“أريد اثنتان دليفري، أرغب بثلاث قطع جيدات مع التوصيل إلى البيت، هل يمكنكم تأمين ثلاث زوجات وكم مهر كل واحدة وهل هناك تنزيلات في السعر؟ وهل هناك عرض سعر على الجملة؟” هذه التعليقات ليست على منتج غذائي أو قطع أدوات كهربائية! بل على منشورات الصفحة الرسمية لجمعية تعدد الزوجات.

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام بخبر انطلاق منظمة تقدم خدمات “تعدد الزوجات” في منطقة إعزاز شمال غرب سوريا، وتفاعل السوريون معه بين مؤيد ومعترض وساخر ومتهكم، وهناك إشاعات حول إغلاقه ولكن لا يوجد خبر أكيد حتى لحظة كتابة المادة.

أحلام المسعود مديرة مكتب الجمعية كتبت منشوراً في صفحتها، قالت فيه أن هذه الجمعية أسست لدعم حقوق المرأة! وتساءل العديد من الأشخاص نساء ورجالاً عن الحقوق التي تضمنها مثل هذه الجمعية؟ وكيف لجمعية استخدمت النساء كأشياء أن تحفظ حقهن الإنساني في الحفاظ على عائلتهن وأسرهن وعاطفتهن ومشاعرهن، وتحميهن من النظرة الدونية لهن.

تعدد الزوجات قضية اجتماعية موجودة في مجتمعاتنا لها جوانبها السلبية في التأثير على استقرار حياة الزوجة الأولى وأطفالها، أو في تأسيس أسرة جديدة وسط لوم مجتمعي للزوجة الثانية.

شيءٌ لا قيمة له!

آمنة 43 عاماً، امرأة سورية من ريف حماة مقيمة في ولاية هاتاي جنوب تركية، تزوج زوجها عليها قبل ثلاث سنوات، ما تسبب لها بصدمة نفسية كبيرة، تقول للحل نت ” تأثرت جداً وكرهت زوجي ونفسي وبدأت أشعر بعدم احترام ذاتي وأصبحت أرى نفسي شيئاً لا قيمة له، صرت أقلق ولا أعرف كيف أنام حتى أنني أخذت حبوباً منومة”.

جلدت آمنة نفسها، محاولة أن تبحث لزوجها على مبرر دفعه للزواج عليها، واضطرت للسكوت وقبول الوضع الجديد من أجل أطفالها، وأضافت “أنا محطمة داخلياً لم أعد أهتم بزوجي ولم أسامحه حتى اللحظة، حاولت كثيراً التأقلم ولكن داخلي يحترق”.

عائشة 36 عاماً، امرأة سورية وصاحبة محل ملابس أطفال ومقيمة في غازي عنتاب جنوب تركيا، وإحدى النساء اللواتي مررن بتجربة تعدد الزوجات، والتي كانت سبباً في خراب بيتها ودمار أسرتها وحرمانها سنتين من أطفالها.

تقول للحل نت، “لم أتقبل أن تشاركني امرأة أخرى في زوجي، وطلبت الطلاق ولكنه عاقبني بحرماني من أطفالي، لأنه اعتبر أنني أحرم ما أحل الله له، وشعرت أنني كأي قطعة أثاث في المنزل يمكن أن تستبدل”.

شعور المرأة بأنها شيء مادي لا حول له ولا قوة، و الاختصاصي الاجتماعي صفوان قسام في حديثه للحل نت، قال أن هذا الشعورناتج عن ثقافة المجتمع ونظرته العامة للمرأة، يمكن أن يحطم نفسيتها ويدمرها، وهو مرتبط أيضاً بالفهم الخاطئ لمنظومة الزواج بحد ذاته على مستوى المجتمع.

مشيراً إلى أن الزوجة الثانية تعاني أيضاً من وصمة مجتمعية وتوصف بأنها “خرابة بيوت” و”خطافة الرجال” و”سرقته من مرته” و”شيطانة”، وتنبذ وتحمل مسؤولية كل ما يحصل لهذه العائلة، على حد قوله للحل نت.

