في الخامس من شهر ديسمبر كانون الأول 2020، وأمام أحد حواجز الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري النظامي، تظاهر عشرات المدنيين من نازحي ومُهجّري #عفرين بمنطقة الشهباء شمال حلب، احتجاجاً على استمرار قرار  #الحكومة_السورية بمنع إدخال المحروقات والمؤن للمدن والبلدات التابعة لسلطة الإدارة الذاتية.

مضى على تلك التظاهرة، نحو ثلاثين يوماً، ولا تزال حواجز الجيش النظامي المنتشرة على الطريق بين مدينة حلب ومدن الشهباء، تفرض حصاراً خانقاً على المنطقة، وسط معاناة الأهالي.

فالحصار لم ينتهِ بمنع المؤن فحسب؛ بل شمل «السماد الزراعي والبذار  لمنع السكان من الأعمال الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بعد حرمانهم من الاحتياجات الأخرى، فمعظم سكان منطقة الشهباء يعتمدون على الزراعة»، يقول “عماد داوود” الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والرزاعة لإقليم عفرين في حديثه لـ (الحل نت).

رغم هذا الحصار «القاسي» وفق ما يصفه سكان تلك المناطق، لكن الحصار الفعلي على مناطق الإدارة الذاتية شمال حلب، بدأ منذ عام 2012 من جانب الفصائل الإسلامية المدعومة من تركيا مثل #جبهة_النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وفيما بعد تنظيم #داعش.

ومع بداية الهجوم التركي وفصائل المعارضة السورية المنضوية ضمن  «الجيش الوطني»  في يناير 2018 على مدينة #عفرين، ازداد الخناق أكثر، وتمثّل بحصارٍ مزدوج؛ تركيا وفصائل المعارضة من الشمال، والقوات النظامية من الجنوب.

يقول الصحفي السوري “إدريس حنان”: «نظراً لموقع مناطق الشهباء الاستراتيجي، تحاول العديد من الدول الإقليمية الوصول إلى المنطقة لتمرير أجنداتها، فهي من المناطق المهمة ضمن الجغرافية السورية، لذلك كانت تركيا سبّاقة في فرض سيطرتها على مدن الشهباء الرئيسة  مثل #جرابلس و#الباب و#إعزاز عام 2016 عبر أذرعها المتمثّلة بفصائل المعارضة السورية».

“حنان” أكّد في تصريحٍ لـ (الحل نت)، أن «هناك غطاء سياسي روسي للحصار الحالي الذي تفرضه تركيا وفصائل المعارضة من جهة، والقوات النظامية من جهة أخرى، على مناطق تابعة للإدارة الذاتية مثل #تل_رفعت واحرص وفافين والقرى التابعة لها، وقسم من مناطق شيراوا التابعة لعفرين، وحيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب».

الأشرفية والشيخ مقصود قبل شهرين من الحصار :

تمكّن (الحل نت) من الحصول على معلوماتٍ مؤكّدة من مسؤولٍ رسمي، عن الوضع المعيشي في حيي #الشيخ_مقصود و#الأشرفية الخاضعين لسلطة الإدارة الذاتية، قبل فرض الحصار الحالي.

يبلغ عدد العوائل في أحياء الشيخ مقصود وجزء من الأشرفية نحو ٢٢ ألف عائلة، وخلال الشهرين الماضيين فرضت الحكومة السورية الحصار مرتين على التوالي، الأول استمر ١٤ يوماً، والثاني بدأ يوم ١٩ نوفمبر 2020.

وبحسب المجلس المحلي العام لحيي الشيخ مقصود والأشرفية، كانت الحكومة السورية تسمح بإدخال الطحين والمازوت والغاز فقط، عبر تسليمها للمجالس المحلية.

أما الطحين فكان بمعدّل 32 طن فقط خلال الاسبوع، رغم حاجة سكان الحي إلى 22 طن في اليوم الواحد. وأما الغاز المنزلي، فيُوزّع 200 اسطوانة  في اليوم الواحد، باستثناء أيام الجمعة، أي 1200 اسطوانة غاز في الاسبوع.

