تفرش “شيخة علي” أكوام السبانغ الخضراء أمام باب منزلها في بلدة #الشدادي بريف #الحسكة، وترتب صناديق الخضار بعناية منذ ساعات الصباح الأولى لتقوت بها عائلتها الكبيرة.

فأجبرها وفاة زوجها قبل عام واختطاف أبنائها الثلاثة على يد تنظيم #داعش قبل ست سنوات أن تتحمل مسؤولية رعاية أحفادها العشرة وزوجات أبنائها المُغيبين.

تروي “علي” صعوبات الحياة في رحلة كفاح أثقلت كاهلها وخاصة عقب رحيل زوجها، بعد ما كانت تتعاون معه لتعول أسرتها وتثبت جدارة قدرتها على مؤازرة عائلتها ومواجهة كل التحديّات في بلد شكلت الحرب فيه منعطفاً في حياة المواطنين، لا سيما النساء اللواتي انعكس عليهن العبء الأكبر في رعاية أسرهن وتوفير لقمة العيش.

وتقول لـ(الحل نت): «أفكر في تحويل أحد غرف المنزل المُطلة على الشارع إلى محل  بمواصفات جيدة من أجل جذب المواطنين للشراء، في خطة أريد تنفيذها في الأشهر القادمة، فظروف البيع على رصيف البيت وفي برد الشتاء القارص متعب جداً، كما أن الحي الذي أسكنه لا توجد فيه محلات لبيع الخضروات والفاكهة، وهو ما يجعلني أفكر في توسيع مشروعي وبيع مواد غذائية أيضاً».

وخلال حديثها عن اختطاف أبنائها الثلاثة، لا تزال “شيخة علي” متأملة عودتهم بعد اختطافهم من البلدة من قبل عناصر التنظيم، وتقول: «بعد خروجهم للعمل في البناء لم يرجعوا للبيت، لذلك بحثنا عنهم طويلاً، حيث أخبرونا زملائهم في العمل عن قدوم دورية لمُسلحي التنظيم، ووجهوا اتهامات لهم بالتعاون مع “وحدات حماية الشعب” التابعة لـ #الإدارة_الذاتية، ومن ثم اعتقلوهم»، مضيفةً «لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى يومنا هذا، لكني متأملة بأنهم لا يزالوا على قيد الحياة وسيعودون يوماً ما».

في حين، باتت “عنود”، الأم الثكلى والجدة لثلاثة أيتام، تتحمل المسؤولية الكاملة عن العمل بعدما أصبحت المُعيل لأسرتها، عقب مقتل ابنها “جاسم” من قبل عناصر التنظيم، تاركاً ورائه ثلاثة أطفال.

وتقول “عنود” المُنحدرة من مدينة #الرقة، إنها تعتمد في إعالة أسرتها على حليب أبقارها وصناعة اللبنة والقشطة والجبنة، وبيع تلك المشتقات في السوق لتأمين قوت الأحفاد الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثالثة عشر.

ولا تخفي تجاعيد وجهها ملامح الكد والتعب، فيما تضيف لـ(الحل نت): «الغلاء المعيشي الفاحش يُجبرنا أن نرفع أسعار منتوجاتنا من الجبنة واللبن واللبنة والحليب، وبالرغم من أن رعاية الأبقار مكلفة، لكنها سترتنا من العوز».

من جانبها، أشارت الناشطة المدنية من الرقة، “لجين شامل”، إلى أن «الحرب جعلت من المرأة السوريّة سلسلة كفاح لا تنتهي، حيث استطاعت أن تثبت للمجتمع بأنها قادره على مساندة الرجل في أسوأ الظروف، وهناك نماذج كثيرة لبعض النساء التي ساهمن في تسيير وتدبير متطلبات الحياة، فضلاً عن توفير لقمة عيش لأفراد أسرهن منذ اندلاع الحرب في سوريا وحتى اللحظة».

وأضافت لـ(الحل نت): «خلال السنوات الماضية وبعد تحرير الرقة من “داعش”، فقدت العديد من العوائل مُعيلها، فأُجبرت النساء على تحمل مسؤولية عوائلهن واستطاعت مقاومة ظروف الحرب، بالإضافة إلى دورها في تربية الأبناء، حيث أصبحت نموذجاً يُحتذى به في تحمل تكاليف الحياة».

فيما روت “عنود” سبب قتل داعش لابنها، وقالت: «كان ابني كاتب كلمات أغاني شعبية، الأمر الذي يعتبره التنظيم إلحاداً وشركاً بالله، فجاءت دورية من مُسلحيه وشنو حملة اعتقال على أبنائي الثلاثة “عدي” و”جاسم” و”غانم”، بتهمة الردة، وذلك بمساعدة أحد جيران حي “البدو” الذي كنا نعيش فيه ممن جندهم التنظيم كعيون ترقب الرافضين لوجوه».

وتردف بالقول: «بعد العديد من الوساطات، أطلق التنظيم سراح ابني “عدي” الذي توفي قبل ثلاثة شهور بعد معاناة مريرة مع  مرض السرطان، فيما نفذ عناصر التنظيم عملية إعدام ميدانية بحق ابني “جاسم” وضربوا عنقه عند #دوار_النعيم الذي بات يُعرف لدى أهل المنطقة خلال فترة حكم “داعش”، بـ “دوار الجحيم”، بسبب تحويله إلى مسلخ لإعدام المخالفين لأفكاره، ولا يزال مصير ابني “غانم” مجهولاً حتى اليوم».

وهكذا تستمر المرأة السوريّة بدفع الثمن الباهظ لفاتورة الحرب الدائرة في البلاد منذ عشر سنوات، إضافةً إلى فقدان مئات الآلاف من النساء وظائفهن وأعمالهن، ولا يزلن يتحملن بإرادة حديدية مسؤولية إعالة أسرهن والحفاظ عليها من التفكك، خصوصاً من فقدن ابنائهن وأزواجهن وأقاربهن بسبب الحرب.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.