داخل متجرها لبيع الزهور الكائن في مدينة حلب، ترتب “ريم الحسن” باقات الزهور الملونة في مزهريات خزفية تضعها على رفوف محلها وتوزعها بعناية فائقة.

تروي “ريم” قصة شغفها بالورود والزهور والأعشاب العطرية التي منحتها سرعة تعلم الطبابة الشعبية من جدتها منذ الصغر، لـ(الحل نت) قائلةً: إن «مشروعها في الأعشاب والورود يهدف إلى نشر السلام وثقافة التسامح في البلاد التي لا يزال الدمار والخراب ينهك كاهلها».

فكانت فكرة إدارة محل لبيع الزهور مجرد حلم وردي يراود الشابة العشرينية المنحدرة من مدينة منبج، بعد معاناة مريرة أثناء سيطرة «داعش» على المنطقة. وكالعديد من نساء المدينة، تعرضت “ريم” للسبي والسجن والتعذيب والاغتصاب داخل زنزانات التنظيم.

اُعتقلت “ريم الحسن” على يد دورية من الحسبة بعد أن خرجت برفقة خطيبها الذي لم يعقد قرانه عليها في محاكم التنظيم، الأمر الذي عرضها للسجن والتعذيب، بينما حُكم على خطيبها بفصل رأسه عن جسده، بحسب قولها.

مضيفةً أنها «اُحتجزت في زنزانة مع 25 فتاة أخريات، حيث دخلت عدة نساء مسلحات عليهن، وأخذن 5 فتيات منهن وتم منحهن كهدايا لأمراء وقادات بارزين لـ”داعش”، فكنت من نصيب أحد الأمراء في مدينة الرقة، حاولت الفرار ثلاث مرات لكني لم أنجح إلا بعد مقتله في غارة جوية على المدينة، حينها تمكنت من الهرب بمساعدة بعض الأشخاص من أبناء المنطقة».

لم تستسلم “ريم” للظروف المعيشية القاسية، وزادت في سعيها للبحث عن فرصة عمل تثبت فيها نفسها، لتعمل فيما بعد على مشروع كـ”مشتل” للورود والاستفادة منه في منبج، بعدما خضعت لدورات تدريبية تتعلق بالزراعة والبيئة وكيفية زراعة الورد وجنيها، فضلاً عن آلية نقلها بشكل سليم لبيعها لاحقاً في محلها الخاص الذي أسمته “أمل للورود”.

وتحدثت “ريم” عن الصعوبات التي واجهتها بداية إطلاق مشروعها في منبج، حيث افتتحت محلها الذي كان الأول من نوعه، وقالت: «الفكرة كانت جريئة لأنها داخل مدينة عانى مجتمعها من أفكار التنظيم كثيراً والتي أثرت عليه بشكل لافت، ناهيك عن أنه مجتمع كغيره من مجتمعات الشرق الأوسط  يرفض تقبل وجود المرأة وإدارتها لمشاريع خاصة بها أو تواجدها في السوق، لكن وبتشجيع من عائلتي والمُقربين مني، تمكنت من إطلاق مشروعي الذي ينشر ثقافة الورود الطبيعية والاهتمام بالبيئة وكيفية الاعتناء بالورود لأطول فترة ممكنة، بالإضافة إلى الاستفادة منها إن جفت، في صنع العطورات أو استخدامها في الطبابة الشعبية».

إعالة العائلة أجبرت “ريم” الانتقال مع والدتها وإخوتها إلى مدينة حلب بعد وفاة والدها، والتحاق أخويها التوأم للدراسة في جامعة المدينة، وأشارت في حديثها إلى أن «إقبال الناس على شراء الورود من محلي فاق توقعاتي، خاصةً في ظل التردي الاقتصادي الذي تعانيه البلاد، لكن مع مرور الوقت توصلت لقناعة أن الناس يعتبرون تزين البيوت بالورود أمر ضروري زمهم جداً ولا يستطعون الاستغناء عنه كما لا يستطيعون الاستغناء عن رغيف الخبز».

تُشير “ريم” إلى أن الطلبات على الورود يزداد في المناسبات كرأس السنة وعيد الأم وعيد الحب، فضلاً عن المناسبات الدينيّة، في حين تُشارك في ترتيب وتنسيق الورود وتوزيعها في صالات الأعراس ومناسبات أعياد الميلاد ومختلف الحفلات التي تُقام في حلب.

وتدعوا النساء إلى زراعة الأشجار والشتلات والورود أمام منازلهن، لأهميتها في تنقية الهواء من عوادم السيارات والمولدات الكهربائية، فضلاً عن منظرها الجمالي.

وتُشجع “ريم الحسن” كل النساء السعي إلى تحويل أحلامهن لواقع من خلال القيام بمشاريع خاصة بهن والعمل على إدارتها، مشيرةً إلى أن الإرادة القوية والعزيمة والتصميم ستكفل فتح أبواب النجاح أمامهن.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.