ومادة المازوت لم تكن كمياتها بأفضل حال، إذ لم تمنح للسكان سوى دفعة واحدة وهي 100 لتر فقط، أما الدفعة الثانية فكانت الكمية أقل، بعد اقتطاع جزء منها.

مشروع الإدارة الذاتية الذي تقطّعت أوصاله:

تتبع (مقاطعة) الشهباء، وتضم (تل رفعت، فافين، احرص وكفر نايا ومجموعة قرى)، لإقليم عفرين، بحسب تقسيمات مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا الذي أُعلِن في السادس من أيلول سبتمبر 2018، استناداً إلى القرار المتخذ في المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطي (المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية) الذي عقد في 16 تموز عام 2018.

وتتشكل جميع مجالس الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من هيئات الإدارات الذاتية والمدنية وهي: الإدارة الذاتية الديمقراطية للجزيرة- الإدارة الذاتية لمنطقة الفرات- الإدارة الذاتية لعفرين- الإدارة الذاتية في منبج وريفها- الإدارة الذاتية في الطبقة- الإدارة الذاتية في الرقة- الإدارة الذاتية الديمقراطية في دير الزور.

لكن هذا المشروع الذي يمتد من مدينة (ديرك- المالكية) شمال شرقي سوريا إلى عفرين في شمال غربي سوريا، بما فيها أجزاء من شرقي سوريا، تقطّعت أوصاله بعد سيطرة تركيا وفصائل المعارضة السورية على مدنٍ بأكملها عبر عملياتٍ عسكرية متتالية تمت بتواطؤ روسي ورضا دمشق، بدأت بـ #درع_الفرات في أغسطس آب 2016، ثم #غصن_الزيتون يناير كانون الثاني 2018، و #نبع_السلام اكتوبر تشرين الأول 2019،

أنقرة حقّقت ما تريد ومهمة دمشق بدأت:

أعداء أمس أصدقاء اليوم، أو التقاء المصالح وتوافق المخاوف، إن كانت هذه أو تلك، بالمحصّلة اتّحدت دمشق وأنقرة (ولو بشكلٍ غير معلن) في وأد مشروع الإدارة الذاتية الذي ضمّ جميع مكوّنات مدن ومناطق الحسكة، الرقة، عفرين، كوباني وجزءٍ من ريف دير الزور، والذي يشكّل في المجمل، الشريط الحدودي المرعب بالنسبة لحكومة البلدين.

فأما تركيا التي تضم في حدودها الجنوبية مدناً كردية، تخشى من انتقال عدوى ما تسميه بالانفصال إلى حرمة دولتها، في حال استمرار تجربة الإدارة الذاتية في سوريا، لذلك لم تدّخر أي جهود للقضاء عليها، وخرقت ولا تزال تخترق سيادة الأراضي السورية، بذريعة القضاء على حزب العمال الكردستاني.

أما دمشق، فتخشى من خسارتها جزءاً مهماً من سوريا، وهي التي رُدّت إليها الروح بعد تدخّل روسيا العسكري خريف 2015 وإنقاذها؛ عقب خسارتها أكثر من ثلثي مساحة البلاد، واستمرار مشروع الإدارة الذاتية، خاصةً في شرق الفرات، يعني أن الحال قد يعود بها إلى ما قبل 2015، مع تنامي قوة تنظيم داعش مجدداً في البادية السورية.

لذلك كان عليها تأليب أبناء المنطقة على الإدارة الذاتية، تارةً تحت مزاعم الانفصال عن سوريا، وتارةً أخرى من خلال خلق التوتر باشتباكاتٍ مسلحة مع قوى الأمن الداخلي (الأساييش)، وهو ما حدث مؤخّراً بعد اتهام الأخيرة  بفرض حصارٍ على الأحياء الموجودة ضمن المربعين الأمنيين.

