نحو 4 سنوات مرت منذ بدء ما بات يعرف في سوريا بعمليات التسوية، ومناطق التسوية، وهي المناطق التي سيطرت عليها القوات الحكومية بدعم روسي وإيراني مباشر، وتقوم التسوية على دخول القوات الحكومية بضمانة روسية بعد التعرض للمقاتلين من المعارضة وللأهالي، مقابل ترك السلاح والانخراط في “مصالحة” أو “تسوية” مع حكومة دمشق، إلا أن الضمانات تبقى قابلة لخرقها في أية لحظة بمختلف مناطق المصالحات سواء في وسط سوريا أو جنوبها بشكل رئيسي.

دمشق لم تلتزم ببنود التسوية وفوضى أمنية

خلال السنوات الماضية، لم تلتزم الحكومة بأي من البنود في الاتفاق، ولم تنفذ روسيا تعهداتها كضامن، فازدادت الأوضاع الأمنية توترا من خلال ارتفاع غير مسبوق في عمليات الاغتيال ضد عناصر وقيادات المعارضة، ولم يتم إطلاق سراح المعتقلين كما نص الاتفاق، إنما أُطلق سراح عدد من المعتقلين ممن تم اعتقالهم بعد التسوية، أو قبل أيام من صدور مراسيم العفو الرئاسية ” الخاصة”، وكانت النقطة الأهم عدم انسحاب الميليشيات الإيرانية والقوات التابعة للحكومة إلى ثكناتها بشكل كامل، ما فاقم المشاكل في مناطق التسويات بتعمد من الأجهزة الأمنية لتنفجر عدة مواجهات في مناسبات ومناطق مختلفة.

كما عادت الأجهزة الأمنية لشن حملات اعتقالات داخل المدن والبلدات وعلى الحواجز المحيطة بها، كسابق عهدها على الرغم من الاتفاق على عدم التعرض حتى للمطلوبين ممن أجروا التسوية ويحملون بطاقات تسوية.

ومن جهة أخرى ازدادت وتيرة عمليات الاغتيال وخاصة في محافظة درعا، حيث استهدفت معظم رافضي التسوية والقيادات السابقين في المعارضة خلال العامين الأولين من التسوية، فيما يبدو أنها خطة مدروسة من قبل الأجهزة الأمنية، ثم انتقلت الاغتيالات إلى مرحلة الفوضى المنظمة لتستهدف مختلف الأشخاص من مختلف الانتماءات والولاءات.

وحسب مصدر من “تجمع أحرار حوران”، خلال حديثه لـ”الحل نت”، فقد بلغت عمليات الاغتيال منذ مطلع العام الحالي وحتى منتصف شهر نيسان/أبريل الحالي نحو 103 عمليات اغتيال أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 78 شخصا، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.

من جهة ثانية، تحولت دمشق وريفها ومن خلفها الميليشيات الإيرانية محافظة درعا إلى أهم مقر لتجارة المخدرات وتهريبها للأردن ودول الخليج، عدا عن إغراق المحافظات بالمخدرات ونشرها بين الأهالي، ما زاد في الفوضى المنتشرة أصلا.

يقول أيمن أبو محمود، الناطق باسم “تجمع أحرار حوران”، لـ”الحل نت”، بأن “كل المعلومات التي يتم جمعها من الداخل أن الحكومة ممثلة بأجهزتها الأمنية، تشير إلى أنها لا تريد أن يكون هناك استقرار في درعا، فهي أجهزة تبرع في إدارة الفوضى التي تعتبر بيئة ملائمة لتنفيذ كل عملياتها المشبوهة، من اغتيالات وتهريب مخدرات وسلاح وغير ذلك”.

وأوضح أبو محمود، أن الأجهزة الأمنية، نجحت بعد التسوية باستهداف شخصيات قيادية وعناصر من المعارضة لم تكن تستطيع الوصول إليهم قبل التسوية، بالإضافة لتهيئة الظروف الملائمة للتمدد الإيراني، خاصة مع الانحسار الروسي مؤخرا بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث بدأت الكفة تميل لصالح إيران في الجنوب السوري، وهذا ما يفسر الفوضى الهائلة في الأسبوعين الأخيرين، من اغتيالات واشتباكات وتفجيرات.

أما في ريف حمص الشمالي، من أوائل المناطق التي خضعت للتسوية، فقد تعرض عدد كبير من أبنائها للاعتقال، رغم الضمانات المسبقة بعدم التعرض لهم، وخاصة المنشقين ممن سلموا أنفسهم للسلطات بعد التسوية، هؤلاء نقل عدد منهم إلى سجن صيدنايا العسكري، ليلقى حتفه فيه نتيجة التعذيب.

