كثرت الطروحات مؤخرا داخل سوريا، حول انهيار العملة المحلية، وكان أكثرها إثارة للجدل اقتراح حذف أصفار من العملة.

ورغم أن عملية حذف الأصفار هي الأداة العلاجية التي تلجأ لها الدول، لمواجهة انخفاض قيمة عملتها، غير أنه في الحالة السورية لا تساعد هذه الأداة على تحسين الوضع الاقتصادي، نظرا لأن حكومة دمشق لا تملك القدرة على تصحيح الرواتب والأجور، وفقا لأي تعديل على شكل العملة.

فرص ضعيفة

فرص دمشق بإدخال مال جديد إلى خزينته، محدودة جدا، كما أنها لا تؤمن غطاء مستمرا لتحسين ظروف البلد اقتصاديا، حيث تعتمد دمشق اليوم بالدرجة الأولى على ما يجنيه من السوريين، عبر جوازات السفر، أو القرارات التي أصدرها بإجبار المغتربين منهم على تصريف 100 دولار قبل الدخول إلى البلاد، فضلا عن الحوالات الخارجية. وفي الواقع، فإن كل هذه الحركات، لا يمكن أن تعدل من مزاج الاقتصاد، بالصورة التي تدفع إلى إنقاذه وتحسين ظروف الناس المعاشية.

إن تغيير العملة السورية إلى عملة سورية أخرى لن يرفع من المستوى المعيشي للسكان، لأن الأصل أن يكون هناك موارد تدعم العملة، بمعنى أن هناك سلعا وخدمات موجودة داخل الدولة، تساعد الدولة على حذف الأصفار في عملتها.

دمشق كانت قد طرحت في أواخر كانون الثاني/يناير عام 2021، ورقة نقدية من فئة “5000 ليرة سورية”، وذلك على أمل أن تسهم في تسهيل المعاملات التجارية النقدية، لكن طرح هذه الورقة عمق أزمة الليرة، وكبدها مزيدا من الخسائر في القيمة.

في سياق مواز قالت الباحثة الاقتصادية رشا سيروب، مطلع الشهر الجاري إن عشرات الدول لجأت إلى إزالة الأصفار من عملتها للحد من الضغوط التضخمية، لكن ما لبثت أن عادت مشكلة الأصفار بسرعة، فاضطرت لحذف أصفار جديدة.

وشددت على أنّ القيام بهذا الإجراء من دون تحقيق عوامل عديدة أهمها الاستقرار السياسي والقانوني والقضائي، والالتزام بالقانون الدولي والتوافق مع التغيرات الدولية؛ لن يكون غير فعال فحسب، بل سيكون فاشل.

حالة التضخم في الأسعار وانخفاض قيمة الأوراق النقدية السورية ازدادت بشكل مهول خلال السنوات الثلاثة الماضية، لدرجة بات الناس يحملون حقائب أو أكياس لحمل الأموال عند شراء الحاجيات والمستلزمات الحياتية، إزاء ذلك تداول مؤخرا حديثا عن احتمالية قيام حكومة دمشق بحذف أصفار من قيمة أي ورقة نقدية يتعامل بها السوريين اليوم، أي بدلا من (5000 ليرة سورية) يختصر من الرقم صفرين ويعتبره (50 ليرة)، في سبيل مواجهة مستويات التضخم العالية.

وفي ضوء مشكلة الزيادات غير المنضبطة في الأسعار في سوريا، ذكرت سيروب أن حذف الأصفار من العملة ليس سياسة اقتصادية بل إجراء تقني يؤدي إلى تخفيض القيمة الاسمية للعملة المحلية دون تأثير في قيمتها الحقيقية، وذلك من خلال التخلي عن عملة قديمة وظهور عملة جديدة، وفقا لتصريحاتها لصحيفة “الوطن” المحلية.

ولفتت سيروب إلى أنّ إجراء حذف الأصفار لا يمكن تطبيقه حاليا بسبب ارتفاع الأسعار المستمر، وعدم استقرار في سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى الإفراط في المعروض النقدي الناجم عن سياسة التمويل بالعجز، فضلاً عن غياب وضعف الثقة في أي قرار حكومي. وأكدت أن هكذا قرار سيكون مجازفة خطيرة للاقتصاد، قد تؤدي إلى انهياره.

