مؤخرا قررت الهند حظر صادرات القمح ما أثار مخاوف من أزمة غذائية عالمية جراء تفاقم نقص القمح الذي حدث في الأصل بسبب الأزمة الأوكرانية، وهذا النقص في القمح سيكون من أكبر المتضررين منه عدد من الدول العربية (على رأسها سوريا) التي تعد من المستوردين الأساسيين للقمح.

وأعلنت الهند في 14 مايو/أيار 2022، حظر تصدير القمح، وذلك بعد أيام قليلة فقط من قولها إنها تستهدف شحنات قياسية في عام 2022، حيث أدت موجة الحر القائظ إلى تقليص الإنتاج لترتفع الأسعار المحلية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

صراع على القمح

وذلك في وقت يبدو أن الصراع على القمح في سوريا قد بات وشيكا. فقد ازداد الطلب على هذه المادة الاستراتيجية. نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثيره على تصدير القمح من أوروبا الشرقية، وسلاسل الإمداد العالمي عموما.

وكان أحمد إبراهيم، رئيس اتحاد الفلاحين، قد أكد أن حكومة دمشق “تعتزم رفع سعر تسلم القمح من الفلاحين”. مبينا أن “أسعار التسلّم ستُرفع لتراعي السعر الجديد للمحروقات. والاتحاد يطالب بإعطاء أعلى سعر ممكن للفلاح، لتسلم الكميات المنتجة كلها منه”.

ورغم التوقعات بأن يكون الموسم الحالي أكثر إنتاجا من الموسم الماضي في سوريا، إلا أن مناطق سيطرة حكومة دمشق غير قادرة على تغطية احتياجات البلاد من القمح، وخصوصا أن إنتاج القمح المروي يتركز في المحافظات الشرقية والشمالية الشرقية السورية. وكل هذا سيصعّد الصراع على القمح السوري.

ويأتي الصراع على القمح السوري، الشحيح أصلا، في سياق ارتفاع أسعار القمح عالميا بأكثر من سبعين بالمئة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع منظمات أممية إلى دق ناقوس الخطر، للتحذير من أزمات غذاء غير مسبوقة في عدد من الدول العربية، ومن بينها سوريا.

وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، فإنه “قبل أن تغلق حرب أوكرانيا خطوط إمداد القمح باتجاه سوريا، كانت البلاد تعاني أصلا من نقص حاد في القمح، بسبب الأزمة الاقتصادية الكاسحة، وتدمير البنية التحتية، خلال عقد من النزاع الدامي”.

وأضاف التقرير أن “حكومة دمشق تعتمد بشكل أساسي على روسيا لسد النقص، عبر استيراد القمح. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021 توصلت الحكومة السورية إلى اتفاق مع روسيا لاستيراد مليون طن من القمح، بتمويل من قرض روسي، لكن صوت القنابل طغى على الاتفاق، وتم تعليق الصفقة”.

ويخلص التقرير الأممي إلى أن “برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حذر، قبل عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا، من دخول نحو مليونين ونصف المليون سوري في متاهة انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى نحو عشرة ملايين شخص سبقوهم إلى هذه المتاهة. أي أن أكثر من ثلاثة عشر مليون شخص في سوريا يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي”.

قد وصلت نسبة ارتفاع أسعارالقمح إلى 27 بالمئة منذ بداية العام الحالي، وذلك بالتزامن مع تعطيل شحنات حبوب سلة الخبز في منطقة البحر الأسود، وارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، كما أسهمت الحرب في أوكرانيا، بشلل السلسلة الزراعية في تلك المنطقة، بداية من عملية الزراعة، وحتى عمليات الشحن للتصدير، وفق متابعة موقع “الحل نت”.

ناقوس خطر

البنك الدولي، حذر مؤخرا في تقرير لمراقبة التجارة، أن الدول النامية ستواجه نقصا في إمدادات القمح في المدى القريب، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق تقارير صحفية.

