بعد انتخابات مغايرة عما سبقها في لبنان، أُعلنت يوم الأحد الفائت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية التي حملت نتائج مفاجئة على مستوى تغيير العديد من الرموز السياسيين الذين لازموا المشهد السياسي والبرلماني اللبناني لسنوات طويلة.

فقد سبق إعلان النتائج حدوث تغييرات في برلمان يضم أحزابا يعتبرها غالبية اللبنانيين أنها من أوصلت البلاد إلى وضعها الحالي من التدهور الاقتصادي والسياسي.

ماذا تعني نتائج الانتخابات بالنسبة لنفوذ البعث وإيران؟

الأكاديمية والكاتبة اللبنانية، منى فياض، ترى خلال حديثها لموقع “الحل نت”، أنه وبعد الانتخابات الأخيرة باتت عودة البعث السوري إلى لبنان تناقض توجهات حزب الله، فحزب الله الذي يحارب في سوريا لن يسمح بإعطاء نفوذ للبعث السوري في لبنان، ففي الفترة السابقة استخدم الحزب البعثيين من أجل تنفيذ أجنداته.

وأضافت فياض، أن حزب الله لم يدعم البعثيين للفوز في الانتخابات الأخيرة، ولكن فشلهم من ناحية ثانية يعبر عن رفض المجتمع اللبناني لعودة “النظام السوري” إلى لبنان، مشيرة إلى أن الحكومة السورية فقدت الشرعية في سوريا نفسها، لذا لن يكون لها أي شرعية في لبنان.

وأشارت فياض، إلى أنه لم يتبق نفوذ سوري كبير في لبنان، حتى ضمن تيار “المردة” والنائب “طوني سليمان” الذي يعتبر من أصدقاء الأسد، فقد بات ينظر باهتمام إلى الأوضاع اللبنانية الداخلية أكثر من اهتمامه بعلاقاته مع الحكومة السورية، مختلفا بذلك عن وئام وهاب، و”التيار العوني”.

أما فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، فترى فياض أنه من المؤكد أنه سيضعف خلال المرحلة القادمة، فالوضع في إيران نفسها مشتعل، وحزب الله لن يتمكن من نقل أو عكس ما يجري في إيران على لبنان، فلن يكون هناك رضوخ له، وسيخسر الكثير.

رفض واسع للنفوذ الإيراني في لبنان، سيظهر في المجلس النيابي الجديد، ومن الممكن أن يؤدي إلى خلافات في المجلس، قد تدفع بالأمور إلى طريق مسدود وخاصة في الاستحقاقات المطلوبة من لبنان، في قضايا صندوق النقد الدولي، ومد الكهرباء، لأن تطبيق هذين الأمرين سيزعجان حزب الله وجبران باسيل، الذين سيعملون على الوقوف في وجهها، كما سيزيد تطبيق هذين المشروعين من معاناة اللبنانيين من خلال إجراءات التقشف التي سيعيشونها.

إقرأ:انتخابات نيابية جديدة في لبنان.. هل يتراجع نفوذ حزب الله؟

أبرز النتائج والخاسرين

في دائرة الجنوب الأولى (صيدا – جزين)، فاز حزب “القوات اللبنانية” بمقعدين نيابيين، بينما تلقى “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، ضربة قوية بخسارته مقعدَيْه النيابيين في جزين، بحسب تقارير صحفية.

في دائرة الجنوب الثانية، التي تضمّ صور وقرى صيدا، فاز المرشحون ضمن لائحة “الأمل والوفاء” التي تمثل “حزب الله” و”حركة أمل” بالمقاعد السبعة النيابية كاملة، وفي دائرة جبل لبنان الأولى، حصد العدد الأكبر من المقاعد تحالف “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” ضمن لائحة “كنا ورح نبقى”، بينما حصدت لائحة “معكم فينا للآخر” التي تمثل “القوات اللبنانية” مقعدَيْن نيابيين، ومقعدان للائحة “صرخة وطن”، ويُعد أبرز الخاسرين في هذه الدائرة صهر رئيس الجمهورية، النائب السابق شامل روكز، ومنصور البون.

دائرة البقاع الأولى، وتضم زحلة، حصدت لائحة “زحلة السيادة” التي تمثل “حزب القوات”، ومدعومة من رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، 3 مقاعد نيابية، وحصدت لائحة “زحلة الرسالة”، والتي تمثل تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على 3 مقاعد نيابية، كما فاز ميشال ضاهر بمقعد عن لائحة “سياديون مستقلون” التي كان يتحالف فيها مع “حزب الكتائب اللبنانية”.

أما دائرة البقاع الثانية، وتضم راشيا والبقاع الغربي، فازت لائحة “الغد أفضل” التي تضم تحالف حسن عبد الرحيم مراد و”حزب الله” و”حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، بثلاثة مقاعد نيابية، وفازت لائحة “القرار الوطني المستقل”، التي تضم تحالف “الحزب التقدمي الاشتراكي”، ونائب “المستقبل” السابق محمد القرعاوي، بمقعدين، كما خرقت لائحة “سهلنا والجبل” التي تمثل قوى المجتمع المدني بمقعد سني للناشط في انتفاضة 17 تشرين ياسين ياسين.