“لم نعد نشعر أنه والدنا”

وجود زوجة ثانية للأب ليست ضمن النسق الطبيعي لتربية الإنسان، لها أضرار كبيرة تتمثل في نقص الاهتمام وتدني مستوى رعاية الأهل لأطفالهم، إضافة إلى خلل في فهم العلاقة بين الرجل والمرأة.

وتلعب دوراً كبيراً في بناء شخصية الأطفال لاحقاً، وقد يجد الطفل نفسه مضطراً إلى الانحياز إلى أمه أو أبيه، نظراً لمشاكل جديدة مترتبة على تعدد الزوجات، وشعوره بالخوف والقلق الدائم على عائلته وأمه بشكل خاص.

أدوار الأسرة واضحة جداً، تتمثل بالأم والأب والابن والابنة، إضافة إلى أدوار مساعدة مثل الخال/ـة والعم/ ـة والجد/ـة، لذلك من الطبيعي أن يكون تعدد الزوجات مرفوضاً بالنسبة للزوجة الأولى والأطفال.

فراس، شاب سوري 29 عاماً ممرض يعمل في أحد المراكز الطبية في ولاية هاتاي التركية، تزوج والده على والدته عندما كان طفلاً، يقول للحل نت “منذ أن تزوج لم نعد نشعر بأنه والدنا، فقدنا شعور الأمان في العائلة، رؤية والدتي مكسورة كان يشعرني بالقهر”.

تأثرت علاقة فراس بوالده بشكل كبير، إذ أنه وأخوته واجهوا العديد من الصعوبات نتيجة إهمال والدهم لوالدتهم بعد زواجه واهتمامه بعائلته الجديدة، وشعورهم بالنقص وحرمانهم من الأبوة.

رصد الحل نت العديد من العائلات ضمن إطار “تعدد الزوجات” في أثناء إعداد التقرير، فكان هناك حالات من العداوة بين أبناء الزوجات نتيجة للعداوة بين أمهاتهم أو عدم وجود أي علاقة أو رابط، وفقدان العلاقة مع الأب وتفضيلهم الابتعاد عنه، وتدني المستوى الأخلاقي للأبناء، وتقصير مادي وفقر شديد ورعاية صحية شبه معدومة.

في هذه الحالات تتأثر الأسرة بشكل كبير جداً، إذ يقول قسام للحل نت، أن تربية الأطفال تختل وتصبح غير متوزانة، لأن زواج الأب الثاني سيدفعه لتقسيم الوقت والمال، وبالتالي لن يقضي مع أطفاله وقتاً كافياً في التربية ولن يستطيع تقديم رعاية مالية مناسبة لكل أطفاله”.

راوية 41 عاماً ، معلمة سورية وأم لأربعة أطفال، أكبرهم محمد 13 عاماً، تقول : “تأثر طفلي كثيراً بعد زواج والده، لأنني مررت بحالة نفسية معقدة ودخلت في اكتئاب ومحاولة انتحار، وأصبح سلوكه عدوانياً تجاه والده ويرفض الجلوس معه”.

لم يتقبل محمد زواج والده أبداً، وأخذ منه موقفاً ولاسيما أن الزوجة الثانية تقيم معهم في نفس البيت، ما أثر على طمأنينة العائلة وراحتها، وانشغال والدته بمشكلاتها مع زوجة الأب، واهمالها له ولأخوته.

وهذا ما ركز عليه قسام، وهي حالة الغيرة التي تعيشها المرأة والحرص على إرضاء الشريك “الزوج” للفوز على المنافس “الزوجة الثانية”، تؤدي إهمال الأطفال والتقصير في رعايتهم، وفي هذه الحالة يخسر الطفل والده وأمه بنفس الوقت.

أسرة مفككة، ونساء مكسورات محطمات، وأبناء كارهون لآبائهم، نظرات مجتمعية مزعجة، وأبحاث ودراسات حول قضية تعدد الزوجات وأضرارها، إلا أن الأسرة مازالت آخر الحسابات في الدين والعرف والقوانين!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.