بالإضافة لذلك يتعرض أهالي المنطقة، خاصة في بلدات الحولة وتلبيسة والرستن لمضايقات أمنية مستمرة من الأجهزة الأمنية الحكومية، حسب متابعة “الحل نت”.

أما بالنسبة لغوطة دمشق، فقد عملت الحكومة بعد عملية التهجير الكبيرة لأهالي الغوطة في منتصف عام 2018، إلى تقسيم مناطق الغوطة إلى 5 مناطق ليسهل السيطرة عليها والتحكم بها.

وحسب متابعة “الحل نت”، فإن الأخبار الواردة من الغوطة الشرقية شحيحة للغاية لعدم وجود ناشطين بسبب التضييق الأمني الذي تفرضه الأجهزة الأمنية، كما تشن الأخيرة حملات اعتقال مستمرة في المنطقة، ما دفعت بالعديد من أبناء المنطقة للهرب مجددا إلى الشمال السوري أو إلى لبنان.

قد يهمك:درعا.. نموذجٌ عن التسويات الفاشلة في سوريا

الوضع الاقتصادي في تدهور

تعيش المناطق الخاضعة للتسوية في حالة اقتصادية سيئة للغاية، كبقية المناطق الخاضعة للحكومة، فقد ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع عدم وجود دخل ملائم قادر على تغطية احتياجات الناس.

وبالإضافة لذلك فقد تعرضت أجزاء واسعة من هذه المناطق لتدمير كبير وتدمير للبنية التحتية أثر أيضا على الوضع الاقتصادي بشكل سلبي، وعلى الرغم من الوعود بإزالة آثار الدمار إلا أنها لا تزل قائمة حتى الآن.

وتنطبق الأوضاع الاقتصادية المتردية على كل مناطق التسوية، فالمعاناة نفسها، والأسعار وكل العوامل التي تجعل من الصعب مجاراة الانهيار السريع للاقتصاد.

إقرأ:مع انتهاء التسويات في درعا: ما مستقبل جنوب سوريا؟

الثقة بالروس في أدنى مستوياتها

انعكست التسويات الأخيرة على علاقة أهالي مناطق التسويات بالروس الذين اعتبروا أنفسهم ضامنين لاتفاقات تسوية 2018، لكن في الحقيقة كان الدور الروسي داعما للحكومة السورية بشكل كامل، ومسهلا لسيطرة الجناح الأمني الموالي لإيران على المحافظات.

وفي درعا يقول القيادي في “اللواء الثامن” خلال حديثه لـ”الحل نت” لا يمكن الوثوق بالروس في أي مرحلة، فهم يدافعون عن مصالحهم فقط، ويعملون من أجل استمرار الحكومة بشكل كامل، وقد كذبوا سابقا ويكذبون الآن، ولا يمكن أن تصديقهم.

من جهته قال الناشط عامر الحوراني، لـ”الحل نت”، أن “الروس كما الإيرانيين، لا يمكن الوثوق بهم، لكن للروس مصالح في سوريا والمنطقة، ويتعاملون مع الأطراف التي تلبي مصالحهم أيا كانت هذه الأطراف، ولذلك يجب على المعارضة السورية اتباع سياسة المصالح عند النظر لمصلحة السوريين في هذه المرحلة الحرجة، حيث لا يوجد شيء اسمه ثقة، بل مصالح متبادلة، وقابلة لتبدل الأطراف في أية لحظة”.

أما الأهالي فمعظمهم يعتقد أن روسيا دولة محتلة لسورية، والثقة فيها معدومة، فقد نقضوا كل العهود والاتفاقات السابقة، ولا يتوقعون أي عمل إيجابي من الروس يغير في حياتهم.

قد يهمك:بعد 40 يوم على انتهاء التسويات عودة كافة أشكال الانتهاكات في درعا

من الجدير بالذكر، أن بعض المناطق التي خضعت للتسويات تعيش حالة من الغليان، وأبرزها محافظة درعا، حيث يرى أهلها أن الحكومة تريد الانتقام منهم من خلال استهدافهم، لذلك تشهد المحافظة الجنوبية الفوضى الأكبر، ولا يمر يوم دون حدوث اشتباكات مع عناصر حكوميين، أو هجمات على مقرات عسكرية حكومية، فيما يبدو أن هناك مناطق ستلحق بدرعا، حيث يرى مراقبون أن دير الزور التي لم تنته التسويات فيها حتى الآن، لن تلبث أن تنفجر في وجه دمشق والميليشيات الإيرانية التي أثقلت كاهل أهلها بشكل لم يعد يُحتمل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.