حيث تواجه الدول التي تعتمد واردات القمح فيها على أوكرانيا نقصا ستصل نسبته إلى نحو 40 بالمئة، فيما يشير مراقبون إلى أنه بالمثل فإن الدول التي تعتمد على روسيا في واردات القمح ستواجه نقصا مماثلا.

وفي هذا السياق فقد تراجعت المساحات المزروعة بالقمح في سوريا لهذا العام عن العام الماضي، حيث لا يمكن إحصاء تقديرات إنتاج القمح لهذا الموسم لعدم الوصول إلى مرحلة “التسنبل” بعد، لكن المساحة المزروعة بلغت 1.2 مليون هكتار، وهي أقل من العام الفائت إذ بلغت 1.5 مليون هكتار،حسب متابعة “الحل نت”.

ويتم الاعتماد في محصول القمح على المساحات المروية، ولا يوجد في مساحتها المزروعة فارق كبير عن العام الماضي، أما البعلية فيوجد انخفاض، حيث بلغت تقديرات الإنتاج العام الماضي نحو 1.9 مليون طن على مستوى كامل سوريا بينما الحاجة تبلغ مليوني طن، لكن ما تم تسليمه كان بحدود 435 ألف طن، 366 ألف للمؤسسة العامة للحبوب أما الباقي فكان من نصيب المؤسسة العامة لإكثار البذار.

مع قرار إلغاء الدعم عن شريحة من السوريين في مطلع شباط/فبراير الماضي، ارتفع سعر الخبز أمام المخابز وفي الشوارع لتباع ربطة الخبز ما بين 1500- 2000 ليرة، بينما تباع ربطة الخبز للمستفيدين من الدعم حاليا بـ250 ليرة على أن تباع لدى المعتمدين المرخصين والأكشاك التابعة لـ”المؤسسة السورية للمخابز”، وذلك في ظل النقص الكبير في كميات الخبز التي تنتجها المخابز في سوريا.

وبحسب مصادر محلية خاصة من داخل دمشق، أفادت لـ”الحل نت” بأن “الحكومة لا تقوم إلا بتأمين جزءا بسيطا من الكميات المخصصة للمواطنين والتي بدورها يجب أن تصل إلى المعتمدين، لذا فإن صاحب البقالة يعمد إلى شراء الخبز بالسعر غير المدعوم، وبيعها للزبون بسعر إضافي”.

ووفق مختصين فمن المرشح أن أزمة القمح والخبز في سوريا، ستتضاعف بشكل كبير في العام الحالي، بسبب انخفاض الإنتاج الناتج عن انخفاض مساحات الأراضي المزروعة بالقمح، حيث بلغت 1.2 مليون هكتار، وهي أقل من العام الماضي التي بلغت 1.5 مليون هكتار، بالإضافة إلى أن روسيا كانت تزود سوريا بالقمح بأسعار تفضيلية قبل غزوها لأوكرانيا، ومع توقفها أو إلغاء البيع بالسعر التفضيلي فإن سوريا ستضطر للشراء بالسعر العالمي وهو ما سينعكس على سعر الخبز، بحسب متابعة “الحل نت”.

وكانت سوريا قد شهدت في عام 2021 أخفض نسبة لإنتاج القمح منذ خمسين سنة وذلك بسبب الجفاف وارتفاع أسعار المواد والظروف الاقتصادية السيئة، وذلك بحسب ما ورد في تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، نهاية العام الماضي.

كما انخفض إنتاج القمح والشعير بشكل كبير خلال العام 2021، حيث نقص إنتاج القمح بنسبة 63 بالمئة عن إنتاج العام 2020 ليصل إلى 1.05 مليون طن انخفاضا من 2.8 مليون في عام 2020، أما إنتاج الشعير فقد توقف عند حد 10 بالمئة من معدلات الإنتاج خلال عام 2020.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.