“الأدوية للأغنياء والمقتدرين، أما الفقراء فليس لهم إلا رحمة الله”، لعل هذه الكلمات التي قالها الموظف المتقاعد “أبو محمد” تُلخص حال الواقع الصحي والدوائي في #دمشق وسوريا عموماً.

لم تعد معاناة السوريين اليومية مقتصرة على طوابير #الخبز والمحروقات وغيرها من المواد الأساسية، بل امتدت إلى الأدوية، وأصبحت بأسعار مضاعفة “إن وجدت”، وتوافرت في الصيدليات.

وأمام هذه الأزمة الممتدة منذ أشهر في الحصول على الأدوية خصوصاً بعد انتشار فيروس “#كورونا”، بدأ الناس التوجه نحو التداوي بالأعشاب كخيار بديل، نظراً لكونه متوافر، وأقل تكلفة، مقارنة بالأدوية داخل الصيدليات.

الأسعار زادت 500%

يروي “أبو محمد” وهو مُدرس متقاعد معاناته المستمرة في الحصول على الأدوية، خصوصاً وأنه يعاني من أمراض مزمنة، وقال «رغم أنني عضو في نقابة المعلمين واستفيد من التأمين الصحي والدوائي، إلا أن أسعار الدواء باتت غير منطقية، إذا كانت متوافرة».

وأضاف الأستاذ المتقاعد لموقع (الحل نت) أن «راتبي التقاعدي لا يتعدى 45 ألف ليرة، وأحتاج شهرياً إلى أدوية للقلب وضغط الدم والسكر، وغيرها من الفيتامينات ومميعات الدم، قبل أشهر كنت أشتريها بـ 4 آلاف ليرة مع الخصم كوني عضو نقابي، إلا أن أسعار الوصفة الطبية اليوم باتت مضاعفة، ووصلت لـ12 ألف #ليرة».

من جهتها، قالت “ناهد” وهي ربة منزل إن «أسعار #الأدوية حالياً زاد خمسة أضعاف عما كان عليه الوضع قبل 6 أشهر، إذ وصل سعر أدوية السعال التي كنا نشتريها سابقاً 500 ليرة، لكنها الآن بـ3 آلاف ليرة، وكذلك الأدوية المسكنة كالسيتامول الذي وصل سعر الظرف الواحد منه نحو 600 ليرة».

وأكدت “ناهد” لموقع (الحل نت) أن «معظم الأدوية التي تُباع في الصيدليات قليلة الفعالية، وتحمل أسماء وعلامات تجارية مختلفة، والكثير من الصيادلة لا يلتزمون بالتسعيرة، فعلبة فيتامين سي تجدها في صيدلية بـ 10 آلاف، وفي صيدلية أخرى بـ 15 ألف ليرة».

أدوية غالية ومفقودة.. مالسبب؟

وكان نقيب صيادلة سوريا “حسام الشيخ” برر لصحيفة (البعث) الحكومية، أزمة الأدوية الحاصلة في سوريا، وأكدت أنها جاءت نتيجة «فرض قانون #قيصر، الأمر الذي أجبر مستوردي الأدوية اللجوء إلى طريق طويل من الناحية الزمنية لإيصال المواد اللازمة».

لكنه أشار في نفس الوقت إلى أن «الدواء سلعة يتعلق سعره بتقلُّب سعر الصرف وقوة الليرة، وأن عملية رفع أسعار الأدوية خيار إجباري».

في السياق، أكد “أحمد العواد” الذي يعمل كموزع أدوية للصيدليات أن «المعامل التي أتعامل معها تندر فيها أدوية الأمراض المزمنة كالقلب والسكري والضغط، وذلك بسبب توقف المعامل مؤخراً عن إنتاجها، مقابل اعتماد هذه المعامل على إنتاج الأدوية المسكنة للآلام وتصديرها إلى دول الجوار، خصوصاً مع فترة انتشار وباء كورونا».

وأضاف العواد لموقع (الحل نت) أن «هناك سبب آخر لارتفاع أسعار الأدوية وفقدانها بالأسواق متعلق بفيروس كورونا أيضاً، حيث أن معظم المعامل كانت تتعامل مع شركات الأدوية الصينية والإيرانية في جلب المواد الأولية، وتوقف الاستيراد منها، فأصبحت المعامل تحتكر ما لديها من أدوية وتبيعها بأسعار جديدة، وبالتالي الصيدلي سيرفع السعر مرة أخرى، في ظل غياب الرقابة على العملية بمجملها، والنتيجة ما نشاهده من أزمة دواء متفاقمة»بحسب العواد.

وكان الرئيس السوري “#بشار_الأسد” أصدر مرسوماً جمهورياً رقم 14 بتاريخ 13/07/2020، يقضي بإعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية البشرية، من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعريفة، وكافة #الضرائب والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد.

