في كل موسم رمضاني يعود النقاش حول دراما “البيئة الشامية” بين ناقد لما تقدمه هذه الأعمال عن بيئة دمشق، ومن يعتبرها نوع من “الفانتازيا” الممتعة، ومن يرى أن المشاهد السوري أصيب بالتخمة من هذا النوع من الأعمال.

سقف باب الحارة

منذ توقف السلسلة الشهيرة “باب الحارة” بشكلها الأصلي من إنتاج شركة “ميسلون” وإخراج بسام الملا، لم ينجح عمل بيئة شامية بتحقيق ذات الشعبية العربية التي حصدها المسلسل على مدار 10 مواسم.

“باب الحارة” دون الدخول في جوانبه الفنية، كان العمل الذي وضع دراما البيئة في طليعة الإنتاجات السورية، وقدمت له على مدار سنوات إنتاجه إمكانيات عالية وفرتها مجموعة “إم بي سي” كما تناوب على بطولته نخبة نجوم سوريا.

ليس من الظلم القول هنا أن كل مسلسل بيئة شامية في تلك الحقبة كان محاولة لتجاوز “باب الحارة”، فنيا وجماهيريا، لكن هذه المحاولات تكلل معظمها بالفشل لعدة أسباب أبرزها عدم الخروج من القالب التقليدي الذي بدأ منذ “أيام شامية” وهو القالب المؤلف من زعيم، عكيد، ومجلس أعضاء أو ما يسمى “الأعضاوات”.

من جانب آخر الهجوم الذي شنه صناع هذه الدراما عليها، وحضور وسائل التواصل الاجتماعي وأقلام النقاد التي أخرجت هذه الأعمال من كونها مستوحاة من التراث، أو مبنية على بيئة وثقافة عاشتها مدينة دمشق في يوم ما.

كذلك تدخل ضعف البناء الدرامي للشخصيات الرئيسية التي بدأت تصبح مبالغة ومفتعلة وأيضا مكررة.

سوق الحرير

مسلسل “سوق الحرير” الذي أنتجه المخرج الراحل بسام الملا، جاء كإعادة هيكلة لهذه الأعمال، وحملها مجددا إلى منصة العرض الأقوى عربيا “إم بي سي”، وإذا ما تجاوزنا أن العمل أراد أن يكون ملكيا أكثر من الملك في تبني كل الانتقادات التي وجهت لمسلسلات البيئة الشامية في السنوات السابقة، فإنه بالفعل تغلب على كل المشاكل التي ذكرناها وقدم حكاية شيقة في بعض الأحيان وفي القالب البيئي الدمشقي المعتاد، مع تطور واضح على صعيد الصورة والمؤثرات البصرية.

قُدم من العمل جزئين وكان من المنتظر أن يعرض موسم جديد منه في رمضان 2022 لولا أن الموت غيب المخرج بسام الملا هذا العام، لتترك ساحة البيئة الشامية مشرعة لرشا شربتجي التي تنافس مع الجزء الثاني من مسلسلها حارة القبة، إلى جانب سمير حسين في مسلسل “الكندوش” بجزئه الثاني.

حارة القبة.. فخ الموسم الثاني

بالعودة إلى الأسباب التي أدت إلى فشل الكثير من محاولات إنتاج بيئة شامية جماهيرية، فلابد من الإشارة إلى موضوع المواسم المتعددة، فمنذ نجح “باب الحارة” وتخطى الجزء الثاني، بدأت تكتب أعمال البيئة الشامية على أساس إنتاجها على عدة مواسم، وفي هذا الموسم يحضر كل من “حارة القبة”، “الكندوش”، و”بروكار” في مواسهم الثانية.

فخ الموسم الثاني هو ما تقع فيه هذه الأعمال على شكلين، فإما أن يكون مخططا لهذا الموسم من قبل فتأتي أحداث الموسم الأول بطيئة ومملة وهذا ما وقع فيه مسلسل “حارة القبة”، أو يكون الموسم الثاني ناتج عن نجاح الأول، فتأتي أحداثه مفككة، وهذه ليست قاعدة ثابتة ولكن حدثت مرارا.

في “حارة القبة” الموسم الثاني، تتسارع الأحداث في الحلقات الأولى بعد أن انتهى الموسم الأول دون أي حلحلة لخيوط الحكاية، رغم أنه استمر لأكثر من 30 حلقة.

يحتفظ الممثلون فادي صبيح ومحمد حداقي بجودة أدائهم، وينخفض أداء سلافة معمار لتراجع دور الشخصية في سياق العمل.

الملحوظ أن كوكبة الممثلين الشباب التي اعتمدت عليها المخرجة رشا شربتجي لم تقدم حتى الآن إضافة مهمة على صعيد الأداء التمثيلي، مع أن بعضهم يؤدي بشكل أفضل في أعمال أخرى على رأسها “كسر عضم” وهنا ربما يعود الأمر لمساحة الشخصية وطبيعة العمل، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنهم جميعا يؤدون بشكل جيد بالحد الأدنى.

