لم نعد نرى أنفسنا جميلات، ما إن تبدأ أي فتاة الخطو في حياتها الاجتماعية والعملية حتى تجد حولها حشداً من الجميلات، في الشارع في الجامعة وأينما اتجهت، تصادفك هذه الفتيات، أجساد منحوتة بدقة ووجوه متفتحة وجميلة، وتبدأ الأسئلة هل أصبحت جيناتنا البشرية تحمل كل هذه الصفات الجمالية أم أنها مصادفة؟ وتجد الأجوبة في وسائل التواصل الإجتماعي، إنه عصر التجميل هذا هو الزمن الذي يمكننا أن نكون ما نرغب، أن نظهر بالشكل الذي نحب، كل شيء أصبح متاحاً، يمكن لأي فتاة أن تكون “مونيكا بيلوتشي” أو “مارلين مونرو” مثلاً والعائق الوحيد الذي أمامها لتفعل ذلك هو المال.

وفي مفارقة غريبة ومع الإنهيار الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، نجد عيادات التجميل وصالونات التزيين كل يوم في ازدياد، حيث أصبح هذا العمل أحد أكبر مصادر المال، تصيبك الدهشة وأنت ترى نسبة الفتيات اللواتي يواظبن على تجميل أنفسهنَّ يومياً والقيام بعمليات التجميل ليواكبن الموضة، في الوقت الذي لا يكفي فيه راتب أي موظف أو موظفة لشراء الحاجات الأساسية للعيش.

ما رأي المجتمع والفتيات على وجه الخصوص بهذه العمليات وكيف ينظرن لها؟

“منى”(اسم مستعار) متخرجة من كلية العلوم وتعمل مدرِّسة، تقول لـ(الحل نت): «أنا أؤيد أي شيء يزيد من ثقة الفتاة بنفسها ويجعلها تبدو شابة طوال الوقت، عمليات التجميل شيء جيد خاصة لمن لديها تشوهات، لكن المهم أن لا تتحول هذه العمليات إلى هوس ويصبح مبالغاً بها».

يمكننا رصد تأييد كبير لعمليات التجميل في الجيل الشاب، فوسائل التواصل الاجتماعي وبضخها المتواصل لصورة الفتاة النموذج في الجمال يمكنها السيطرة على عقولنا دون شعور منا، “رحمة”(اسم مستعار) فتاة أخرى متخرجة من كلية الإرشاد النفسي لها رأي مشابه لـ”منى” وتقول لـ(الحل نت): «أنا نفسي خضعت لعمليتي تجميل لأنفي وجفوني، كانوا مصدر إحباط دائم بالنسبة لي، لست مع التجميل على سبيل الموضة كتكبير الشفاه أو الحنك العريض، أنا مع تجميل الأشياء “البشعة” فقط».

يندرج تحت مسمى عمليات التجميل، العمليات الترميمية والتي تهدف إلى ترميم التشوهات والجروح والندوب والأجزاء التالفة، وتعد العمليات التجميلية بهدف الترميم من أقدم علاجات الشفاء في العالم، ولكن مع تطور الطب وتوفر معدات طبية حديثة أصبح بالإمكان القيام بعمليات تجميلية بهدف التجميل فقط ومواكبة الموضة والوصول إلى حالة الجمال التي يفرضها العصر، رغم رفض الكثيرين للعمليات التجميلية واعتبارها تغييراً في الشكل البشري يفقده أصالته إلا أنها تلقى رواجاً كبيراً في الآونة الأخيرة وتحولت إلى أسلوب حياة معاصر تكرس الفتاة حضورها في المجتمع من خلاله.

لماذا عليّ أن أجمِّل نفسي؟

«لا أؤيد عمليات التجميل، فالفتاة ليس من الضروري أن تكون جميلة بشكلها الخارجي، أنا أرى الفتاة جميلة بداخلها، بما الذي استطاعت إنجازه وتطويره في ذاتها، عندما أرى فتاة تمتلك نفساً جميلة لا يؤثر شكلها على رأيي في هذه الحالة».

“شيماء”(اسم مستعار)، متخرجة من معهد لدراسة المسرح، لديها رأي مناقض في عمليات التجميل، فهي ترى مصدر الجمال داخلي ولا علاقة له بالمظهر الخارجي الذي نراه للوهلة الأولى ونحكم عليه بالجمال من عدمه وعن تأثير عمليات التجميل وتقول لـ(الحل نت): «عمليات التجميل على عكس الهدف منها تحد من الجمال، طالما أن الفتاة ولدت بشكل فحكماً هذا هو الشكل الجميل، عندما أرى فتاة خاضعة للتجميل لا أرى إن كانت جميلة أم لا، أنا أراقب إن كان التجميل ناجحاً أم لا، إذاً أنا لا أراها بل أرى التجميل الذي قامت به وأقيِّمه، التجميل يقضي على الجمال الطبيعي، برأيي هذا الوقت الذي تستهلكه الفتيات في التجميل من الأجدر أن يستهلكنه بالعمل على تطوير أنفسهنَّ وعملهن».

