إعداد: محمد سامي الكيال وعلي الكرملي

لا تحتاج “ظاهرة العطواني” في العراق كثيراً من التعريفات، هنالك أعراس شعبية، تقام غالباً في “مدينة الصدر” شرقي #بغداد، يظهر فيها شبان، لم يتجاوزوا منتصف العقد الثالث من العمر، يرتدون ملابس غير مألوفة، ويضعون مساحيق التجميل على وجوههم، يرقصون بانطلاق، ودون مراعاة كبيرة للتصورات الجندرية السائدة، في المجتمع العراقي، عن الجسد الذكري.

“زهير العطواني” هو الشخصية المركزية في هذه الظاهرة: مصور عراقي نال شعبية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يسجّل تلك الأعراس، مركّزاً على أجساد الراقصين، وتسريحات شعرهم. فلا يكتمل الحدث دون كاميرا “العطواني”، وكأن اشتغال الشباب على أجسادهم لن يكتسب المعنى إلا عندما يوثّقه المصوّر، المنحدر بدوره من “مدينة الصدر”. وربما لهذا باتت أغنية “صورني يا عطواني” أشبه بنشيد رسمي لـ”العطوانيين”.

يتم ربط الظاهرة غالباً بنوع من التمرد على العادات والتقاليد العشائرية، والانفتاح على العالم، بعد سنوات من هيمنة الميليشيات الشيعية على الشارع العراقي. ويدور، بالطبع، جدل حول الميول الجنسية لهؤلاء الشبان، هل يشهد العراق بروز نوع محلي من الهوية المثلية جنسياً؟

لا يشبهون أحداً

“حسين حاتم”، شاب يقطن “مدينة الصدر”، أكد لموقع «الحل نت» أن: «الأعراس الشعبية موجودة دائماً، كما أن تصوير الأعراس متوارث منذ عشرات السنين، وليس وليد اليوم، ولكن “العطواني” أضاف أشياء جديدة على هذه الأعراس، منها التركيز على الأشكال الغريبة، مثل  الشعر الملوّن والطويل، والملابس التي لا تمت للموديلات الحديثة ولا القديمة بصلة».

ويضيف أن «”العطواني” عرف كيف يسوّق عمله، ويحقق مشاهدات كبيرة على صفحاته في مواقع التواصل، من خلال تنفيذ سيناريوهات غريبة، في بداية كل مقطع فيديو، لإجبار المشاهد على فتحه والتعليق عليه، سلباً أو إيجاباً، ومشاركته أحياناً. ومن هذه السيناريوهات أن العريس يحمل سلاحاً أثناء الرقص، أو يرفع أدوات عمله، وهو بكامل أناقته، وغيرها كثير من الحركات غير المألوفة».

حديث “حاتم” يؤشر بالفعل إلى أن ما يعد “انفتاحاً على العالم”، في ممارسات شباب “مدينة الصدر”، هو نوع من المحاكاة شديدة المحلية، التي تدمج رموزاً من الثقافة العشائرية، مثل التفاخر بالسلاح، بأشكالٍ يُفترض أنها مستوحاة من الموضة المعاصرة. لا يبدو “العطوانيون” بهذا المعنى شبيهين بأحد، بل ينتجون هيئاتهم الخاصة، من خلال عمليات معقّدة من التبيئة والمحاكاة والدمج وإعادة الإنتاج. كما أنهم لا يقومون بتمرد واعٍ على التقليد، بقدر ما يحاولون الاستمتاع بمفردات عالمهم، دون ادعاءات كبيرة.

الصحفية العراقية “هدى العزاوي” ترى أن أعراس “العطواني” «بدأت تطفو على سطح العادات والتقاليد، بوساطة وسائل التواصل الاجتماعي، التي سهّلت عملية تداولها، حتى استولى “العطواني” على المشهد التكنولوجي، بفيديوهات  تثير الجدل حول حقيقة الشباب العراقيين، وكيفية تصنيفهم. فما يتم تداوله عن الأعراس الشعبية، وما يحدث خلف كواليسها، ما هو إلا صورة مشوّشة عن ثقافة  المجتمع العراقي، وليس لها دخل بالحداثة أو الانفتاح».