في الموسم الثاني وحتى الآن يبدو أن “حارة القبة” هو من سيحمل لواء الأعمال الشامية في هذا الموسم الرمضاني، خصوصا مع غياب الموسم الجديد من “سوق الحرير” وفشل المنافس المنتظر “جوقة عزيزة” في ظل الانتقادات الواسعة التي طالته.

جوقة عزيزة.. لماذا عادت نسرين طافش؟

رغم الانتقادات التي واجهتها الممثلة السورية نسرين طافش في السنوات الأخيرة على خياراتها الفنية، لا سيما اقتحامها لعالم الغناء، إلا أننا لا يمكن أن ننكر أن طافش كانت ممثلة واعدة في بداياتها وعلق عليها النقاد والمتابعين أمالا كبيرة مع ظهورها في العديد من الأعمال السورية الناجحة.

بعد غياب طويل عن الدراما السورية الخالصة، حضرت نسرين طافش في بطولة مطلقة هي الأولى لها على الصعيد السوري ومع نخبة النخبة من نجوم سوريا أمثال سلوم حداد وأيمن رضا وسليم صبري، وعودة المطربة نورا رحال إلى عالم التمثيل ومشاركة الفنان اللبناني وسام حنا. ومع أن هذه الأسماء تعد بالكثير لكن العمل سقط منذ حلقاته الأولى.

على الطريقة القديمة تقدم العمل المنتج من قبل شركة “غولدن لاين” عبر مقطع تشويقي واحد مدته أكثر من 4 دقائق، يكشف عن معظم الصراعات الدرامية ويوضح تقريبا خطوط الشخصيات، فيعرف المتابع من عزيزة ومن أحبائها ومن أعدائها، ربما هناك شيء واحد فقط لم يبلغنا البرومو به وهو نهاية العمل، التي لابد أن تكون سعيدة لعزيزة بحسب سياق المسلسل.

مع ذلك القصة المعلنة للصحافة عن فنانة استعراضية تدخل بعلاقة حب مع ضابط فرنسي في فترة الانتداب على سوريا، سوف تجعلك تفكر بمتابعة عمل ربما يكون خارج صندوق “الفرنساوي” التي حبست هذه الأعمال نفسه فيه.

جوقة عزيزة يدخل على المشاهد من الحلقة الأولى ببطء وثقل بالأحداث، رغم أن المقطع التشويقي كفى ووفى بالكشف عنها، ومع أهمية الدقائق الأولى من أي مسلسل لجذب المشاهد، يتجاهل صناع العمل ذلك لصالح استعراض لما ربما يعتقدون أنه إنجاز وهو الشخصيتين الرئيسيتين في العمل “حمدي حميها” (سلوم حداد) و”عزيزة خوخة” (نسرين طافش). عشر دقائق تقريبا سوف تقضيها بالتعرف على “الراقصة والطبال” في استعراض سمج لم يقدم أدنى مقومات العمل الاستعراضي من موسيقى أو غناء أو حتى رقص.

على غرار “شارع شيكاغو” يمثل العمل انتقالا في بيئة دمشق من عالم “الحرملك والزلملك” إلى عالم “الخمارات”، وكأن دمشق لا يمكن لها أن تحوي الاثنين في سياق درامي واحد، مع تحفظ صناع “شارع شيكاغو” على تصنيف عملهم كبيئة شامية، حيث يعتبره مخرجه محمد عبد العزيز “وثيقة تاريخية”، وربما قد يعتبر مخرج “جوقة عزيزة” تامر إسحاق، عمله وثيقة من قبيل ما.

بالعودة هنا إلى نسرين طافش والأسئلة التي لاحقت غيابها عن التمثيل وعودتها المتقطعة في فيلم هنا ومسلسل هناك، وأغانيها أيضا، لا يبدو السؤال الأهم حاليا لماذا غابت نسرين، وإنما لماذا عادت؟.

في النهاية تجدر الإشارة إلى أن “جوقة عزيزة” تمكن من حجز مكانه على قناة “روتانا دراما”، ومنصة “شاهد” الإلكترونية، لكن دراما البيئة الشامية غابت عن جميع منصات العرض الكبرى، وهنا لا شك أننا نقصد “إم بي سي” وتلفزيون “أبو ظبي” والآخرين من المنصات غير المدفوعة ذات الانتشار العربي، في وقت قررت شبكة “ستارز بلاي” العالمية اختيار “باب الحارة 12” ضمن عروضها الرمضانية في الشرق الأوسط.

ليبقى النقاش حو دراما “البيئة الشامية” سجالا مفتوحا بين حزب “هذه ليست بيئة دمشق”، وخصمه “الجمهور هيك بده” دون أي مؤشرات حقيقية على أن هذه الأعمال لازلت مطلوبة على الأقل لدى المشاهد السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.