لم يعد تقييمنا للجمال نابعاً من ذائقتنا الخاصة ومعارفنا ورؤيتنا الأصيلة، وإنما أصبح عبارة عن رأي عام متلقى بكافة الوسائل سيطر علينا لا شعورياً لنصبح خاضعين لأحكامه دون إرادتنا “رشا” (اسم مستعار) تقول: «العمليات جيدة إن كان هناك عيب خلقي أو تشوه نتيجة حادث وما شابه، أما هذه العمليات التي تحدث بهدف الموضة فهي مرفوضة بالنسبة لي، لماذا علي أن أغير شكلي ليناسب أذواق الآخرين؟»

للتكنولوجيا طرقها الخاصة بالتجميل

لا يتوقف الأمر عند الأطباء والعيادات التجميلية، هناك منظومة إعلامية متكاملة تعمل على وضع الجمال كقيمة أولى للفتاة وحضورها، فعدا عن البرامج والصور التي تنشر يومياً وبشكل متواصل عبر الإنترنت لفتيات ونجمات جميلات والتي دون إرادتنا كفتيات تسبب لنا هوساً بالتنقيب عن عيوبنا ونواقصنا، هناك برامج أيضاً تتيح لكل فتاة الفرصة لترى نفسها أجمل، وتستخدم هذه البرامج كميزة تسويقية للأجهزة الخلوية، فباستطاعة كل فتاة لا تملك المال للقيام بعملية تجميل، أن تحمِّل هذه البرامج على هاتفها و تصور نفسها بالشكل الذي تحب أن تظهر به وتنشرها عبر منصات التواصل، وهذا يوقعنا جميعاً في زيف رؤيتنا لبعضنا البعض وإحلال نوع من الوهم على تصورنا عن أنفسنا والآخرين.

التجميل كهوس

«أنا أدعو كل فتاة لفعل ذلك، لا تتوقفن عن تجميل أنفكسن، حياة واحدة أعيشها أريد أن أشعر بنفسي جميلة أن أنظر للمرآة وأبتسم دون أن أحتاج لرأي أحد، عمليات التجميل شيء رائع تصبحين على توافق تام مع الصورة التي تحلمين بها، في هذه الحياة نحن مجبرون على كل شيء منذ ولادتنا، إن كان لدي خيار لأجمل نفسي وأكون كما أريد لماذا لا أفعل».

“رغد” (اسم مستعار)، تخرجت هذا العام من كلية الإعلام، لديها هوس بعمليات التجميل والتي بدأت بها في عمر مبكر، تؤمن “غالية” بأن تلك نقطة في صالح كل فتاة وتفوق على نظرة المجتمع والآخرين، فهي عندما تكون جميلة تستطيع الخوض في الحياة دون خوف أو تردد.

وعن التجميل من وجهة نظر الطب كان لـ(الحل نت) حديث مع الطبيب “محمد الحسن”، ماجستير بالجراحة التجميلية والترميمية في السنة السادسة، والذي قال: «عندما يتم الحديث عن الجراحة التجميلية لا يمكننا تهميش القسم الترميمي مثل (شق الشفة شفة الأرنب والتصاق الأصابع وغيرها)، هذه العمليات لها استطباب مطلق في اختصاصنا وهي ضرورة وليست تجميلية، أما الجراحة التجميلية فهناك عمليات الأنف وهي الأكثر رواجاً، ثم عمليات شد الوجه والرقبة والأجفان للنساء بعد عمر الأربعين، وشد البطن ما بعد الولادة وهذه عمليات أيضاً لها استطباب».

ويضيف: «البوتوكس والفيلر تعتبر من العمليات الجمالية غير الجراحية لا يوجد عمر محدد لها، لكنني لا أنصح بها قبل سن الـ25، فالفيلر مادة مالئة تستخدم لتكبير الشفاه والحنك والخدود بهدف كمالي، وهي مكونة من مادة موجودة في الجسم “حمض الهيالورونيك” تحقن بشكل مؤقت، لأن مواد الحقن الدائمة سحبت من الأسواق مؤخراً بسبب خطورتها، فهي تسبب مشاكل صحية ولا أنصح أي فتاة بحقنها لأن لها نتائج كارثية على المدى البعيد وتحتاج لشق جراحي لإزالتها، أما البوتوكس فهو يستخدم لإزالة التجاعيد ولا يعتبر من ضمن الموضة وله استطباب، فأي مريضة فوق سن الـ35 لديها تجاعيد في الوجه أو الجبهة وحول العيون يمكنها استخدام البوتوكس».

ويردف الطبيب: «العمليات التجميلية ضرورية في حال كانت مستطببة “ترميمية” بقية العمليات في حال كان هناك استطباب والموضوع يسبب مشكلة نفسية للمريضة فهي ممكنة، أما إذا كانت بهدف الموضة أنا ضد هذه العمليات وينبغي إجراء استشارة مطولة قبل العمل الجراحي لفهم الهدف وتوقع  نتائج العمل الجراحي وعلى أساسه تتم الموافقة على الحالة».

لا يمكن نفي فائدة الطب التجميلية بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل تقلل من تقديرهم لذواتهم وتعزز النقص لديهم، لكن التحول الذي حصل في مسار الطب التجميلي أدى لجعل الطبيعي ناقصاً ومشوهاً، فكل فتاة لا تمتلك صدراً بارزاً وأردافاً وشفاهاً مكتنزة وخدوداً مشدودة ليست جميلة أو ملفتة، نتج عن هذا التقييم الخاطئ لمفهوم الجمال هوس لدى الفتيات يقضين بسببه معظم وقتهنَّ في محاولات للحصول على هذه المقومات بكافة الطرق المتاحة لهن، بالتزيين والتجميل بعمليات شفط الدهون أو تغيير الملامح، والمشكلة أن عمليات التجميل هي عمليات تراكمية فبمجرد أن تبدأ الفتاة بها، تصبح مضطرة بين فترة وأخرى للتعديل أو الزيادة ليتحول الأمر بعد ذلك إلى إدمان، ويجعل الفتاة غير راضية عن نفسها مهما حققت من إنجازات على الصعيد الشخصي طالما أنها لا تُصنف كجميلة، عمليات التجميل تكريس لجسد الفتاة كموضوعة جمالية وجنسية، وزيادة من فقدانها لثقتها بنفسها وإمكانياتها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.