بعد عقود من “الصحوة الإسلامية”: هل أبعد الإرهابيون ورجال الميلشيات شباب العراق عن الدين؟

بعد عقود من “الصحوة الإسلامية”: هل أبعد الإرهابيون ورجال الميلشيات شباب العراق عن الدين؟

بيّنت دراسة، أجراها  ‎”الباروميتر العربي”، وهو واحد من أكبر شبكات إجراء الاستطلاعات بالمنطقة، بالتعاون مع جامعتي “برينستون” و”ميتشغان” الأميركيتين، تراجع نسب التدين في عدد من دول المنطقة، ومنها العراق وإيران ولبنان، حيث يعرّف كثير من الشباب أنفسهم، بوصفهم غير متدينيين.

ويُرجع مراقبون أسباب هذه الظاهرة إلى ممارسات الجماعات المتطرفة، وسيطرة الميلشيات العقائدية، ما جعل كثيراً من الشباب ينفرون من العقائد والأيديولوجيات الدينية، ويبحثون عن أفكار جديدة، على المستوى الروحاني والاجتماعي والسياسي.

موقع «الحل نت» حاول رصد هذه الظاهرة في الشارع العراقي، والتقى عدداً من الشباب، الذين ابتعدوا عن الدين الإسلامي، لمعرفة وجهات نظرهم، والأسباب التي دفعتهم لهذا القرار.

 

«سئمنا من دينٍ لم نر منه إلا القسوة»

“أحمد الحسيني”، الناشط السياسي وصانع المحتوى الرقمي، شرح لـ«الحل نت»، تصوراته عن الموضوع، بالقول: «الدين الإسلامي لا يقدم أي نموذج جديد، ولا يواكب العولمة ولا التطور، فهو دين مغلق على نفسه، مهتم ‏بالفقه أكثر من الروحانيات، وتقديم التنوّع المعرفي والروحاني»، حسب تعبيره.‎

ويتابع نقده بعبارات حادة: «بعد المدّ العارم للتديّن، المصبوغ بصبغة سياسية، بدأ المواطن العراقي ينظر إلى ‏الدين بوصفه أمراً مادياً وسياسياً، أكثر من كونه عقائد روحية. فصار الدين تطرفاً وقتلاَ بين الطوائف في المجال السياسي؛ وبكاءً وقسوةً ‏وتعصباً، ومفاهيم سلبية تهشّم الحياة، على المستوى الاجتماعي. الدين الإسلامي في العراق لم يعرف إلا نموذجاً وحيداً، وهو النموذج المتشدد، المرتبط بصور الجوامع والأضرحة ‏والمراقد، وأسلحة ولحى المتعصبين‎‎».‏

أما الناشطة “مروة رياض”، التي تخلّت عن إيمانها، بعد أن كانت ملتزمة دينياً، فتقول لـ«الحل نت» إن «الدين ترك بداخلها عقداً نفسية، من الصعب التخلّص منها، وفشلت ‏كل محاولاتها للعودة إليه مرةً أخرى».

مبينةً أن «دخول تنظيم #داعش إلى العراق، وممارساته المستمدة من التراث الإسلامي، مثل السبي وقتل الكفّار، خلّفا لديها مشاعر شديدة السلبية، وأوصلاها إلى قناعة تامة ‏بضرورة ترك الدين الإسلامي. لذلك غيّرت أفكارها، ‏وابتعدت عن الطقوس الإسلامية، التي كانت تمارسها يومياً»‎.

“أميرة”، اسم مستعار لفتاة تركت أهلها في #النجف، بعد خلعها الحجاب، ‏وتعرّضها للتعنيف من قبلهم، قالت لـ«الحل نت»: «سئمت من دينٍ لم أر منه سوى القسوة، والحرمان من ممارسة حريتي. غضبت ذات يوم، وقررت نزع الحجاب، ولكني جوبهت برد ‏فعل عنيف من إخوتي الشبان وأخوالي، الذين عنفوني بشدة، ولكني هددتهم بقتل نفسي، إن أرغموني ‏على لبس الحجاب. وقررت ترك أسرتي في النجف، والذهاب إلى العاصمة #بغداد، كونها تتمتع بحرية نسبية، وأقل التزاماً من الناحية الدينية»‎.‎

 

«أفكار خاطئة»

‎ “ندى العابدي “، الباحثة في الشأن الاجتماعي، تبدي أسفها من موقف هؤلاء الشباب، فهي ترى أنه «من غير الصحيح ربط الدين ‏بممارسات الجماعات المتطرفة، أو تصرفات رجال الدين».

لافتةً، في حديثها لـ«الحل نت»، أن «التربية الأسريّة في العراق مسؤولة لحد كبير عن نفور الشباب من الدين، فالعائلات العراقية قدمت لأبنائها صورة مغلوطة عن الأديان، وصوّرت لهم الخالق بوصفه المُعذّب والمنتقم، وجعلت منه مصدر رعب، لذلك ستسوء، بالطبع، العلاقة بين الشاب وربّه».‎

وتختتم حديثها بالقول: «عملية الانفتاح غير المدروسة، والمبنية على أسس غير صحيحة، أوصلت لبعض الشباب ثقافة الإلحاد، والنظرية اللادينية، فضلاً عن وجود فئة لا تعرف الفرق بين الدين نفسه والممارسات الاجتماعية الخاطئة، فتبتعد عنه لنفورها من هذه الممارسات».

 

رأي رجال الدين

الشيخ “رحيم أبو رغيف”، المختص في الفقه الإسلامي، تحدث لموقع «الحل نت»، مكرراً الموقف المألوف لرجال الدين المسلمين: «الدين ثابت ولا يقبل التغيير، ولا تجديد في العقيدة الإسلامية، وأركان الإسلام الخمسة، وكل ما ثبت بدليل قطعي من المحرمات، مثل الزنا والربا وشرب الخمر. ولا معنى للحديث عن التجديد في هذه المجالات، أو عن ملل بعض الشباب منها».

ويستدرك بالقول: «مفتاح التجديد هو الوعي، وفهم الإسلام من ينابيعه الصافية، فهماً سليماً خالصاً من الشوائب، بعيدًا عن تحريف الغلاة، للوصول بالخطاب الديني الإسلامي للمستوى الذي يواكب مقتضيات العصر. من الممكن أن يكون هناك تجديد في مناهج الدراسات الإسلامية، بما يكفل تكوين عقلية مستنيرة ومعتدلة، تميّز بين الثابت والمتغيّر، ولكن التجديد لا يجب أن يكون قائماً على الهوى والتشهير، وإنما يكون الدافع إليه تحقيق المصالح المعتبرة، التي تعود على الأمة بالخير، في أمر الدنيا والآخرة، وعلى الدعاة والخطباء ضرورة اعتماد الأدلة والبراهين العقلية، من واقع الحياة وتجاربها».

وعلى الرغم من متانة عبارات الشيخ “أبو رغيف” فمن غير المرجّح أن تستميل الشباب، الذين تركوا الدين، أو تعرّفهم على وجه جديد للممارسة الدينية الإسلامية، ما يجعل مستقبل التديّن في العراق، بما له من نتائج اجتماعية وسياسية، مفتوحاً على كل الاحتمالات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.