إلا أن “العزاوي” لا توضح الأسس، التي بنت عليها تصوراتها عن “ثقافة المجتمع العراقي”، هل الممارسة الثقافية والاجتماعية، التي يقوم بها “العطوانيون”، أقل عراقية من ممارسات العشائر أو الميليشيات مثلاً؟ ولماذا؟ من يحدّد ما هو “عراقي أصيل” حقاً؟

انفجار اجتماعي

لكن لماذا ظهرت هذه الأعراس بهذا الشكل وهذا النموذج، بشفاه حمراء ووجه شبه وردي، وقصّات شعر غير مألوفة؟

بحسب الباحث الاجتماعي “مسلم هاني” فإن «ظهور هذا النوع من الأعراس نتيجةٌ للحرمان الطويل، الذي عاشه الشباب، بسبب الضبط الاجتماعي والعشائري الخانق، قبل عام 2003، ومن ثم سيطرة “جيش المهدي”، وبقية الميليشيات المتشدّدة دينياً، على المنطقة، فنجد أن الشباب انفجروا، وتمرّدوا بهذا الشكل غير الواعي».

يمكن الحديث إذاً عن نمطين من السلطة الاجتماعية، غير متلازمين بالضرورة، فالسلطة العشائرية تفككت وضعفت كثيراً، نتيجة هيمنة الميليشيات العقائدية. وربما يمكن القول إن “العطوانيين” وجدوا فسحة ما، مع تحلل البنى الاجتماعية التقليدية، وقدرتها على الضبط والهيمنة، إلا أن هذا لا يعني أنهم آمنون من حراب الميليشيات.

يتلبّسون المثليّة

ولكن هل هم مثليون جنسياً؟ الباحث النفسي “محمد راضي” يحاول الإجابة على هذا السؤال بالقول: «المثلية موجودة ومنتشرة بالعراق، لكنها مستترة، نتيجة العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، التي قد تؤدي لقتل المثليين أحياناً».

ويستدرك “راضي” بالقول: «أما فيما يخص من يظهرون بمقاطع “العطواني” فهم ليسوا بمثليين، فكثير منهم يمارس حياته بشكل اعتيادي، ويتزوّج النساء وينجب الأطفال، لكن الأشكال التي يظهرون بها تتلبّس المثليّة شكلياً، أما في الحقيقة فهم، على الأقل أغلبهم، ليسوا كذلك، فأنا أعرف شخصياً كثيراً من الشباب، الذين يحبون الظهور بهذا المظهر، دون أن يكون لهم أية ميول مثلية».

وبالعطف على حديث “راضي” يجمع كثير من المختصين أنه لا صلة لازمة بين أشكال معينة من تسريحات الشعر أو الملابس وبين الميل المثلي. كما أن “الميل الجنسي” يختلف عن “الهوية الجندرية”، فميل الفرد إلى أشخاص من جنسه نفسه، لا يعني بالضرورة أنه تخلى عن العناصر والمظاهر الأساسية، للتحديدات الاجتماعية للذكورة والأنوثة، ويوجد كثير من المثليين، يصرّون على مظاهر الفحولة الذكورية، ويعتبرونها جزءاً من جاذبيتهم الجنسية.

وهكذا يبدو “العطوانيون” مبتكرين لنمط جديد من الهوية الجندرية، فبغض النظر عن ميلهم الجنسي، نرى في أعراس “العطواني” شكلاً وأداء مغايراً للذكورة العراقية، لا يشبه ما نراه لدى رجال العشائر أو مقاتلي الميليشيات، أو حتى الشكل السائد بين ما تبقى من ذكور الفئة الوسطى المتعلمة في العراق.

ربما كانت الأنماط السائلة للأداء الجندري والجنساني للطبقات الدنيا، في العالم العربي، ظاهرة أقدم مما يتصور كثيرون، وما اختلف هو أن وسائل التواصل الاجتماعي ألقت ضوءاً على ما تم نبذه دائماً من المتن الاجتماعي والثقافة السائدة.

يختلف “العطوانيون” عن الهويات المقبولة أيديولوجياً، لدى معظم الأطراف، بما فيها الأطراف “الليبرالية”، المدافعة عن الهوية المثلية المتعارف عليها، وفق النمط السائد لسياسات الهوية. وأبدوا من “مدينة الصدر”، المنطقة التي يتصور كثيرون أنها نموذج لهوية تقليدية مترسخة، دينياً واجتماعياً، أشكالاً مبتكرة للتعبير عن الذات والتعامل مع الجسد، ما قد يجعلهم محرومين من نعمة القبول والاعتراف الاجتماعي والأيديولوجي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة