«خَطُّ الصَّداقة».. حَيْثُ اللامُمكِن لدى دِمشق وطَهران

«خَطُّ الصَّداقة».. حَيْثُ اللامُمكِن لدى دِمشق وطَهران

سنوات عَشر تخلَّلْتها محطّاتُ مِفْصليّة عِدّة، واجَهَتْها كلّ مِن سوريا وإيران، وانهيارٍ غيرِ مَسبوق لاقتصاد البَلَدَيْن، بعد أنْ اختارا المواجهة مع المحور الغربيّ، ولم تنجح مُحاولات كُلٍّ منهما لإسناد الآخَر في ذروة الضّغوط عليهما، ورغْم ذلك، لا يَنْفَكّ الحَليفان عن طَرْحِ مشاريعٍ، تَبدو للوَهلة الأولى ذات مستقبلٍ واعِد، لكنّها، في حقيقة الأمر، لا تَعدو كَوْنها ضَرْباً مِنَ اللّامُمْكِن.

وهو ما ينطبقُ على التَّصريحاتِ الأخيرة لوزير الكهرباء السّوريّ غسان الزّامل، الذي حاولَ بَثَّ الرّوح بـ”خطّ الغاز الإيرانيّ” أو ما باتَ يُعْرَف بـ “خطّ الصّداقة”، حيثُ أكَّدَ أنّه لَمْ يَتُمّ التَّخلّي عن المشروع الّذي بدأوه قَبْلَ سنوات، بَل لا زالَ هَدَفاً للدّول الثَّلاث التي وقَّعَتْ عَلَيْه.

كانتْ كلٌّ مِنْ طهران ودمشق وبغداد قَدْ وَقَّعتْ مُذكّرة التّفاهُم الأولى حَوْل “خَطّ الصّداقة” ويُسمّى أيضاً “الأنبوب الإسلاميّ” عام 2011، في البدايات الأولى للحرب السّوريّة، تَلا ذلك تَوقيعُ إيران والعراق اتفاقيّةً رسميّة لنقْلِ الغاز مِن طهران، مُروراً ببغداد، إلى ساحل البحر المتوسّط عَبْرَ سوريا ولبنان، ومِنْ هُناك إلى أوروبا.

آنذاك، فضّلَ الرئيس السّوريّ بشّار الأسد “الأنبوب الإسلاميّ” على مشروع “الخطّ القَطَريّ – التُّركيّ” الذي كان يَهدُف لنقْل الغاز القَطَريّ إلى تُركيّا عَبْرَ السَّعوديّة والأُردن وسوريا، وكان مِن المُفترَض، بَعْدَ وصوله إلى تُركيّا، أنْ ينتقلَ إلى أوروبا، عَبْرَ خطّ أنابيب الغاز العابِر للأدرياتيكي (تاب) الذي يَحْمِل الغاز الأذربيجانيّ.

المشروعان كانا سيُشَكِّلان -إذّا ما نُفِّذَ أحدهما- ضربةً لشركة الغاز الرّوسيّة العملاقة (غاز بروم) وتحديداً المشروع القَطَريّ-التُّركيّ، حيث كان يحظى بدعْمٍ غربيٍّ آنذاك، فاستبدال الغاز الرّوسيّ بالغاز الإيرانيّ بالنسبة لدولة مثل الولايات المتّحدة، مسألةٌ مٌضِرَّةٌ بشكلٍ مُتساوٍ.

دُفِنَ المشروع الإيرانيّ عندما دخلتْ سوريا في دوّامة الحَرْب ربيع 2011 وتَلَاها العراق، في موجة إضافيّة لسلسلة العنف التي تواجهه منذ سقوط نظام الرّئيس السّابق صدّام حسين عام 2003، بالإضافة إلى العقوبات الأميركيّة الأوروبيّة المفروضةِ على إيران.

لا زالَ “خطّ الصَّداقة” عَصَيّاً على الدّخول في طَوْرِ التّنفيذ، على الرغم مِن العلاقات المُمَيّزة، أو وحدة الحال -إنْ صحّ التعبير- بينَ مُشَغِّليه الثّلاث، فالتحدّيات الكبيرة التي تواجههم تُلقي بظلالها على هذا المشروع، بِدءاً مِنْ الوضع الاقتصاديّ المُتَدهْور في إيران، والغموض الحاصِل لمصير ملفِّها النّوويّ، بعد انسحاب الولايات المتّحدة من اتفاق (فيينا) النّوويّ  عام 2015 بين مجموعة (5+1) مِن جهة، وإيران مِنْ جهة أُخرى، مروراً بإرهاصات رغبةٍ أميركيةٍ لإبرام اتّفاق آخَر مع طهران، تسبقهُ مفاوضات جديدة، وبالتّالي صيغة أُخرى، قد لا يكون مِنَ السَّهل إنْجازها، بالإضافة لتعقيدات الوضعِ الأمنيّ في العراق، انتهاءً بالغموض الذي يُخَيِّم على مآلات الحرب في سوريا، وصورة النِّظام السّياسيّ المُستقبليّ فيها.

