كشفت وزارة التخطيط العراقية، في نهاية العام الماضي، عن وجود أكثر من 6250 مشروعاً متلكئاً في التنفيذ، في مختلف المجالات وبعموم البلاد، وضمن قطاعات مختلفة، منها الصحة والتعليم ‏والسكن والنقل والمجاري والماء والكهرباء.

ملف المشاريع المتلكئة في العراق واحدٌ من ملفات الفساد الكبرى، التي لم تأخذ طريقها نحو القضاء، بسبب عمل جهات متنفّذة على الحيلولة دون ذلك، فضلاً عن أسباب أخرى، تتعلّق بالوضع الأمني للبلاد، وسيطرة الميلشيات على القرار الأمني، وفرضها الإتاوات، وتهديدها للشركات المنفّذة للمشاريع. إلى جانب وجود آلاف الشركات الوهمية، التي ساهمت بتفاقم عدد المشاريع المتلكئة، بحسب المراقبين للشأن للعراقي.

 

“الحكومة في مستنقع لا يمكن الخروج منه”

وتربط لجنة الخدمات النيابية أزمة المشاريع المتلكئة بما تتقاضاه الشركات من سُلف تشغيلية في بداية عملها، بنسبة 20% من التكاليف، لأن أغلب الشركات تأخذ هذه السُلف، ثم تتهرّب من انجاز المشاريع.

ويقول عضو اللجنة “جاسم البخاتي” إن «المشاريع المتلكئة خُصصت لها مئات المليارات، في ‏الموازنات السابقة، برغم أن نسبة إنجازها، قبل توقفها، كانت متدنية جداً»، لافتاً، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أن «هناك أسباباً عديدة لتلكؤها، منها الإحالة إلى شركات غير رصينة، تعود الى جهات تستغلّ طريقة ‏التعاقد، لتمرير عمليات فساد كبرى؛ أو إلى شركات غير متخصصة، فشلت في تنفيذ المشاريع».

ويصف “البخاتي” أزمة المشاريع المتلكئة بـ«مستنقع لا يمكن للحكومة العراقية الخروج منه، دون ‏خسائر كبيرة، ولهذا ستكون مجبرة على تخصيص الأموال لاستكمالها، منعاً لاندثارها أو تدميرها».

من جانبه يقول الخبير الاقتصادي “فالح علي” إن «60% من مشاريع العراق الخدمية متوقف منذ ست سنوات، بسبب شحّ التخصيصات المالية».

“علي” يؤكد، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «المشاريع، التي أعيد العمل بها، محدودة جداً، قياساً للعدد الإجمالي للمشاريع، مما يتطلّب اعتماد خارطة طريق للتنفيذ، مع ابتكار حلول اقتصادية، من أجل تجاوز هذه الازمة».

لافتاً إلى أن «توقف آلاف المشاريع لسنوات، يمثّل ضرراً بالغاً، نتيجة اندثارها، وخسارة أموال طائلة في المواد الأولية المستخدمة فيها، وبقية الالتزامات المالية الأخرى».

 

بوابة لنهب أموال الدولة

وترى “منار عبد المطلب”، عضو #مجلس_النواب_العراقي، أن «المشاريع المتلكئة هي بوابة كبيرة لنهب أموال الدولة العراقية، منذ 2003 ولغاية اليوم، فضلاً عن كون هذه المشاريع، حتى لو تم تنفيذها، مفتقرة للجودة، وتظهر فيها مشاكل كارثية، بعد أشهر قليلة من إنجازها».

“عبد المطلب” أشارت، في حديثها لموقع «الحل نت»، إلى أن «الدولة العراقية تنفق مئات المليارات سنوياً على مشاريع ‏الإكساء والتبليط في المحافظات العراقية، لكن السؤال المطروح: كم منها يجري تنفيذه، وفق المواصفات ‏الفنية المعتمدة؟»، مؤكدةً أن «بعض المشاريع لا يُنفذ بالمستوى المطلوب، وتظهر فيه ‏سلبيات كثيرة، بسبب رداءة المواد المستخدمة».‏

وتضيف أن «العراق يفقد، بسبب هذه المشاريع، ثروة كبيرة، بسبب ما يُهدره عليها من مبالغ ضخمة، ما يعدّ بوابة كبيرة من بوابات الفساد، التي تنوّعت في البلاد».

 

سيطرة الميلشيات

يعاني العراق، إلى جانب الفساد الإداري في مؤسسات الدولة، من سيطرة الميلشيات على القرار الأمني فيها، وتدخلها بكل المجالات، وقد دخلت أيضاً على خط الاستثمار، من خلال فرض الإتاوات على الشركات المستثمرة، وإجبارها على الانسحاب، في حال رفضت الدفع.

“علاء مصطفى”، الخبير الاستراتيجي العراقي، يركز على هذا الجانب بقوة، في حديثه لـ«الحل نت»: «الفساد الإداري هو السبب الرئيسي، وراء هذا العدد الكبير من المشاريع المتلكئة، لكن لابد من ملاحظة انفلات الوضع الأمني بالبلاد، وعدم قدرة الدولة العراقية على حماية الشركات المستثمرة، من الميلشيات وسلاحها المنفلت، لذا فإننا نجد أن هناك كثيراً من المشاريع، التي توقف تنفيذها، بسبب فرض الإتاوات على مستثمريها، أو تهديدهم».

ويتابع “مصطفى”: «ملف المشاريع المتلكئة واحدٌ من الملفات، التي تحتاج إلى إرادة سياسية لفتحها، ومحاسبة المسؤولين عنها. لكنّ هذا الأمر مستبعد، خصوصاً أن جهات سياسية، نافذة في الدولة، تقف بحزم لحماية الفاسدين».

 

تعليق حكومي

وأولت #الحكومة_العراقية أهمية كبيرة للمشاريع المتلكئة، من خلال تشكيل لجنة خاصة لمتابعتها.

ويؤكد “حيدر مجيد”، المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، أن «هناك اجتماعات متواصلة لتحريك ملف المشاريع ‏المتوقفة، بالتنسيق مع وزارة الاسكان والاعمار العراقية، وقد تم بالفعل تحريك أربعة مشاريع، كانت متوقفة منذ ثماني سنوات‎».‎

ويضيف: «تم افتتاح ثلاثة مشاريع، من المشاريع المتوقفة، خلال شهر واحد، فيما ما يزال المشروع الرابع قيد التجربة، و‏يتواصل العمل في المشروع الخامس، وهو “المستشفى التركي”، الذي سيتم الانتهاء من إنشائه قريباً»، مؤكداً أن «اللجنة العليا للخدمات والإعمار أخذت على عاتقها الانفتاح على جميع المحافظات العراقية، وعقدت أربعة اجتماعات، في أكثر من تسع محافظات، لتحريك ملف المشاريع ‏المتوقفة».‎

ويحاول المسؤول العراقي رسم صورة واقعية للسعي الحكومي في هذا المجال: «سيتم التحرك في المشاريع، التي تصل نسب إنجازها الى 50 أو 60٪ فما فوق، أما المشاريع، التي لم تتحقق فيها ‏نسب إنجاز جيدة، وبعضها تعرّض للاندثار، فتحتاج إلى زمن طويل، وأموال طائلة من أجل إنجازها»، إلا أن هذا النوع من التصريحات لا يلاقي، لأسباب كثيرة، كثيراً من الاقتناع والحماس لدى المهتمين بالشأن العام في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.