بعد مضي عدة أشهر من قرارات الحكومة بإعادة هيكلة الدعم ورفع الدعم عن نصف مليون أسرة سورية، بهدف التخفيف عن عجز الموازنة، وتخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأشد فقرا، ودعم العملية الإنتاجية، والعمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، كما زعم مسؤولون حكوميون في السابق، إلا أن ذلك لم ينتج أي فروقات لمستحقيها، بل على العكس تفاقمت الأمور أكثر وأصبحت المواد والتي من المفروض أن يقوموا بتوزيعها شهريا على الأسر -التي بقيت مدعومة وفق زعم الحكومة- باتت توزع كل ثلاثة أشهر أو أكثر، كما وازداد وضع الأفران سوءا، وحوامل الطاقة من المازوت والبنزين والغاز انعدمت رغم أن الحجة هي عدم وصول التوريدات، وارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق.

أين الكميات التي وفرتها الحكومة؟

ضمن هذا السياق، قال عضو مجلس الشعب، محمد عبدالكريم، لتلفزيون “الخبر” المحلي، “عندما رفعت الحكومة الدعم قبل ثلاثة أشهر عن قسم من السوريين، وعدت بأن ذلك سيكون مقابل تأمين المواد المدعومة للمواطنين الأشد حاجة له، لكنها لم توفر المواد المدعومة (بحسب زعمها)، ولا قامت بزيادتها”، على حد وصفه.

وتابع البرلماني في حديثه: “من حق المواطن أن يتساءل أين الكميات التي وفرتها الحكومة من الأسر التي رفع الدعم عنها، وهو رقم لا يستهان به؟ وأين حصص الأسر التي لا تزال مستهدفة بالدعم؟”.

كما وتساءل عضو مجلس الشعب خلال حديثه مع التلفزيون المحلي: “كخطوة أصرت الحكومة على اتخاذها دون الرجوع لمجلس الشعب.. ما الفائدة التي جناها المواطن (أو الفقير على الأقل) بحسب زعم الحكومة؟”، في إشارة إلى فشل ذريع لإعادة هيكلة الدعم من قبل الحكومة، بل وأنها خطوة لسرقة جديدة لجيب المواطن.

وأكد على هذا الكلام أيضا، أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة “تشرين”، أحمد أديب أحمد، لتلفزيون “الخبر”: “بعد أشهر من رفع الدعم الذي قامت به الحكومة عن مئات الآلاف يحق لنا أن نتساءل: أين ذهبت فروقات الدعم بعد رفعه عن شريحة واسعة؟ أين أنفقتها الحكومة؟ وكيف انعكست على الاقتصاد والمستوى المعاشي للسكان؟ هذا الأمر الذي وعدت به الحكومة ولم نرَ له أية انعكاسات إيجابية”.

ونوّه أحمد إلى أنه “من جهة ثانية، بالنسبة للمبالغ التي صرحت الحكومة بأنها قامت بتوفيرها جراء رفع الدعم، لم نر أنها وضعت في مكان ينهض بالمستوى المعاشي للسكان، فلا الرواتب زادت، ولا المشاريع الإنتاجية أنشئت، ولا المشاريع الصغيرة والمتوسطة دُعمت”، على حد تعبيره.

وبحسب تقدير الاقتصادي، “هذا يعني أن فائض الدعم إما أنه لم يكن بالمستوى الذي صرحت عنه الحكومة أو أنه يُسرق، ويمكن ترجيح أي من الاحتمالين طالما لا توجد وثائق أو تصريحات رسمية، ولا شفافية من قبل الحكومة لتبيان أين هي آثار رفع الدعم؟”، وفق حديثه مع التلفزيون المحلي.

كما ووعدت الحكومة أن عملية رفع الدعم ستساهم بتأمين المواد وتوفيرها في الأسواق، وردا على هذا التساؤل قال الاقتصادي: “للأسف، شاهدنا العكس تماما، فوضع الأفران ازداد سوءا، وحوامل الطاقة انعدمت رغم أن الحجة هي عدم وصول التوريدات، لنتفاجأ بعدها برفع أسعارها، فهل ننتظر زيادة سعرية جديدة مثلا للوقود والغاز؟ لا أحد يدري ماذا تخطط له الحكومة، وكيف تساهم في امتصاص ما تبقى من إمكانيات الشعب الفقير؟”، على حد قوله لتلفزيون “الخبر” المحلي.

