الصراع على العالم الافتراضي: كيف أصبحت صفحات مواقع التواصل ميداناً للحرب بين السياسيين العراقيين؟

الصراع على العالم الافتراضي: كيف أصبحت صفحات مواقع التواصل ميداناً للحرب بين السياسيين العراقيين؟

مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية تتنوّع أساليب الدعاية والترويج، التي يلجاً إليها مرشحو القوى السياسية المختلفة، فالبعض يحاول طرح برامج سياسية واقتصادية، وقد يلجأ آخرون للخطاب الديني والعشائري، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت أساليب جديدة وغير مألوفة، مثل الصراع للسيطرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة، وتحويلها إلى منابر لدعم شخصيات معينة، ومهاجمة شخصيات أخرى.

ورصد ناشطون عراقيون في الآونة الأخيرة تغيير أسماء صفحات عراقية علي موقعي “فيسبوك” و”تويتر” لأسباب سياسية وانتخابية، بعد استحواذ جهات سياسية متنفّذة على تلك الصفحات، التي تضمّ عدداً كبيراً من المتابعين، واستخدامها للدعاية الانتخابية، بدلاً من البدء من الصفر، وإنشاء صفحات جديدة ومستقلة لهذا الغرض.

ويعترف المراقبون بأهمية مواقع التواصل الاجتماعي في الحياة السياسية بالعراق، نظراً لاستخدامها بكثافة من قبل العراقيين.

مركز “الإعلام الرقمي” الحكومي في العراق رصد «حرباً بين الساسة على مواقع التواصل؛ ومنشورات مدفوعة الثمن على موقع “فيسبوك”، تتضمّن ترويجاً لجهة ما، أو هجوماً وتشهيراً بجهة أخرى».

وبيّن المركز أن «هذه الصفحات تُدار في غالبيتها من قبل مكاتب وفرق تابعة لسياسيين وأحزاب كبيرة، لأنها تتطلب إنفاقا مالياً وميزانيات خاصة».

 

شراء الصفحات بالترغيب والترهيب

عمليات بيع وشراء صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لشخصيات سياسية معروفة ومؤثرة ليست جديدة في العراق، ولكنها ازدادت بشدة مؤخراً مع اقتراب الانتخابات،  ويتعرّض كثير من الناشطين على مواقع التواصل لضغوطات ومساومات لبيع صفحاتهم أو تغيير توجهها.

“هالة”، اسم مستعار لناشطة مدنية، رفضت الكشف عن اسمها خوفاً على حياتهاً، أكدت لـ«الحل نت» تعرّضها لهذا النوع من الضغوطات، موضحةً أنها «تتم بأكثر من طريقة، فقد عرض عَلَيَّ أحدهم مبلغاً من المال مقابل الترويج لشخصية معينة، وآخر قدم لي عروضاً للسكوت وعدم الإساءة للجهة التي ينتمي إليها. وفي حال الرفض يتحوّل الموضوع إلى التهديد والابتزاز، وهذا ما تعرّضت له، فقد تم استهدافي بمنشورات مسيئة، مع محاولات لقرصنة صفحتي إلكترونياً، بعد أن رفضت عرضاً لبيع صفحتي بمبلغ مئتي ألف دولار».

من جهته يقول “أمير”، وهو اسم مستعار أيضاً لمدون ومصمم مواقع إلكترونية عراقي، إن «أكثر من شخصية حاولت الاتصال به للعمل معهما، في محاولة لاستغلال علاقاته وخبراته على مواقع التواصل، وكانت أغلب العروض تأتي من أسماء لها علاقة بالميلشيات المسلّحة، ما دفعه لرفضها، خوفاً على حياته ومستقبله المهني».

ويتابع، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «بعض الصفحات الشهيرة، التي يصل عدد متابعيها لأكثر من مليون شخص، تتلقى عروضاً بمبالغ هائلة، وكلما زاد عدد المتابعين يزداد سعر الشراء».

 

مساعٍ للسيطرة على العالم الافتراضي

«عملية بيع وشراء صفحات “الفيسبوك” ومواقع التواصل الأخرى تصاعدت مؤخراً بشكل جنوني لدى الطبقة السياسية، التي تنفق عليها مئات آلاف الدولارات»، بحسب الناشط السياسي “أحمد الحسيني”.

الحسيني يؤكد لموقع «الحل نت» أن «المنظومة السياسية القائمة تحاول السيطرة على العالم الافتراضي، الذي رأت أنها بعيدة عنه، بعد سيطرتها على القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، لذلك تسعى جاهدة بأن يكون لها تأثير على مواقع التواصل، لأنها الأقرب للشارع العراقي، والأقدر على صناعة الرأي العام».

 

أساليب مثيرة للسخرية

المحلل السياسي “علاء مصطفى” يسخر من جهود سياسيين عراقيين للهيمنة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً لموقع «الحل نت»: «أصبحت هذه العملية مضحكة جداً، فهناك مرشحون يقومون بشراء صفحات بعيدة كل البعد عن السياسة».

ويتابع: «أحد المرشحين قام بشراء صفحة للتعارف والزواج، ومن ثم حوّلها للترويج له؛ وآخر اشترى صفحة لتجمّع مدني، من أجل نشر ما يريد الترويج له سياسياً قبيل الانتخابات. هذه العملية مضحكة لأنها عشوائية وغير مدروسة، وهذا ما اعتبره قمة الغباء، فكيف يمكن لمرشح أو سياسي تحويل صفحات اجتماعية ومدنية بشكل مفاجئ إلى صفحات سياسية متحزّبة؟».

وأرجع المحلل السياسي أسباب هذا الانفلات الإلكتروني إلى «غياب الضوابط والقوانين، التي تنظّم العالم الافتراضي؛ كما أن الحاجة المادية لعديد من الشباب، الذين يملكون صفحات مؤثّرة على مواقع التواصل، أدت إلى تصاعد عمليات البيع والشراء، وتحويل الفضاء الإلكتروني إلى سوق مفتوحة للمال السياسي».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.