وبلغت قيمة المستوردات من الأدوية خلال النصف الثاني من العام الماضي نحو 60.3 مليون يورو، بحسب ما أفاد به “حسين عرنوس” رئيس مجلس الوزراء قبل أيام، في جلسة لـ”مجلس الشعب”.

وعن أزمة الأدوية قال عرنوس «سنتابع موضوع تباين أسعار الأدوية بكل اهتمام، ومن الغريب أن يكون هناك تباين بين صيدلية وأخرى حول سعر لزمرة دواء تنتجها شركة واحدة»، على حد قوله.

“دواك عندي” على فيس بوك!

وأمام هذه الفوضى في توافر الأدوية، وتكاليفها المرتفعة، لجأ العديد من السوريين إلى خيارات بديلة لتأمين ما يلزمهم من أدوية، ووجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لتبادل الأدوية أو توزيعها مجاناً، إن توفرت بكميات خجولة.

ومن بين تلك المبادرات، انتشرت مجموعة على موقع فيسبوك تحمل اسم “دواك عندي”، ويتم فيها تبادل الأدوية من خلال منشورات على المجموعة تحمل اسم الدواء والكمية الموجودة، إضافة إلى وجود بعض المنشورات التي يتم فيها عرض أدوية لم يعد أصحابها بحاجتها، وتقديمها بشكل مجاني.

وينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عدة مجموعات وصفحات تحمل نفس الاسم، وعادة ما يُكتب أن الغرض من هذه الصفحة أو المجموعة التخفيف من وطأة ارتفاع أسعار الدواء، وإمكانية تقديمه للكثير من المرضى ممن هم بحاجة إليه، كما يتم تبادل المعلومات حول الصيدليات التي يمكن أن يتوفر فيها نوع من الأدوية المفقودة، أو من الصعب الحصول عليها.

الأعشاب.. “صيدلية البيت”

لم تكن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خيار السوريين الوحيد في الحصول على الأدوية، فالكثير منهم تخلى عن فكرة “الأدوية”، وتوجهوا نحو التداوي بالأعشاب كخيار مقبول وأقل تكلفة وعناء.

“عبد الهادي” وهو موظف ورب أسرة مكونة من 4 أشخاص، كان من بين الأشخاص الذين تخلوا عن فكرة الأدوية، إذ لجأ إلى الأعشاب عند المرض، وقال «منذ عام وأنا لا أشتري الأدوية، وأجد ما أحتاجه في محلات العطارة المنتشرة في العاصمة دمشق، وفي سوق البزورية بدمشق تحديداً».

وأضاف لموقع (الحل نت) أن «هناك أعشاب من ورق الزعتر البري، وزهر الختمية، أستخدمها في حالات التهاب الحلق والسعال والتحسس الصدري، لا يتجاوز سعرها 700 ليرة سورية، في حين لا يقل سعر وصفة طبية لأدوية هذه الأمراض عن 5 آلاف ليرة سورية، إن وجدت أصلاً في ظل هذه الظروف».

بدورها، ترى أخصائية التغذية الدكتورة “رانية شبيب” أن «الاعتماد على التداوي بالأعشاب بدلاً من الأدوية لأنها بديل رخيص لكثير من العائلات السورية، وهناك أعشاب متداولة ومعروفة لكثير من السوريين أثبتت فعاليتها، لكنها في معظمها إما تكون مسكنة للآلام، أو علاج لأمراض عرضية، وغير مزمنة».

ولفتت الدكتورة شبيب في حديث لموقع (الحل نت) إلى أنه «مع جائحة كورونا، انتشرت العديد من الوصفات الطبية التي تعتمد على الأعشاب على شكل خلطات ومنتجات وحبوب غير معروفة المصدر والمكونات، وهنا لا بد أن ننبه إلى خطورة هذا النوع من الأدوية، وضرورة الابتعاد عن شرائها».

كما حذرت أخصائية التغذية من «الاستعاضة عن الأدوية للأشخاص الذين لديهم أمراض مزمنة كالسكري والقلب، بالأعشاب والمنتجات الطبية التي تعتمد على الأعشاب في صناعتها، وتُباع في الأسواق العادية دون ترخيص طبي، والتي من الممكن أن تسبب أعراض جانبية مميتة».

وكان عضو نقابة صيادلة دمشق “شادي الخطيب”، أكد في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية أنه “من الناحية القانونية، لا يوجد شيء اسمه “رخصة” طبيب أعشاب في سوريا، وأن العطارين الموجودين مُرخص لهم ببيع الأعشاب فقط دون استطباب وخلطات، والمشكلة أنه يتم تصنيع هذه الأعشاب في المحلات وبيعها دون رقابة وترخيص من وزارة الصحة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.