تُعتبرُ الصعوبات في الجانب الماليّ مِن أشدّ ما يواجهه المشروع، فالاقتصاد الإيرانيّ يُعاني مِنْ تدهورٍ حادّ، زادَ بِشَكلٍ ملحوظ بعد العقوبات التي فَرَضها الرئيس الأميركيّ السّابق دونالد ترامب على طهران، حيث تحتاج إيران إلى نحو (70) مليار دولار سنويّاً لتسيير شؤونها الاقتصاديّة، في بَلَدٍ يُناهِزُ تعداد سكّانه (80) مليون نسمة، وبلغَ إجماليّ الخسائر الناجمة عن العقوبات الأميركيّة منذ عام 2018، بحسب الرئيس الإيرانيّ، 150 مليار دولار، وتراجعَ متوسّط عَوائد إيران خلال العامين الماضيين إلى ما دون النّصف.

أما الاقتصاد السّوريّ، فهوَ في أسوأ مراحله منذ عام 2011، فقد هبطتْ اللَّيرة إلى مستوياتٍ غَيْرِ مَسبوقة على الإطلاق مقابل الدّولار الأميركيّ، وحَذّرَ برنامج الغذاء العالميّ أنّ (60%) مِنَ السّوريين، أي (12.4) مليون شخص، مُعَرَّضون لخطرِ الجّوع.

ويبدو أنّ الرّوس قد وصلوا إلى مرحلة قريبة مِنْ رَفْعِ المنديل الأبيض في الجانب الاقتصاديّ، حيث قَلّلَ السّفير الروسيّ في سوريا ألكسندر إيفيموف مِنْ فُرَصِ إرسال موسكو أيّة مساعداتٍ إلى حليفتها دمشق، وقالَ إنّها أضحتْ “صعبةً للغاية” وبرّرَ ذلك بأنّ موسكو أيضاً تُعاني مِن جائحة كورونا، والعقوبات الغربيّة.

إضافةَ إلى أنّ “الأنبوب الإسلاميّ” سيكونُ مُنافِساً للغاز الرّوسيّ في أوروبا، وهي نقطةُ خِلافٍ كبيرة بين الحليفين اللّدودين موسكو وطهران، اللّذَيْنِ تجمعهما ملّفات عِدّة، يَصْعُب فيها الفِكاك بينهما، رغم اختلاف مُقارباتهما في ميادينَ عِدّة، كالموقف مِن الوجود الإيرانيّ في سوريا، وكذلك الأمر بالنّسبة للعلاقة مع إسرائيل، وفي طريقة حلّ الملفّ النّوويّ الإيرانيّ.

مِنَ الواضح أنّ دوَلاً غربيّة كاليونان، تُريد لمشروع الغاز الإيرانيّ أن يُبْصِر النّور، حيثُ تطمح أثينا أنْ تُصْبِحَ مركزاً للطّاقة، في مواجهة تُركيّا، التي يُنظَر إليها على أنّها بوّابة لمصادر الطّاقة القادِمة مِنَ الشّرق للوصول إلى أسواق أوروبا، وهو ما قَد يُفَسِّر إعادتها لسفيرها إلى دمشق، لتكون السَّبّاقة مِن بين دوّل الاتّحاد الأوروبيّ.

إلا أنّه مِن الصّعوبة بِمَكان أنْ تَقْبلَ الولايات المتّحدة فِكرةَ أنْ تَخْرُجَ إيران مُنْتَصِرةً في ملفٍ حيويٍّ كهذا، بعدَ سنواتٍ مِنَ العقوبات، والحِصار، وأنْ تُصْبِحَ أوروبا سوقاً لغاز طهران، فَتزيد بذلك منْ هَيمنة الجمهوريَة الإسلاميّة في منطقة الشّرق الأوسط.

بالإضافة إلى صُعوبة أنْ تَقْبَل أوروبا خَرْقِ العقوبات الأميركيّة المفروضة على إيران وسوريا، قَبْلَ الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ للأزمة السّوريّة وفْقَ قرار مجلس الأمن (2254)، وكذلك للملف النَّوويّ الإيرانيّ، عَبْرَ آلياتٍ مُختلفةٍ عن تِلْكَ الّتي كانتْ في الاتِّفاق السّابق.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.