واعتبرت أن هذا الإجراء -في حد ذاته- تهديد، بسبب ضعف الثقة بالحكومة وبإجراءاتها وقراراتها، وتطبيقه قد يؤدي إلى انتشار حالة من الذعر لدى المواطنين، تدفعهم إلى التخلي عن الليرة السورية بطريقة لا يمكن السيطرة عليها من خلال التوجه إلى الملاذات الآمنة (الذهب، والعملات الأجنبية، والعقارات)، ما يؤدي إلى سحب الأموال من النظام المصرفي وتجفيف مصادر السيولة في الاقتصاد ما يفاقم الوضع الاقتصادي ليصبح أكثر سوءا.

تضخم الأسعار وحذف الأصفار

بدوره، يقول الباحث الاقتصادي علي محمد، لصحيفة “الوطن”، إن حذف الأصفار من العملة عملية فنية وليست اقتصادية، ولا تتعدى مزاياها إلا في المساهمة بالتخفيف من حمل كميات كبيرة من العملة، وتوفير نفقات طباعة عملات من فئات أعلى.

وأضاف أن هذه العملية إن لم تكن مصحوبة بخطط وإصلاحات اقتصادية متينة سواء على صعيد السياسة النقدية أم المالية وكذلك الاستراتيجية الخاصة بالاستثمار، فإن النتيجة ستكون مراوحة في المكان، لا بل قد يكون هناك ارتفاع أسعار وخلق مشكلات جديدة في آليات تحديد الأسعار في السوق.

وفي سياق متصل، بينت نتائج دراسة أصدرتها “جمعية العلوم الاقتصادية”، في أيلول/سبتمبر الماضي، أن معدلات التضخم الاقتصادي في سوريا كانت مرتفعة جداً خلال الفترة من عام 2010 وحتى عام 2020، وقد وصلت لمعيار التضخم الجامح، حيث وصلت في عام 2019 بالنسبة لسنة الأساس 2010 ما مقداره 878.3 بالمئة.

وانعكس التضخم الاقتصادي على الأسعار التي تشهد ارتفاعا مستمرا في مناطق سيطرة حكومة دمشق، بسبب ضعف القدرة الشرائية، وزاد الأمر سوءا مع ارتفاع سعر المازوت والخبز لأكثر من الضعف، في ظل انهيار الليرة السورية ووصول سعر الصرف إلى نحو 4 آلاف ليرة سورية لكل دولار، بينما كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في عام 2011 نحو 50 ليرة سورية.

في حين يعتقد العديد من المختصين والباحثين الاقتصاديين أن هذه العملية تحتاج إلى اقتصادات ضخمة وكذلك أن تكون كمية الإنتاج المحلي كبيرا، وهذا عكس “واقع الاقتصاد السوري” المتهالك منذ سنوات عديدة، فضلا عن تدمير نسبة كبيرة من البنى التحتية بسوريا وتوقيف المئات من المنشآت الصناعية والتجارية والزراعية عن العمل، وأيضا هجرة معظم رؤوس الأموال من البلاد، نتيجة الحرب في سوريا.

لقد حمل العام الجديد عدة تغييرات في أرقام الاقتصاد السوري، والتي اتجهت للانحدار بمقابل اتجاه الأسعار لقفزات مضاعفة لا يمكن التوقع إلى أين ستتجه بعد ذلك وكيف ومتى سيتم ضبطها. فالعام الحالي لن يختلف عن سابقه، فمع ارتفاع الأسعار في سوريا، سيكون على المدنيين الاعتبار بأن التطمينات الحكومية لا جدوى منها.

ما يدفع للتساؤل حاليا، هو مصير الارتفاع المضطرد لأسعار المواد الغذائية وسلع الاستهلاك اليومي، وفيما إذا ستلجأ حكومة دمشق قريبا لحذف أصفار من العملة لتلافي آثار التضخم، وما هو مستقبل التضخم في سوريا خلال الفترة المقبلة، وتأثيراته على ارتفاع الأسعار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.