لكن واقع الحال، والصور والفيديوهات المسرّبة من مناطق الشهباء، مُغايرٌ تماماً لرواية دمشق، فالحصار الحقيقي الذي ما زال قائماً، هو على أبناء الشهباء، بمن فيهم مُهجّرو عفرين، منذ أكثر من شهرين.

«كانت الفرقة الرابعة التي تدير حواجز النظام، تسمح بإدخال بعض المواد منذ عام 2018 بعد دفع إتاوات لهم، لكن منذ شهرين منعت إدخال أي شيء الغاز والمازوت والأدوية والطحين وحليب الأطفال بشكل نهائي»، يؤكّد “داوود” خلال حديثه لـ (الحل نت).

الحصار المفروض على مدينة تل رفعت ودير الجمال واحرص وكفر ناصح والأحدث وأم حوش ونحو 42 قرية، يشمل كل شيء، بما فيه منع دخول وخروج المواطنين والآليات إليها، وكل من يحاول ذلك، يحتاج إلى دفع مبالغ كبيرة لعناصر الحواجز المنتشرة على طول الطريق بين مدينة حلب ومناطق الشهباء.

لكن مع ذلك، يبقى هناك حلٌّ ليس متوفّراً دائماً ويُكلّف مبالغ طائلة، حسبما يؤكّد “حنان”، ويقول لـ (الحل نت): «يعتمد السكان في تأمين حاجاتهم الأساسية على السوق السوداء من خلال تجارٍ متعاونين مع حواجز النظام وبأسعارٍ عالية جداً، وأغلب الأحيان يفتقد هذا السوق لبعض المواد الأساسية».

من جانيه، يشير الحقوقي “إبراهيم شيخو” المتحدّث الرسمي لمنظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا، إلى وجود «حالات اعتقال بحق أبناء مناطق الشهباء بلغت 12  حالة خلال الشهرين الماضيين، أثناء ذهابهم إلى حلب بداعي العلاج، أو اعتقال الشباب لزجهم في الأعمال القتالية بحجة تأدية الخدمة الإلزامية، إضافة إلى توقيف البعض الآخر  بتهمة العمل في مؤسسات الإدارة الذاتية في عفرين سابقاً. وإجبارهم على دفع فديات بمبالغ كبيرة مقابل إطلاق سراحهم».

استمرار الحكومة السورية في استفزاز الإدارة الذاتية، في مدينتي قامشلي والحسكة، تسبب بسلسلة من الاشتباكات، آخرها كانت منتصف كانون الثاني يناير الجاري، ولم تتوقف إلا بتدخلٍ روسي.

لكن مصادر مطّلعة أكّدت لـ (الحل نت) أن الحكومة السورية تحشد قوات إضافية في مناطق سيطرتها بمدينتي قامشلي والحسكة، استعداداً لما هو أسوأ في قادم الأيام، خاصةً بعد تأكّدها من صعوبة فرض سطوتها على مناطق لا تدين لها بالولاء.

«التصعيد الحاصل بين القوات النظامية وميلشيات الدفاع الوطني من جهة، وقوى الأمن الداخلي (الأساييش) من جهة أخرى، كان في معظمه مُدبّراً، بغية الضغط على الإدارة الذاتية وإرغامها على عقد اتفاقياتٍ مع دمشق يكون أحد بنودها إرسال المحروقات من حقول النفط الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية» يقول مسؤولٌ كردي لـ (الحل نت) شريطة عدم الكشف عن اسمه.

مؤكّداً: «وهو ما حصل بالفعل خلال آخر اجتماعٍ بين ممثلين عن دمشق وآخرين عن الإدارة الذاتية برعايةٍ روسيّة لإيقاف الاقتتال، أُرسِلت بموجبها عشرات الصهاريج الممتلئة بمادة المازوت إلى حلب، مقابل السماح للإدارة الذاتية بإدخال المؤن إلى مناطق الشهباء، لكن لم تفِ الحكومة السورية بوعودها، ومنعتنا من إدخال الطحين».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.