الصراع بين روسيا والناتو: هل تصبح سوريا إحدى ساحات المواجهة؟

الصراع بين روسيا والناتو: هل تصبح سوريا إحدى ساحات المواجهة؟

تصاعد الصراع بين روسيا والناتو يطرح أسئلة مهمة عن موقف ودور الحكومة السورية وسط المعادلات الدولية الجديدة، وخاصة بعد الآثار المدمرة للغزو الروسي لأوكرانيا على الاقتصاد السوري. واعتبار مسؤولين في دمشق أن “سوريا أصبحت في عمق الجبهة الأوكرانية”.

ويرى مراقبون أن حكومة دمشق تحاول إعطاء مزيد من الأهمية لدورها السياسي في المنطقة، من خلال إظهار نفسها طرفا في الصراع الدولي. وفي هذا الإطار نقلت صحيفة “الوطن”، الموالية لحكومة دمشق، عن مصادر سورية رفيعة المستوى، أن “قاعدة حميميم الروسية غربي سوريا أصبحت رأس حربة في الصراع بين روسيا والناتو. خصوصا بعد استقبالها أخطر الطائرات والصواريخ، ووصول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إليها، للإشراف على أضخم مناورات روسية في البحر المتوسط”.

في حين قالت صحيفة “البعث” الرسمية إن “زيارة شويغو إلى حميميم جاءت بعد رفض موسكو عرضا من واشنطن بمقايضة سوريا مقابل أوكرانيا”.

فهل صارت حكومة دمشق تعتبر نفسها طرفا في الصراع بين روسيا والناتو، وفاعلا في التوتر الدولي المصاحب للغزو الروسي لأوكرانيا؟

هل دخلت حكومة دمشق في نفق مظلم؟

ناصر زهير، رئيس وحدة العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز جنيف للدراسات، يرى أنه “لا يمكن لحكومة دمشق اتخاذ موقف مغاير للدعم الكامل لموسكو في غزوها أوكرانيا. وذلك بسبب احتمال اندلاع صراع بين روسيا والناتو، تكون سوريا إحدى ساحاته”.

ويتابع، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “ثقل موسكو هو الأقوى في دمشق، وهي قادرة على التحكم بمواقف الحكومة السورية. وحتى إيران لا تمتلك نفس قوة التأثير، على الرغم من نفوذها العسكري على الأرض”.

ويستبعد زهير أن “تكون دمشق قد دخلت في نفق مظلم بسبب تحالفها مع موسكو في غزوها لأوكرانيا، لأن سوريا ليس لديها ما تخسره في إطار العقوبات الدولية،. فقد تعرضت حكومة دمشق لأقصى العقوبات الاقتصادية، والوضع كارثي جدا في الوقت الحالي، وسواء اصطفت مع روسيا أو لا، فلن يتغير شيء في وضعها السيء”.

من جهته يرى مهند أبو الحسن، مدير البيانات في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، أن “حكومة دمشق ما تزال تحاول اللعب على حبال مختلفة من التحالفات، في إطار الصراع بين روسيا والناتو”. مستبعدا، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن “يكون بشار الأسد يراهن بشكل كامل على الرئيس الروسي فلاديمير بوتن”. مستدلا على ذلك “بما يتم تداوله عن زيارة سرية لعلي مملوك إلى طهران، تهدف لتقوية العلاقات، التي شهدت بعض الضعف سابقا مع إيران، في محاولة حثيثة من حكومة دمشق لتمتين تحالفاتها، لاسيما وأن إيران مقبلة على اتفاق مع واشنطن، ما يعني رفع العقوبات عنها”.

ويلاحظ أبو الحسن “غياب الدعم الروسي لدمشق اقتصاديا، لأن موسكو لا تمتلك إمكانية الدعم أصلا. وهذا ما يجعل حكومة دمشق تتمسك بالوجود الإيراني في سوريا، كون طهران تؤمن الدعم الاقتصادي عبر شحنات النفط الواردة إلى سوريا، فضلا عن دعمها للقوات النظامية بالعنصر البشري، من خلال الميلشيات الموالية لها”.

مقالات قد تهمك: زيارة علي مملوك لطهران: لقاء اعتيادي أم تنسيق شامل على خلفية الأزمة الأوكرانية؟

ما دور قاعدة حميميم في معادلات الصراع القائمة؟

يتفق المراقبون على أن قاعدة حميميم، التي يحاول الإعلام الموالي لحكومة دمشق الزج بها في قلب الصراع، لا تعد نقطة اشتباك رئيسية بين بين روسيا والناتو. وإن كانت مهمة في الصراع ضمن منطقة البحر المتوسط، خاصة مع قيام القوات الروسية مؤخرا بإجراء استعراض عسكري ومناورات في المنطقة.

بالنسبة لمهند أبو الحسن فإن “إعلان تركيا إغلاق المضائق أمام السفن الحربية الروسية خلق صعوبة كبيرة أمام وصول السفن الروسية من وإلى قاعدة حميميم، وهو ما أفقدها أي أهمية في معادلة الغزو الروسي لأوكرانيا”.

ويضيف: “في حال تحولت خارطة الحرب الحالية إلى حرب عالمية فحينها يمكن أن تلعب قاعدة حميميم دورا معينا في الصراع، مع الأخذ بعبن الاعتبار إمكانية تدميرها خلال ساعات قليلة، نظرا لسهولة استهدافها من أكثر من جهة. علما أن القاعدة محاطة بقوى حلف الناتو، وعلى رأسها القوات التركية، التي تمتلك طائرات بيرقدار ذات الكفاءة العالية”.