وتابع الأستاذ الجامعي: “دائما يتم قطع حوامل الطاقة في الأسواق بحجة تأخر التوريدات أو عدم وجودها، لنتفاجأ بعدها برفع أسعارها، فهل ننتظر زيادة سعرية جديدة مثلا للوقود والغاز؟ لا أحد يدري ماذا تخطط له الحكومة؟ وكيف تساهم في امتصاص ما تبقى من إمكانيات الشعب الفقير؟”.

قد يهمك: بعد شطب سجلاتهم التجارية.. مستبعدون ينتظرون عودة الدعم الحكومي

فتح مسارب الهدر والفساد

أما بخصوص تصريحات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، بأن هناك دراسة لتحويل الدعم إلى دعم نقدي، فقد صرحت الحكومة بعد ذلك، بأنه “لا دعم نقدي نهائيا، ولن تتغير آلية الدعم المتبعة”.

وضمن هذا السياق، قال الاقتصادي لتلفزيون “الخبر”، هذا أمر أراه سلبيا جدا ولن يؤتي بأية ثمار لا على المستوى القريب ولا البعيد، لأن الدعم العيني بشكله الحالي كالبقرة الحلابة بالنسبة للمسؤولين، ومن خلاله يتم سرقة فوائض كثيرة، والالتفاف على القانون وفتح مسارب الهدر والفساد، وما إلى ذلك من هذه الأمور.

وأردف في حديثه، “يجب اتخاذ قرار جريء، فعّال وواضح بوقف آلية الدعم الحالية التي تمتهن كرامة المواطن، وتسرق من جيبه لصالح المسؤول الفاسد، وتقطر له المواد المدعومة بالقطارة، إن كان هناك جدية في التمسك بمبدأ الدعم حقيقة لا على الورق، كما تزعم الحكومة”.

حكومة عاجزة

أصبحت قضية عجز الحكومة معروفا للجميع، من حيث مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية أو حتى المحلية، وعجزها عن ضبط الأسواق ولو جزئيا، ومهزلة التدخل الإيجابي التي تغنت بها الحكومة بعقد عشرات الاجتماعات وإصدار قرارات لم تخرج من إطار «بيع الشعارات والأوهام» للمواطنين، حتى الأسعار تتزايد يوما بعد يوم.

ويحاول المسؤولون الحكوميون بشكل مستمر إيجاد حجج واهية لتبرير ما يجري، بالتزامن مع تقديم وعود بالتدخل للحد من ارتفاع الأسعار وتخفيضها، لكن دون أن يكون لذلك أي أثر حقيقي على أرض الواقع.

ما يجعلنا نقف مطولا لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الغلاء والأزمة المعيشية الخانقة، لنجد أن هناك أمرين رئيسيين، أولهما سوء إدارة الملف الاقتصادي من قبل الحكومة، والثاني هو الثقافة المتجذرة في عقلية التاجر السوري في اقتناص الفرص لتحقيق أرباح متزايدة ومن خلال مراقبة الأسواق نجد انتشار ظاهرة الاحتكار بشكل لم يسبق له مثيل، وسط غياب الرقابة الحكومية.

وبالطبع هذا الاحتكار من قبل التجار، الذين هم مقربين من الدولة بشكل أو بآخر، مما يعني أن لا شيء يحدث دون رضا الحكومة، حيث أنها “اليد العليا في كل شيء” في البلاد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال شبكة الموالين لها في القطاع الاقتصادي.

يمكن القول بأن هذه الأزمة سببها الأساسي الحكومة وضعف قدراتها الاقتصادية في مواجهة الأزمات، فضلا عن الفساد الذي يبتلع المؤسسات الحكومية والفوضى في الأسعار دون تحرك أو حل من قبل الحكومة.

يذكر أن الحكومة استبعدت مطلع شهر شباط/فبراير الفائت نحو 600 ألف عائلة من الدعم الحكومي المقدم سابقا، دون تعويض أو ما شابه، وبيعها بعض المواد الغذائية الأساسية، والمشتقات النفطية بأسعار محررة وغير مدعومة، وهو ما أثار استياء ورفضا واسعين لدى السوريين.

قد يهمك: مطالبات برفع رواتب السوريين لمعالجة إلغاء الدعم الحكومي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.