تاريخيا فُرض على حكومة دمشق مجموعة من العقوبات لاسيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ففي عام 1979 أدرجت واشنطن دمشق ضمن قائمة العقوبات المتعلقة بالدولة الراعية للإرهاب، وهي عقوبات ليست موجهة بالأساس لسوريا وإنما المقصود بها أطراف أخرى ولكن جرى توسيعها لتشمل حكومة دمشق أو أشخاص وجهات سورية. وفي عام 2000 عندما فرضت أمريكا عقوبات على برنامج إيران النووي، شملت تلك العقوبات سوريا أيضا عن طريق إضافة مؤسسات رسمية مثل القوة الجوية السورية، ووزارة الدفاع السورية.

وفي عام 2003 فرضت على سوريا عقوبات مستخلصة من قانون محاسبة سوريا والسيادة اللبنانية لعام 2003، وتشمل مجموعة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية. كما فرضت أمريكا عام 2006 عقوبات استهدفت البنك التجاري في سوريا، الذي يمنع البنوك الأميركية أو فروعها من التعامل مع البنك السوري. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، وقيام قوات حكومة دمشق بعمليات عسكرية ضد المدنيين، وإصرار دمشق على استخدام القمع بدأت الولايات المتحدة وجهات أوروبية وعربية بإصدار عقوبات ضد حكومة دمشق، وقد توسعت وتعددت أشكال هذه العقوبات ونطاق عملها على مر الأعوام الماضية منذ 2011، وكان من أهم العقوبات التي فرضت هو “قانون قيصر” الذي سنته الولايات المتحدة وبدأ العمل به في 2020.

اتبعت دمشق عدد من السياسات بهدف إفراغ العقوبات من تأثيرها على بنية نظامه الداخلي، وليس على الشعب السوري، ويمكن تحديد أهم تلك السياسات على الشكل التالي: 

تجارة المخدرات

في السنوات الأخيرة توسعت دمشق بشكل كبير في تجارة المخدرات، وهي تجارة تمارسها سابقا أي قبل عام 2011. يدير تجارة المخدرات في سوريا شخصيات مقربة من بشار الأسد، وهم مرتبطين بالأجهزة العسكرية والأمنية وذلك لتسهيل الحركة والعمل والتهريب. وفي الآونة الأخيرة صنفت سوريا من الدول الأكثر تصديرا للمخدرات في العالم.

ووفقا لتحقيق أجرته صحيفة “تايمز” البريطانية، فقد توصلت لمعلومات تفيد بأن تجارة المخدرات تمثل مصدر دخل مهم لدمشق حاليا، فحبوب الكبتاغون ذات الجودة المتدنية، يمكن أن تباع مقابل دولار واحد للحبة داخل سوريا، فيما يبلغ سعر الحبة الواحدة ذات الجودة الجيدة في الأسواق الخارجية 14 دولارا أو أكثر.  

تخفيض الإنفاق العام

استفادت حكومة دمشق من وجود أكثر من 35 بالمئة من الأراضي السورية خارج نطاق سيطرته، الأمر الذي يقلل من مسؤولية دمشق تجاه تلك المناطق من ناحية توفير الخدمات لها. وقد أسندت الحكومة الحالية إدارة الخدمات البلدية إلى السلطات المحلية، بما معنى تتولى كل بلدية بما تملك من موارد إدارة أمورها الخدمية ضمن الإمكانيات المتاحة. أي أن البلديات لا تحصل على تمويل من قبل الحكومة المركزية. بطبيعة الحال استطاعت دمشق توقيف تمويل البلديات من تخفيض مصاريف الموازنة العامة للدولة. 

الاستعانة بمناطق المعارضة وشرق الفرات 

تتدفق يوميا العديد من السلع والمنتجات من مناطق المعارضة وشرق الفرات إلى مناطق حكومة دمشق. ومن المعروف إن مناطق المعارضة تستورد الغالبية العظمى من بضائعها من تركيا، وبالتالي هي مركز لكافة المنتجات. لذلك يستند العديد من التجار في دمشق على أسواق مناطق المعارضة شمال غرب سوريا لتأمين العديد من المنتجات المستوردة، وسد النقص الحاصل الناتج عن العقوبات. 

