبسط الخدمات الضرورية، كما أن هنالك محاجر انفرادية، يُترك فيها السجناء لمدة أشهر، دون أن توجه لهم أية تهمة».

شهادة الضابط العراقي يؤكدها الحقوقي “جمعة المياحي”، فالسجون العراقية «مكتظة بالمعتقلين، ولا تراعي الجوانب الصحية، من حيث البناء والطبيعة البيئية، مما يسهّل انتشار الأمراض داخلها».

ويبيّن “المياحي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه «يجب إعادة النظر بقضايا أعداد كبيرة من المعتقلين المظلومين، مع الانتباه إلى أنه قد يتم تضليل المحاكم بأدلة زائفة، تختلقها جهات التحقيق، بعد انتزاع اعترافات المتهمين بالإكراه، مما يتطلب ضرورة تحديد الجهات المختصة بالتحقيق، لأن البلاد فيها أكثر من اثنتي عشرة جهة تحقيقية».

 

رأي غاضب لمفوضية حقوق الأنسان

وتُرجع مفوضية حقوق الإنسان في العراق أسباب الانتهاكات، التي يتعرض لها المعتقلون العراقيون، إلى «عدم حصر الجهات التحقيقية، وغياب الشفافية».

“على البياتي”، عضو المفوضية، أكد لـ«الحل نت» أن «بعض المتعقلين يتم اعتقالهم بتهم كيدية، والبعض الآخر لتشابه الأسماء، ولكن ما يمرّ به هؤلاء المعتقلون من مراحل، منذ اعتقالهم، وحتى وصولهم للقاضي، يشهد كثيراً من الممارسات، البعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان، بسبب غياب الشفافية. كما أن مفوضية حقوق الإنسان في العراق ليست قادرة على التحرك بمرونة وحرية تامة، على الرغم من أن القانون العراقي يضمن لها حرية التحرك، ولكن استجابة الجهات الأمنية العراقية ليست بالمستوى المطلوب، وتحديداً عندما تتعلق القضية بالإرهاب».

“البياتي” لا يخفي خيبة أمله من استمرار الانتهاكات، ويؤكد أن «مفوضية حقوق الإنسان لم تر، حتى الآن، اي سعي من #الحكومة_العراقية لمحاسبة الجهات، التي قامت بالتعذيب وانتهاك حقوق السجناء، خلال فترة التحقيق. وبحسب اعتقادي فإن هذا الأمر يعود لعدم وجود مبادئ حقيقية للمؤسسات الأمنية العراقية، وغياب الشفافية فيها، وعدم تقبّلها لفتح أبوابها للجهات الرقابية، التي توفر ضمانات حقوق الإنسان».

ويشرح المسؤول في المفوضية تصوراته لوقف الانتهاكات المستمرة: «يجب أن يتم التعاون مع منظمات المجتمع المدني، ومفوضية حقوق الإنسان في العراق، بحسب القانون، لمراقبة طريقة العمل في السجون والمؤسسات الأمنية، فضلاً عن ضرورة تشريع كثير من القوانين، التي تحفظ للإنسان حقوقه، وحصر أوامر الاعتقال بيد القضاء، والالتزام بتوقيتات احتجاز المتهم، لحين محاكمته أو إخلاء سبيله، وعدم المماطلة مهما كانت الأسباب».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.