الدور التركي في الصراع بين روسيا والناتو وتأثيره على سوريا

وبالحديث عن القوات التركية ودورها في الصراع بين روسيا والناتو، يطرح كثير من المراقبين أسئلة عن مستقبل العلاقات بين موسكو وأنقرة، وتأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على تفاهم أستانة، واحتمالية تغير الوضع القائم بين الطرفين في سوريا. فضلا عن إمكانية إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط لمحاصرة النفوذ الروسي، من خلال دفع تركيا إلى حسم موقفها إلى جانب حلف الناتو، مع وعد أميركي بدعمها لترسيم حدودها البحرية مع اليونان، وحل المسألة القبرصية.

أبو الحسن يرى أن “بإمكان أردوغان الاستفادة من الحرب الأوكرانية، من خلال دعوة الغرب لإعادة تنشيط وترميم حلف الناتو، وبما أن تركيا صاحبة ثاني أقوى جيش في الحلف، بعد الجيش الأميركي، فسوف تحصل على وضع سياسي أفضل، تكسب من خلاله احترام الأوروبيين. وإن كان هذا لا يكفي لنيل أنقرة الدعم الكامل لترسيم حدودها مع اليونان، ونيل ما تريده في قبرص”.

الباحث ناصر زهير يؤكد أن “تفاهم أستانة لا يمكن أن يتغير، لأن موسكو وأنقرة تفصلان الملفات المختلفة، وتحاولان رعاية مصالحهما المشتركة، رغم الصراع بين روسيا والناتو. كما تعد هاتان الدولتان في مرمى استهداف الغرب، من خلال العقوبات الاقتصادية. وعندما تم فرض العقوبات على تركيا كانت موسكو أكثر براغماتية في التعاطي مع أنقرة، رغم الخلافات التي بينهما. وربما ستتخذ أنقرة الموقف نفسه، ولن نشهد تصاعدا للخلاف بين الروس والأتراك في هذه الفترة على الأقل”.

سيناريوهات متوقعة لتأثير الصراع بين روسيا والناتو على سوريا

وخلصت دراسة صادرة عن المرصد الاستراتيجي، بعنوان “الحرب الأوكرانية تنذر بانهيار الوضع القائم في سوريا”، إلى أنه من غير المتوقع أن تصمد سياسة “المحافظة على الوضع القائم” في سوريا. فعلى الرغم من الهدوء الحذر الذي تشهده مختلف الجبهات في البلاد، إلا أن تبعات تصاعد الصراع بين روسيا والناتو قد بدأت تضغط على الحكومة السورية.

ويمكن، بحسب الدراسة، “استشراف مآلات التحولات المرتقبة في سوريا، من خلال تقييم مواقف الجيوش المتصارعة فيها، وأنماط ردود فعلها المرتقبة، وذلك وفقا للسيناريوهات الأربعة التالية: الأول، سلسلة انهيارات اقتصادية في أسواق المال والطاقة والشحن والتأمين، يمكن أن تؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل للحكومة في دمشق؛ الثاني: اندفاع إيران لملء الفراغ العسكري والاقتصادي، الذي ستخلفه المغامرة الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي سيدفع بتل أبيب لتصعيد ضرباتها الجوية في سوريا، وسيؤدي ذلك إلى بروز مسرح جديد للصراع شرقي المتوسط، ربما ترغب موسكو في إشعاله خلال الأسابيع المقبلة”.

وتتابع الدراسة أن “السيناريو الثالث هو تنامي التوتر التركي-الروسي، ما يؤذن بانفجار الوضع في إدلب، وفي مناطق: ”درع الفرات“ و“غصن الزيتون“، و“نبع السلام“، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار تفاهمات أستانة؛ والرابع لجوء الولايات المتحدة وحلفائها إلى استهداف القواعد الروسية في سوريا، بهدف توسيع نطاق المواجهات، واستنزاف روسيا على مختلف الجبهات. وسيكون هذا الاحتمال هو الأكثر ترجيحا إذا ما نجحت القوات الروسية في تحقيق أهدافها في السيطرة على كييف، وفرض حكومة عسكرية موالية لها. وسيفرض هذا المسار على كل من تل أبيب وأنقرة وفصائل المعارضة السورية أدوارا جديدة، قد تصل إلى شن هجمات ضد المواقع الروسية، وضد الحكومة السورية في دمشق”.

سوريا بوصفها ساحة لصراع روسيا والناتو

تعليقا على هذه الدراسة يؤكد الباحث مهند أبو الحسن أن “مآلات الصراع بين روسيا والناتو يمكن أن تنعكس على الوجود الروسي في سوريا. وذلك وفقا لنتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، والحجم السياسي الذي ستكتسبه موسكو بعده، ومدى ثقلها في المجتمع الدولي، وقدرتها على ممارسة الدور الذي كانت تمارسه خلال السنوات الماضية في سوريا”.

مختتما حديثه بالقول: “بالنهاية يمكن لكل لهذه التفاصيل أن تؤثر على الملف السوري. ولكن لا يمكن التكهن بمآلاتها بشكل دقيق”.

أما ناصر زهير فيشير إلى “وجود رابط بين الملفين الأوكراني والسوري. فموسكو ستدخل في صراع مع القوات الأمريكية المتمركزة داخل سوريا في مرحلة ما. وفي الوقت نفسه لن تسمح الولايات المتحدة ببقاء القوات الروسية مستقرة في سوريا، كما هو الوضع حاليا، وبالتالي فتصاعد الصراع بين روسيا والناتو محتمل على الأراضي السورية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.