ويُعد أبرز الخاسرين في هذه الدائرة نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي، مع الإشارة إلى أن النتائج تأخرت كثيراً في الصدور وقد جرت محاولات للتلاعب بالأصوات لإنقاذ فرزلي من خلال تزوير صندوق اقتراع مرتبط بسورية، لاحتساب أصواته له، ولكن تدخل مندوبي لائحة “سهلنا والجبل” حال دون أي تزوير.

وفي صعيد دائرة جبل لبنان الرابعة، حصدت لائحة “الشراكة والإرادة” التي تضم تحالف “القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” سبعة مقاعد مع فوز تيمور وليد جنبلاط، وجورج عدوان، ومروان حمادة، وبلال عبد الله، وأكرم شهيب، وراجي السعد، ونزيه متى، في حين حصلت لائحة “الجبل” التي تحالف فيها “التيار الوطني الحر” ورئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان ورئيس “حزب التوحيد العربي” وئام وهاب على 3 مقاعد، كذلك، فازت لائحة “توحدنا للتغيير” التي تمثل المجموعات المدنية بـ3 مقاعد نيابية.

وأبرز الخاسرين في هذه الدائرة، فهما السياسيان الدرزيان وئام وهاب، الذي وصف العملية الانتخابية بعد خسارته بـ”موسم الكذب الانتخابي”، وطلال أرسلان، الذي باستثناء خسارته عام 2005 توالت نيابته منذ عام 1992، والرجلان يدوران في فلك دمشق.

قد يهمك:ماذا ينتظر التيار السني في لبنان بعد انسحاب سعد الحريري؟

لبنان ضد الهيمنة الإيرانية وسلاح حزب الله

الاحتجاجات الشعبية في 2019، استطاعت إفراز معارضة جديدة شابة، تحاول اليوم دخول الانتخابات بقوة من خلال قوائم ما تعرف بقوى التغيير، والتي تسعى للحد من سيطرة الأحزاب التقليدية والطائفية، ما أحدث تغييرا لأول مرة في شكل التحالفات المشاركة في الانتخابات.

ومن أبرز أهداف الاحتجاجات ، الوقوف في وجه المشروع الإيراني، ومشروع الدويلة، وتواجد السلاح غير الشرعي لحزب الله خارج إطار الجيش اللبناني،وهذا ما أدى إلى خسارة الحزب الأكثرية النيابية في الانتخابات.

وترى فياض، أن الرموز التي سقطت في الانتخابات أعطت دعما معنويا كبيرا للشعب اللبناني، ابتداء من إيلي فرزلي، وأسعد حردان، ووئام وهاب، بينما كانت الضربة الكبيرة هي سقوط طلال أرسلان، الدرزي المدعوم من حزب الله، والذي شكل سقوطه صفعة كبيرة للحزب.

وأيضا حصل حزب “القوات اللبنانية” التابع لسمير جعجع على مقاعد جيدة في الانتخابات، لتبنيه سياسة صريحة ضد حزب الله والإيرانيين، ما رفع أسهمه السياسية لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين.

وبالنتيجة، بات موقف اللبنانيين واضحا، برفض الهمجية الإيرانية وسلاح حزب الله، ورفض أجندتهما التي يطبقها حزب الله، لدرجة أن الشيعة أنفسهم بدأوا بالتململ من هذه السياسات.

قد يهمك:لبنان.. ما الذي سيحصل بعد انسحاب سعد الحريري من المشهد السياسي؟

مرحلة صعبة تنتظر لبنان

لا يمكن التنبؤ بعد بشكل دقيق، بما سيجري في المرحلة القادمة على الساحة السياسية اللبنانية، فالمجلس لم يمض على انتخاب أعضائه سوى يومين، والأسماء التي سقطت، وخسارة بعض الجهات كحزب الله، يعلم اللبنانيون يقينا أنها لن تمر بسهولة، فسيسعى هؤلاء لتعطيل العملية السياسية بدعم إيراني كبير.

وفي هذا السياق، ترى فياض أن الأوضاع صعبة، وهناك مرحلة قادمة ستكون صعبة أيضا على لبنان واللبنانيين، فما بني خلال عقود من فساد سياسي لم يمح بسهولة وسرعة، فالتغيير الذي حصل بالانتخابات محدود، ولكنه جعل لبنان يبدأ بالاستدارة لاستعادة نفسه ومكانته، وهذا يتطلب تغييرات إضافية في دورة أو دورتين برلمانيتين قادمتين، في حال لم يدخل لبنان في دوامة عنف كبيرة، فلبنان يحتاج لوقت لاستعادة عافيته، وما جرى في الانتخابات يؤكد أن اللبنانيين لن يرضخوا بعد اليوم لإيران وحزب الله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.