دعم الحلفاء

لم يتأخر حلفاء دمشق عن دعمها عسكريا وسياسيا، وبدرجة أقل اقتصاديا، وكان للدعم دورا هاما في التخفيف من أثر العقوبات. ونقصد هنا بالحلفاء إيران وروسيا.

إيران، حرصت بشكل كبير على عدم انهيار دمشق اقتصاديا. فقد أظهرت الإحصائيات أنها مدت دمشق بشحنات لم تنقطع من النفط بين عامي 2013 و2021، بالإضافة إلى ذلك، قدمت إيران 2 مليار دولار أمريكي في عامي 2013 و2015 إلى مصرف سوريا المركزي لدعم العملة السورية، كما قدمت تسهيلات تجارية ولوجستية لاستيراد البضائع الإيرانية من غير النفط. ويمكن تقدير الدعم الإيراني غير العسكري لسوريا في الفترة الممتدة بين 2013 – 2021 بحوالي 15.6 مليار دولار أمريكي. ومن الضروري التنويه له أن إيران تقدم الدعم غير العسكري من خلال خطوط الائتمان، وهو ما يعني أنه يتحول إلى دين على الدولة السورية.

بالنسبة لروسيا سهلت الأنشطة التجارية والاستثمار في القطاعات الحيوية في سوريا. فمثلا أصبح القمح الروسي المصدر الرئيسي للقمح بالنسبة لحكومة دمشق، بعدما سهلت الحكومة الروسية القروض لدمشق من أجل شراء القمح. 

مساندة روسيا وإيران لحكومة دمشق لم تكن مجانية، فقد كانت على حساب سيادة الدولة، والتخلي عن مواردها الطبيعية، وحقوق التنقيب عن البترول والغاز والطرق والاتصالات ومرافقها الحيوية لصالح الحليفين روسيا وإيران.

التطبيع العربي

تحاول بعض الدول العربية في الوقت الحالي إعادة دمشق إلى الجامعة العربية عبر إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية معها، علما أن بعض هذه الدول مثل الجزائر والعراق، ولبنان، وسلطنة عمان لم تقطع علاقتها بدمشق من الأساس وحافظت على حد معين من العلاقة طوال السنين الماضية. وقد انضمت لهما كل من الإمارات والبحرين الذين أعادوا فتح سفارتهما في دمشق في السنوات الأخيرة. 

فقد استطاعت دمشق تأمين بعض الأموال لتمويل ذاتها من خلال عملية التطبيع مع بعض الدول العربية مثل الإمارات. لقد أجرت صحيفة فرنسية تحقيقا في هذا الأمر ووصلت لنتيجة أن الإمارات مولت مشاريع في العاصمة دمشق في قطاع البنية التحتية، فضلا عن تسهيل تقديم القروض المالية.

في النتيجة، اعتمدت دمشق على الاقتصاد الأسود غير الرسمي في سبيل التهرب من العقوبات، وهو الاقتصاد غير الموثق قانونا في الدولة، ولا يخضع للضرائب، ولا يحسب من الناتج القومي للدولة، يستخدم هذا النوع من الاقتصاد عادة في الدول الفاسدة والديكتاتورية.

في الوقت الحالي استطاعت حكومة دمشق تمويل نفسها والطبقة المحيطة بها، من خلال السياسات التي تم بحثها، واعتمدت بشكل أساسي في السنوات الاخيرة على تجارة المخدرات التي تدر أموالا طائلة. ومن المهم التأكيد على أن الواردات المالية التي تكسبها دمشق لا تحولها إلى ميزانية الدولة لتصرف على الخدمات وما شابه، بل توزع على المجموعات المستفيدة والمرتبطة بالسلطة الحاكمة بشكل عضوي. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.